صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الرياضة في الإسلام
13/3/1444هـ

كتبه: عبدالعزيز الدغيثر في 1/11/1443هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

من محاسن دين الإسلام التوازن بين متطلبات الروح واحتياجات البدن، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما زيادة في التعبد على حساب حاجات أخرى أمره بالتوازن فقال:" صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا" رواه البخاري.

وقد جاءت الآثار عن الصحابة للتأكيد على هذا المفهوم فقال على رضي الله عنه: أجموا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أريحوا القلوب فإن القلب إذا أكره عمي بهجة المجالس لابن عبدالبر ص44.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بفضل قوة المؤمن، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. أخرجه مسلم 8/56.

وفي هذا العصر المادي الذي سهل على الناس التنقل عبر وسائل النقل الحديثة، لم يعد الناس يعطون أبدانهم ما تحتاج له من رياضة وحركة، ولذا فإن من حق النفس على الإنسان أن يعطيها حاجتها من الرياضة حفظا لها.

ومن طبيعة النفس البشرية حب المنافسة، والطموح للتقدم في كل شيء، ولذا فإن الحكمة استغلال ذلك في ما يفيد الأبدان بإجراء المسابقات الرياضية في المحاضن التربية وداخل البيوت.

وتعتبر المسابقة بالأقدام من أقدم أنواع المسابقات وأسهلها وأقلها كلفة، وقد وردت في قصة يوسف أن إخوته قالوا :"إنا ذهبنا نستبق..." (يوسف:17)، قال المفسر ابن سعدي رحمه الله : نستبق إما على الأقدام أو بالرمي والنضال.

ومن الرياضات البدنية النبوية إقامة السباق على الأقدام، وإعطاء السابق بينهم، فقد روى عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيدالله – من بني العباس- ثم يقول: من سبق إلي كذا فله كذا وكذا، قال : فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم. رواه أحمد 1/214،
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم هذا الأسلوب التربوي الترفيهي كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقته على رجلها فسبقته قالت: فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: "هذه بتلك"، رواه أبو داود (2578) والنسائي في الكبرى 5/304 وابن ماجه ( 1979) وأحمد 6/264 بسند صحيح.

وبعد غزوة ذي قرد سابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار إلى المدينة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم فسبقه سلمه" رواه مسلم(4654).

وعندما قفل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة تبوك قالت الأنصار: السباق؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئتم. رواه ابن أبي شيبة 12/508.

وسابق ابن الزبير عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فسبق ابن الزبير فقال: سبقتك ...، قال عبدالله: ثم سبقني فقال: وسبقتك ورب الكعبة" رواه البيهقي في الكبرى 10/29

ومن أهم ما يحتاج إليه الناس من الرياضات إتقان السباحة لما فيها من رياضة وتنشيط للدورة الدموية وتنشيط للبدن، وإنقاذ للنفس عند الحاجة، ومساهمة في إنقاذ الآخرين كما في حال السيول الجارفة أو سقوط الصغار في المسابح المكشوفة، وهذا يبين أن معرفة السباحة غاية في الأهمية ولذا حرص على هذا الأمر حيث كانوا يتواصون به فكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي" رواه أحمد.

والسباحة من أفضل وسائل الترفيه وأنفعها للبدن والنفس، وقد جاءت النصوص النبوية بمدح هذه الوسيلة واستحباب تعلمها وتعليمها، لأنها قد تكون وسيلة لإنقاذ النفس، ومن طريف ما يذكر أن نحويا صعد سفينة فسمع ربان السفينة يصيح بأعلى صوته: ارفعوا الشراعُ يا أيها البحارة، فقال النحوي للربان: ألا تعرف النحو؟ قال: لا ، فقال النحوي: فاتك نصف عمرك!. فهبت عاصفة هزت السفينة حتى ارتفعت الأمواج وتلاطمت، فقال الربان للنحوي: أتعرف السباحة؟ قال: لا ، فقال الربان: فاتك عمرك كله!.

ومما ورد في فضل السباحة ممارسة وتعلما وتعليما حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو غير أربع خصال : تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بين الغرضين، وتعليم السباحة" أخرجه النسائي في الكبرى (8938-8940).

وليعلم أن معرفة السباحة غاية في الأهمية ولذا أوصى الحجاج مؤدب بنيه بقوله : " علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم ". ولذا أوصى الحجاج بن يوسف مؤدب بنيه بقوله : " علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم ". عيون الأخبار 2/166 .

ويدخل في ضمن ذلك رياضة الغوص، وتقوية القدرة على البقاء داخل الماء دون تنفس، وهذه الوسيلة الترفيهية رياضة جماعية، وفيها فائدة تمرين الصدر والرئتين على الحصول على كمية أكبر من الهواء مع التكرار والصبر، ولذا يلحظ أن الغواص المحترف يمكث تحت مدة أطول من غيره لتمرن رئتيه على ذلك ، وقد ورد في هذا النوع من المسابقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بساحل البحر وهو محرم فقال لابن عباس رضي الله عنهما: تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا، قال ابن عباس: ونحن محرمون، وجاء عن ابن عمر أن عاصم بن عمر وعبدالرحمن بن زيد وقعا في البحر يتمالقان (يتغاطسان) يغيب أحدهما رأس صاحبه وعمر ينظر إليهما فلم ينكر ذلك عليهما. رواه البيهقي.

ومن أنواع المسابقات التربوية الترفيهية رياضة الفروسية وهي رياضة النبلاء والقادة، لأنها تدل على شجاعة وثبات ورباطة جأش وقوة عزيمة، ولقد حث الشرع على أن يكون الترفيه البدني معينا على الاستعداد العسكري وأجاز بذل العوض فيه والأصل في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" رواه الأربعة بسند صحيح. وما رواه أحمد بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سبَّق بين الخيل وراهن" وفي لفظ:" سبق بين الخيل وأعطى السابق" وأصل الحديث في مسلم بلفظ:" أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل..." بدون ذكر الرهن.

ومن الاستعداد لمسابقات الفروسية تعليم الفرس وتأديبها، وفي ذلك أجر إذا احتسب صاحبه ذلك عند الله تعالى، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو غير أربع خصال : تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بين الغرضين، وتعليم السباحة". رواه النسائي في الكبرى بسند صحيح.

ومن المسابقات الرياضية عند العرب السباق على الإبل التي هي وسائل النقل المثلى في الصحارى والفيافي والقفار، وقد كان أغنياء العرب يتنافسون في اقتناء الإبل الأصيلة السريعة الصبورة، وإجراء المسابقات بين الإبل أمر شائع في العهد النبوي ففي صحيح البخاري عن أنس قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق..."، وروى بان أبي شيبة في مصنفه أن الصحابة كانوا يسابقون على الخيل والركاب وعلى أقدامهم.

ومن الرياضات التي تحفز على تقوية البدن رياضة رفع الأثقال، وتتميز بعدم وجود ضرر على الآخرين، وهذه الرياضة من الرياضات الفردية التي لا تخلوا من فائدة، فقد مر ابن عباس رضي الله عنهما بعدما ذهب بصره بقوم يجرون حجرا فقال: ما شأنهم؟ قال: يرفعون حجرا، ينظرون أيهم أقوى. فقال ابن عباس: عمال الله أقوى من هؤلاء. رواه عبدالرزاق في المصنف 11/444 (20960).

كما أن مسابقات المطارحة والألعاب القتالية الحديثة كالكاراتيه والتايكواندو والجودو ونحوها من الرياضات النبيلة، التي لا يقع فيها أذى لأي طرف، وتعرف في السابق بالمصارعة، وهي أشبه ما تكون بالرياضة الرومانية التي ليس فيها قصد لأذى أحد المصارعين للآخر، وقد ورد في المصارعة أن سمرة بن جندب ورافع بن خديج رضي الله عنهما تصارعا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. رواه الحاكم والطبراني. ليتبين الأقوى فينال شرف الجهاد. وفي حديث ركانة بن عبد يزيد قال: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى ، إذ قال لي ذات يوم: هل لك أن تصارعني؟ قلت له: أنت ؟ قال: أنا، فقلت: على ماذا؟ قال: على شاة من الغنم، فصارعته فصرعني" رواه البيهقي. وقد أفادت هذه المصارعة إسلام ركانة لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم معان من الله تعالى وقد رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم غنيمته. وننبه هنا إلى أن الألعاب القتالية العنيفة لا تتفق مع الأحكام الشرعية مثل المصارعة والملاكمة.

وقد كان سلف الأمة يربون أبناءهم على التدريب العسكري، وأن تكون متعتهم التي يلجؤون إليها للتخفيف من ضغوط التعليم هو التدرب على الرمي ليكونوا على استعداد تام عند الحاجة إليهم. من أجمل وأمتع وسائل الترفيه الرمي بالسلاح للتمرين على الإصابة والدقة، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي". وخرج النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا..". رواه البخاري.

بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من نسيان الرمي حيث قال:" من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا". رواه مسلم.

ومما ورد في فضل الرماية ممارسة وتعلما وتعليما حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو غير أربع خصال : تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بين الغرضين، وتعليم السباحة" أخرجه النسائي في الكبرى (8938-8940).

ولذا حرص على هذا الأمر حيث كانوا يتواصون به فكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي" رواه أحمد. وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:" عليكم بالرمي فإنه خير لهوكم". وكان أنس رضي الله عنه يجلس ويطرح له فراش ويجلس عليه ويرمي ولده بين يديه، فخرج يوما وهم يرمون فقال: يا بني بئس ما ترمون، ثم أخذ القوس فرمى فما أخطأ القرطاس".

وأوصى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله مؤدب ولده سهلا قائلا : " وليفتح كل غلام فيهم بجزء من القرآن يثبت في قراءته فإذا فرغ تناول قوسه ونبله وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة أرشقة ثم انصرف إلى القائلة ". ولك أن تلاحظ في هذه الوصية التي جمعت ما بين التعليم والعبادة والترفيه، والراحة. فيبدأ بحفظ حزبه القرآني، وبعد انتهائه منه يذهب ليتدرب على الرماية، ويكون ذلك حالة الاحتفاء ليعتاد الخشونة، فإذا أصاب الهدف سبع مرات، فإن المؤدب يسمح له بالذهاب للقيلولة والراحة.

ومن المعلوم أن الناس تختلف في الميول، فقد يميل بعضهم للعلم والحفظ، ويميل آخرون للقوة والفروسية، ومراعاة الميول الطبعية مهم للمربين، قال ابن القيم رحمه الله : " إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له ومكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين".

وقد كانت المدارس في السابق مصنعاً للكفاءات الرياضية، أصحاب المهارات الفنية، إلا أن ذلك انعدم أو كاد، بسبب إغفال الإدارات المدرسية للمسابقات بين المدارس في جميع الأنشطة الرياضية دون اقتصار على رياضة واحدة. ونأمل من القيادة الجديدة للوزارة التعليم أن تولي هذا الجانب اهتمامه اللائق به.

كما أن مدارسنا – في الغالب – تحوي ملاعب رياضية جيدة، ولا يستفاد منها إلا ساعات صباحية، فما هو المانع من فتحها لشباب وفتيان الأحياء لقضاء أوقاتهم فيما ينفعهم في أبدانهم ويمنعهم من إضاعة أوقاتهم فيما يضرهم. وقد كانت بطولات الحواري قبل عشرات السنين مجالاً لإظهار المهارات للشباب قبل أن تختطفهم وسائل الإعلام المرئية، والألعاب الإلكترونية مما أثر في صحتهم وجلب لهم أمراض الكهولة قبل أوانها.

إن المسابقات الرياضية ليست للترفيه فحسب، إنها تبني للاعب مواهب العمل الجماعي ومهارات القيادة والتغلب على المشكلات، وخلق الصبر والحلم على الأذى، إنها مدرسة للفن والذوق والأخلاق.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية