* قال تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54) المائدة.
*قال ابن كثير:
يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته
فإن الله يستبدل به من هو خيرا لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى"
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" وقال تعالى" إن يشأ
يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز" أي بممتنع ولا صعب وقال تعالى
ههنا" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه" أي يرجع عن الحق إلى
الباطل.........
وقوله تعالى" أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" هذه صفات المؤمنين الكمل
أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه كما قال تعالى"
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" وفي صفة رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه
وقوله" عز وجل يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" أي لا يردهم عما
هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لا يردهم عن ذلك راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا
عذل عاذل....
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألا
لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب منه أجل
ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم "..أخرجه أحمد.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرن
أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه فيقال له يوم القيامة: ما
منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف".
رواه أحمد وابن ماجه.
قوله: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" أي من اتصف بهذه الصفات فإنما هو من فضل
الله عليه وتوفيقه له" والله واسع عليم" أي واسع الفضل عليم بمن يستحق ذلك
ممن يحرمه إياه.
*إذاً فالحهاد هو سبيل الخلاص وإلا
الهلاك:
*يقول تعالى:
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين" َ(142) ال
عمران.....قلا دخول للجنة الا من طريق الجهاد.
*ويقول تعالى:
"وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ
عَنْ الْعَالَمِينَ"(6) العنكبوت....فانج نفسك لئلا تهلك.
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ
وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم"ْ(31) محمد.... نختبرها ونظهرها.
قال إبراهيم بن الأشعث: كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال:
اللهم لا تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
* ولا رضى من الله ولا فلاح إلا من
طريق الجهاد:
*يقول الله تعالى:
"الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُون"َ(20) التوبة.
"لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ
الْمُفْلِحُون"َ(88) التوبة.
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ........." (72) الأنفال.
*وبين سبحانه أن المجاهدة سبيل
الهداية :
*فقال سبحانه:
"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ
لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"(69) العنكبوت.
"لنهدينهم سبلنا" أي لنبصرنهم سبلنا أي طرقنا في الدنيا والآخرة. " قال عباس
الهمداني: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون...
*ولذلك أمر الله به عباده:
*قال تعالى:
"انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون"َ(41)
التوبة.
"وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ
فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"(78) الحج.
*ثم حذر الله عباده من مغبة ترك هذا
الطريق:
*فقال سبحانه:
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24) التوبة.
أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد
في سبيله فقال " وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها " أي تحبونها لطيبها
وحسنها أي إن كانت هذه الأشياء " أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
فتربصوا" أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم. ولهذا قال " حتى
يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين "........وفى الحديث عن ابن
عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تبايعتم بالعينة
وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم زلا ً لا
ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
*وقال تعالى:
"فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا
أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا
لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ"(81) التوبة.
وفى الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. " نار بني آدم
التي توقدونها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " فقالوا يا رسول الله إن كانت
لكافية فقال " فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " أخرجاه في الصحيحين... وعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوقد الله على
النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف
سنة حتى اسودت فهي سوداء كالليل المظلم " .... وقال الله تعالى في كتابه
العزيز " كلا إنها لظى نزاعة للشوى " وقال تعالى " يصب من فوق رءوسهم الحميم
يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها
من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق " وقال تعالى " إن الذين كفروا بآياتنا
سوف نصليهم نارا كما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " وقال
تعالى في هذه الآية الكريمة " قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون " أي لو
أنهم يفقهون ويفقهون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ليتقوا به من حر
جهنم الذي هو أضعاف هذا
وصدق من قال:
عُمرُك بالحمـــــــية أفنيَـــتهُ خوفا من الباردِ والحار
كان أولى لك أن تتقـــــــــي من المعاصي حذَر النــار.
*فكيف نجاهد؟...لابد هنا من معرفة أن
الجهاد على ثلاثة مراتب:
1- جهاد باليد.. 2- جهاد باللسان.. 3-
جهاد بالقلب..
ففى الحديث عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمّةٍ قَبْلِي، إِلاّ
كَانَ لَهُ مِنْ أُمّتِهِ حَوَارِيّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنّتِهِ
وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمّ إِنّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ،
يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ
جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ
وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبّةُ خَرْدَلٍ". أخرجه مسلم فى كتاب
الايمان.
والخلوف فبضم الخاء وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشر. وأما بفتح
اللام فهو الخالف بخير.
*
والجهاد باليد هو ما يكون بالسيف
والسلاح ونحوه وهذا لايكون الا مع القدرة عليه مع امن الفتنة وانتشار الفساد
فقد يجاهد القادر عليه باليد ويحدث من ذلك فساد كبير ولا يخفى ما فى المقاتل
والحروب من فساد.
*
والجهاد باللسان يكون لأهل العلم ولمن عرف الحق ويستطيع أن يبينه من مقتضيات
الولاء لأهل الحق ..... والبراء من أهل الباطل والكافرين من اليهود وغيرهم
وكل من كان مؤيد لهم مناصرا لشأنهم ....والجهاد باللسان من الأهمية بمكان حيث
هو الإرشاد للحق وما هو المطلوب من العبد المسلم لينجو عند الله تعالى ويخرج
من الظلمات الى النور خاصة فى أزمنة الجهل والظلم...
*
والجهاد بالقلب هو فريضه الجميع من
المسلمين رجالا ُ ونساء وعلماء وعوام والكبار والصغار وليس له قيد ولاشرط بل
هو شرط الإيمان وفى الحديث "وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ
وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبّةُ خَرْدَلٍ"...فهو أخر محطة
إيمانية... ويكزن الجهاد بالقلب من خلال بغض الباطل والكفر وأهله وتمنى
زوالهم من على الأرض فى ظل قول الله تعالى:" وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا(26)إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ
يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا" (27) نوح.
وقول الله تعالى:" رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" (88)
يونس.
*وكان الحسن البصري يقول: إن الرجل
ليجاهد وما ضرب يومٍ من الدهر بسيف.