* الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
أخرج البخاري في كتاب النكاح:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ:{ هَلْ
تَزَوَّجْتَ قُلْتُ لَا قَالَ فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ
أَكْثَرُهَا نِسَاءً }
قال في الشرح:
قوله ( فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء
) قيد بهذه الأمة ليخرج مثل سليمان عليه السلام , فإنه كان أكثر نساء , وكذلك
أبوه داود , ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "
تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء " قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر
نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل . والذي يظهر أن مراد
ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم , وبالأمة أخصاء أصحابه ; وكأنه
أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح , إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه
وسلم غيره , وكان النبي صلى الله عليه وسلم - مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم
به - يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال , ولإظهار
المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يشبع به من القوت غالبا ,
وإن وجد كان يؤثر بأكثره , ويصوم كثيرا ويواصل , ومع ذلك فكان يطوف على نسائه
في الليلة الواحدة , ولا يطاق ذلك إلا مع قوة البدن , وقوة البدن تابعة لما
يقوم به من استعمال المقويات من مأكول ومشروب , وهي عنده نادرة أو معدومة .
ووقع في " الشفاء " أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدلالته على الرجولية ,
إلى أن قال : ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه , بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن
وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن
عليه فلا يتطلعن إلى غيره , بخلاف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع البشري
إلى التزويج , وذلك هو الوصف اللائق بهن .
*
والذي تحصل من كلام أهل العلم في
الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها .
أحدها:
أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر
أو غير ذلك .
ثانيها:
لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم .
ثالثها:
للزيادة في تألفهم لذلك .
رابعها:
للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في
التبليغ .
خامسها:
لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه . سادسها: نقل الأحكام
الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال , لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن
يختفي مثله .
سابعها:
الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة , فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه
, وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها , فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن
منه , بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن .
ثامنها:
ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول
والمشروب وكثرة الصيام والوصال , وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم ,
وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم
.
تاسعها وعاشرها:
ما تقدم نقله عن صاحب " الشفاء " من تحصينهن والقيام بحقوقهن , والله أعلم .