اطبع هذه الصفحة


حكم الامتناع عن إطراق الفحل

كتبه عبدالعزيز الدغيثر في 04/02/1443هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
فقد صح عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد عليها بقاع قرقر تطأه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن ليس فيها يومئذ جما ولا مكسورة، قلنا: يا رسول الله وما حقها؟ قال: إطراق فحلها وإعارة دلوها، ومنحتها وحلبها، وحمل عليها في سبيل الله» رواه مسلم (988)، أحمد (3/321)، النسائي (5/27)، وابن حبان (3255)، والدارمي (1616) . وفي مدلول الحديث ذهب جماهير أهل العلم إلى استحباب إطراق الفحل، وعدم وجوبه.

قال ابن عبدالبر في الاستذكار 3/178: وما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء والحمل عليها في سبيل الله. وروى شعبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فقيل لأبي هريرة وما حق الإبل قال تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتفقر الظهر وتطرق الفحل وتسقي اللبن. قال أبو عمر قد مضى القول في معنى مثل هذا الحديث أنه على الندب والإرشاد إلى الفضل أو تكون قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بفرض الزكاة لما ذكرنا من الدلائل وإذا كان قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان عاد كله فضلا وفضيلة بعد أن كان فريضة والله أعلم. وهذا المعنى هو الذي خفي على من ذهب إلى ما ذهب إليه من أوجب في المال حقوقا سوى الزكاة من إيجاب إطعام الجائع وفك العاني والمواساة في حين المسغبة والعسرة وصلة الرحم والعطف على الجار ونحو هذا مما قد تقدم ذكره.

وقد حمله النووي في شرحه لمسلم 7/66 على الندب. وقال الزكشي الحنبلي في شرحه للمقنع 2/391: وإذا ثبت هذا الوعيد العظيم في هذا الحق، فالزكاة أولى، ونسخ الأصل لا يلزم منه نسخ الفحوى على الأشهر.

وفي حاشية السيوطي على مسلم 3/62: قال المازري يحمل على أن يكون هذا الحق في موضع يتعين فيه المواساة وقال القاضي هذه الألفاظ صريحة في أن هذا الحق غير الزكاة قال ولعل هذا كان قبل وجوب الزكاة ومنيحتها هو ان يمنحه ناقة أو بقرة أو شاة ينتفع بلبنها ووبرها وصوفها وشعرها زمانا ثم يردها.

وفي مرعاة المفاتيح للمباركفوري 6/94: روى البخاري مرفوعا ومن حقها أي حق الإبل أن تحلب على الماء، وفي رواية أبي داود قلنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما حقها؟ قال: إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله- انتهى ومن المعلوم أن هذه الأمور من الحقوق المندوبة لا الواجبة.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الزيادة غير متصلة، ففي مرعاة المفاتيح للمباركفوري 6/11: قال العراقي: الظاهر أن هذه الزيادة ليست متصلة، وقد بين ذلك أبو الزبير في بعض طرق مسلم، فذكر الحديث دون الزيادة، ثم قال أبو الزبير: سمعت عبيد بم عمير يقول هذا القول، ثم سألنا جابر بن عبد الله، فقال مثل قول عبيد بن عمير: قال أبو الزبير، وسمعت عبيد بن عمير يقول قال رجل: يا رسول الله ما حق الإبل؟ قال: حلبها على الماء وإعارة دلوها، وإعارة فحلها ومنحتها وحمل عليها في سبيل الله. قال العراقي فقد تبين بهذه الطريق إن هذه الزيادة إنما سمعها أبو الزبير من عبيد بن عمير مرسلة، لا ذكر لجابر فيها- انتهى. وقال ولد العراقي في شرح التقريب بعد ذكر ذلك: وبتقدير أن تصح هذه الزيادة مرفوعة فجواب الجمهور عنها من وجهين:
- أحدهما أن ذلك منسوخ بآية الزكاة. وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر لما سأل عن هذه الآية إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها طهورا للأمور الخ.
- ثانيهما أن هذا من الحق الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه، وإنما ذكر استطرادا لما ذكر حقها بين الكمال فيه، وإن كان له أقل يزول الذم بفعله، وهو الزكاة.

ويحتمل أن يكون ذلك من الحق الواجب إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها. فيحمل الحديث على هذه الصورة - انتهى.

ومع أن الحنابلة ينقلون الإجماع على الاستحباب، فقد أوجبوا العارية في حال الحاجة الشديدة والضرورة، وقال في شرح منتهى الإرادات 3/414 :" (ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه) أي: المال كثياب لدفع برد ومقدحة ونحوها ودلو وحبل لاستقاء ماء (وجب) على رب المال (بذله) لمن اضطر لنفعه (مجانا) بلا عوض لأنه تعالى ذم على منعه بقوله {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] وما لا يجب بذله لا يذم على منعه وما وجب فعله لا يقف على بذل العوض بخلاف الأعيان فلربها منعها بدون عوض ولا يذم على ذلك ومحل وجوب بذل نحو ماعون (مع عدم حاجته) أي: ربه (إليه) فإن احتاج إليه فهو أحق به من غيره لتميزه بالملك". ونحوه في كشاف القناع 6/199

وذهب الإمام ابن تيمية – رحمه الله –إلى وجوب العارية إن كان المالك مستغنيا عن الشيء المعار وطالب الإعارة محتاجا إليه. الاختيارات للبعلي ص 273. فإن كان المستعير يطلب العارية لما دون الحاجة بل لأمر تجميلي فيستحب الإعارة ولا تجب مختصر الفتاوى المصرية ص 521.

وقال ابن القيم – رحمه الله –: " ماء الفحل لا قيمة له، ولا هو مما يعاوض عليه، ولهذا لو نزا فحل الرجل على رمكة غيره، فأولدها، فالولد لصاحب الرمكة اتفاقا؛ لأنه لم ينفصل عن الفحل إلا مجرد الماء وهو لا قيمة له، فحرمت هذه الشريعة الكاملة المعاوضة على ضرابه ليتناوله الناس بينهم مجانا، لما فيه من تكثير النسل المحتاج إليه من غير إضرار بصاحب الفحل، ولا نقصان من ماله، فمن محاسن الشريعة إيجاب بذل هذا مجانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «إن من حقها إطراق فحلها وإعارة دلوها» ) فهذه حقوق يضر بالناس منعها إلا بالمعاوضة، فأوجبت الشريعة بذلها مجانا" زاد المعاد 5/705.

ورده في الشرح الكبير 5/355 فقال: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) رواه ابن المنذر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في المال حق سوى الزكاة) وفي حديث الإعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا فرض الله علي من الصدقة؟ أو قال الزكاة، قال هل علي غيرها؟ قال (لا، إلا أن تتطوع شيئاً) أو كما قال والآية فسرها ابن عمر والحسن بالزكاة وكذلك زيد بن أسلم وقال عكرمة إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها من الصلاة وراءى ومنع الماعون.
 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية