* الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على
صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ
فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ: نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ فاسْتَمِعْ ما
يُحَيُّونَكَ فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ، فقال: السَّلامُ
عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، فَزَادُوهُ:
وَرَحْمَةُ اللَّهِ".
حديث "أن الله خلق آدم على صورته" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله
آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر
من الملائكة، جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام
عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل
الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن) أخرجه البخارى, - باب:
بدء السلام.
*
قال بعض أهل العلم:
خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون
ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر - وهم نفر من الملائكة جلوس -
فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا:
السلام عليك ورحمة الله، فزادوه "ورحمة الله" فكل من يدخل الجنة على صورة آدم
طوله ستون ذراعا، فلم تزل الخلق تنقص بعده حتى الآن
["خلق الله آدم على صورته": أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته
إلى موته، لم تتفاوت قامته ولم تتغير هيئته، بخلاف بنيه فإن كلا منهم يكون
نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ... وقيل الضمير (راجع) لله تعالى، بقرينة
رواية "خلق آدم على صورة الرحمن (أي أعطاه من الصفات ما يوجد مسماها عند الله
عز وجل، كالموت والحياة والعلم والكلام والرحمة، والتي لم تعط بمجموعها
للحيوان ولا للملائكة ولا للجن، وإن كان الاشتراك فقط في مسميات هذه الصفات
وليس في عينها، حيث أن المشترك بين قدرة العبد وقدرة الخالق هو الاسم فقط،
وهكذا بشأن جميع الصفات، فقدرة الله غير مخلوقة وغير محدودة، بينما قدرة
العبد مخلوقة، محدودة، تحتاج على الدوام إلى الحي القيوم، الذي يمسك السماء
أن تقع على الأرض إلا بإذنه)]ـ
* وأخرج مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا قَاتَلَ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ، فَلاَ يَلْطِمَنّ الْوَجْهَ".
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا
الْمُثَنّى. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنِ الْمُثَنّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِي أَيّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى
الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ.
فَإِنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَىَ صُورَتِهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا
هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِيّ
(وَهُوَ أَبُو أَيّوبَ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ
الْوَجْهِ". م , كتاب البر والصلة والاداب. باب النهي عن ضرب الوجه.
* قال النووى فى الشرح:
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل
أحدكم أخاه فليجتنب" وفي رواية: "إذا ضرب أحدكم" وفي رواية: "لا يلطمن
الوجه"وفي رواية: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على
صورته" قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن
وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه وقد ينقصها وقد
يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر لا يمكن ستره، ومتى ضربه لا يسلم
من شين غالباً، ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب
فليجتنب الوجه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله خلق آدم على صورته"
واختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة: الضمير في صورته عائد على الأخ (يعنى
قوله:أخاه.. فى الحديث) المضروب وهذا ظاهر رواية مسلم، وقالت طائفة: يعود إلى
آدم وفيه ضعف، وقالت طائفة: يعود إلى الله تعالى ويكون المراد إضافة تشريف
واختصاص كقوله تعالى: {ناقة الله} وكما يقال في الكعبة بيت الله ونظائره
والله أعلم.
*
وفي مسلم أيضا: كتاب الجنة، وصفة
نعيمها وأهلها. باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير.
عن أَبُى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ
أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ آدَمَ عَلَىَ صُورَتِهِ. طُولُهُ سِتّونَ ذِرَاعاً.
فَلَمّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلّمْ عَلَى أُولَئِكَ النّفَرِ. وَهُمْ
نَفَرٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ. فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيّونَكَ. فَإِنّهَا
تَحِيّتُكَ وَتَحِيّةُ ذُرّيّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السّلاَمُ
عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ. قَالَ:
فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللّهِ. قَالَ: فَكُلّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنّةَ
عَلَىَ صُورَةِ آدَمَ. وَطُولُهُ سِتّونَ ذِرَاعاً. فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ
يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتّىَ الاَنَ"
* قال النووى فى الشرح:
قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله
آدم على صورته طوله ستون ذراعا" هذا الحديث سبق شرحه وبيان تأويله، وهذه
الرواية ظاهرة في أن الضمير في صورته عائد إلى آدم، وأن المراد أنه خلق في
أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وتوفي عليها وهي طوله ستون
ذراعا ولم ينتقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم
تتغير.أ.هـ
*
وفى فيض القدير: الجـزء الأول. حرف الهمزة. في الحديث رقم: 739
(إذا ضرب أحدكم خادمه) أو مواليه أو
حليلته أو نحو ولده، وذكر الخادم في بعض الروايات والعبد في بعضها ليس
للتخصيص، وإنما خص لأن سبب ذكره أن إنساناً ضرب خادمه وآخر عبده على وجهه،
فالسبب خاص والحكم عام، فشمل الحكم إذا ضرب حداً أو تعزيراً لله أو لآدمي
ونحو ولي وسيد وزوج (فليتق) في رواية لمسلم فليتجنب وهي مبينة لمعنى الإتقاء
(الوجه) من كل مضروب معصوم وجوباً لأنه شين، ومثله له للطافته وتشريفه على
جميع الأعضاء الظاهرة لأنه الأصل في خلقة الإنسان، وغيره من الأعضاء خادم،
لأنه الجامع للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة،
ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد، ولأنه مدخل الروح
ومخرجه ومقر الجمال والحسن، وبه قوام الحيوان كله ناطقه وصامته فلما كان بهذه
المثابة احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضرب أو إهانة أو
تقبيح أو تشويه، ومثل الوجه في عدم الضرب المقاتل لا الرأس كما قال بعض
الشافعية، وجاء في رواية لمسلم تعليله بأن الله خلق آدم على صورته أي على
صورة المضروب، وقيل الضمير لله بدليل رواية الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما
قال ابن حجر على صورة الرحمن وفي رواية لابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعاً
"من قاتل فليتجنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن". فيتعين
إجراء ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إيراده على ما جاء بغير إعتقاد تشبيه
أو تأويله على ما يليق بالرحمن جل وعلا. وفيه أنه يحرم ضرب الوجه وما ألحق به
في الحد والتعزير والتأديب. وألحق بالآدمي كل حيوان محترم، أما الحربيون
فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود.أ.هـ
وفى
حرف الخاء. في الحديث رقم: 3928
(خلق اللّه آدم على صورته) أي على
صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغير
هيئته بخلاف بنيه فإن كلاً منهم يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً
وأعصاباً عارية ثم مكسوة لحماً ثم حيواناً مجنناً لا يأكل ولا يشرب ثم يكون
مولوداً رضيعاً ثم طفلاً مترعرعاً ثم مراهقاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً أو
خلقه على صورة حال يختص به لا يشاركه أنواع أخر من المخلوقات فإنه يوصف مرة
بالعلم وأخرى بالجهل وتارة بالغواية والعصيان وطوراً بالهداية والاستغفار
ولحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من الجنان ولحظة يتسم
بسمة الاجتباء ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء وبرهة يستعمل بتدبير الأرضين
وساعة يصعد بروحه إلى عليين وطوراً يشارك البهائم في مطعمه ومنكحه وطوراً
يسابق الكروبيين في ذكره وفكره وتسبيحه وتهليله وقيل الضمير للّه تعالى
بقرينه رواية خلق آدم على صورة الرحمن(1) والمعنى خلق آدم على صورة اجتباها
وجعلها من جميع مخلوقاته إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته ولذلك قيل
الإنسان عالم صغير.
<تنبيه> قال ابن عربي: لما وصل الوقت المعين في علمه تعالى لإيجاد هذا
الخليفة الذي يهدي اللّه المملكة بوجوده وذلك بعد أن مضى من عمر الدنيا سبعة
عشر ألف سنة أمر بعض ملائكته أن يأتيه بقبضة من كل أجناس تربة الأرض فأتاه
بها فأخذها سبحانه وخمرها بيده حتى تغير ريحها وهو المسنون وهو ذلك الجزء
الهوائي الذي في الإنسان وجعل جسده محلاً للأشقياء والسعداء من ذريته وجمع في
طينته الأضداد بحكم المجاورة وأنشأه على الحركة المستقيمة وذلك في دولة
السنبلة وجعله ذا جهات ست فوق وهو ما يلي رأسه وتحت وهو ما يلي رجليه ويمين
وهو ما يلي جانبه الأقوى وشمال وهو ما يلي جانبه الأضعف وأمام وهو ما يلي
الوجه وخلف وهو ما يلي الفضاء وصوَّره وعدله وسوّاه ثم نفخ فيه روحه المضاف
إليه فسرى في أجزائه أربعة أركان الأخلاط إذ كانت الصفراء عن الركن الناري
والسوداء عن التراب، والدم عن الهواء وهو قوله مسنون والبلغم من الماء الذي
عجن به التراب فصار طيناً ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها تجذب الأغذية
ثم الماسكة وبها يمسك الحيوان ما يتغذى به ثم الهاضمة وبها يهضم الغذاء ثم
الدافعة وبها يهضم الفضلات عن نفسه من عرق وبخار وريح وبراز وأما سريان
الأبخرة وتقسم الدم في العروق وفي الكبد فبالقوة الجاذبة لا الدافعة ثم أحدث
فيه القوة الغاذية والمنمية والحاسة والخيالية والوهمية والحافظة والذاكرة
وهذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا بما هو إنسان فقط إلا أن هذه القوى
الأربع قوة الخيال والوهم والحفظ والذكر في الإنسان أقوى ثم خصت بالقوة
المصورة المفكرة والعاقلة وجعل هذه القوى آلات للنفس الناطقة ليصل بها إلى
جميع منافعها وجعله داراً لهذه القوى فتبارك اللّه أحسن الخالقين ثم ما سمى
نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان من التخلق به حظاً منه يظهر به في
العالم على قدر ما يليق به، ولذلك تأول بعضهم قوله في الخبر خلق اللّه آدم
على صورته على هذا المعنى والحديث خرج مخرج الزجر والتهويل لوروده عقب قوله
لا تقولوا قبح اللّه وجهك فإن اللّه خلق آدم على صورته أي صورة هذا الوجه
المقبح ذكره القاضي.أ.هـ