اطبع هذه الصفحة


أنوار الصلاة

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله أحق الحمد وأوفاه والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : كان رجلان من بليٍّ من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة فقال طلحة بن عبيدالله : فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة – صلاة سنة -؟ رواه أحمد وابن حبان وزاد : بينهما أبعد مما بين السماوات والأرض . وإسناده حسن .

ياترى ما هذه الصلاة التي قدمت هذا البلوي على أخيه الشهيد ؟ أهي صلاة شكلية ظاهرية أم غير ذلك ؟ . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها . رواه أبوداود (796) وأحمد(18415) بسند صحيح . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .

هذه الصلاة هي التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها نور كما في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور ...) .

لكن كيف تكون الصلاة نورا ؟ يكون ذلك بأمور :

الأول : أن تكون موافقة لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر الإمكان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري ، وفي حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان . وعند ذلك تشعر بحلاوة الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل دقيق وجليل من أمر الصلاة وما أعظمها من حلاوة .

الثاني : مراعاة الخشوع في الصلاة ، لأن الله مدح الخاشعين بقوله : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) ، وتأمل في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل صلى بلا خشوع فإنه التفت إليه وقال : يا فلان ألا تحسن صلاتك ؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي فإنما يصلي لنفسه ) . رواه مسلم (423)عن أبي هريرة رضي الله عنه .

ولكن كيف يحصل الخشوع ؟ يكون ذلك بأمور كثيرة أهمها أمران :

1. ذكر الموت في الصلاة ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها ) رواه الطبراني وقال الألباني في صحيح الجامع : حسن .

2. تدبر معاني ما يقوله المصلي في صلاته أو ما يسمعه من إمامه فيستحضر المصلي معنى التكبير وهو يكبر ويتفكر في معنى الاستعاذة ويتأمل في البسملة ويستمر على هذه الطريقة ، ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع له أزيز كأزيز المرجل من البكاء وفي حديث عائشة رضي الله عنها : إن أبا بكر رجل أسيف لا يكاد يسمع الناس من البكاء ، وأما عمر رضي الله عنه فيسمع بكاؤه من أواخر الصفوف ولذلك لتأمله وتدبرهم في ما يقولون في الصلاة.

الثالث :
صلاتها جماعة في المسجد ، وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة في المسجد ، وما ذلك إلا لأنهم فوتوا أمرا من أعظم حكم الصلاة ألا وهو جمع المسلمين القريبين من المسجد خلف إمام واحد في وقت واحد ومكان واحد فيحصل بسبب ذلك جمع كلمتهم وقوة شوكتهم ، ولذا جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) قيل يابن عباس : ما العذر ؟ قال : خوف أو مطر . رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم وإسناده صحيح . وقال علي رضي الله عنه : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق . رواه مسلم .

أنوار الصلاة :

1. تكفيرها للسيئات ، ومثلها كمثل رجل يغتسل كل يوم خمس مرات فيبقى في غاية النظافة ، وهذا المثل ورد في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وفي آخره : فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) ، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قا ل رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ) ، وفي حديث عظيم يرويه لنا ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتهاثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتهاثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا ) أخرجه الطبراني بسند حسن كما في صحيح الترغيب والترهيب . وقد جاء في المتفق عليه في سبب نزول قوله تعالى : (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) أن رجلا استمتع من امرأة لا تحل له دون أن يجامعها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادما فأنزل الله هذه الآية فقال : يا رسول الله : ألي هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لمن عمل بها من أمتي ) ، وفي الحديث المتفق عليه عن عثمان رضي الله عنه الذي ذكر فيه صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخبر عنه أنه قال : من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ).

2. من أنوارها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقد جاء في الحديث أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق فقال : سينهاه ما تقول أو قال : ستمنعه صلاته ) رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه بسند صحيح ، وذلك لأن فيها صلاح القلب الذي به صلاح الأعضاء .

3.
ومن أنوارها أنها طريق إلى الجنة وفي قصة عجيبة لطفل من أطفال الصحابة اسمه ربيعة بن كعب رضي الله عنه أنه أحضر ذات مرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه وحاجته فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكافئه فقال له : سلني ، فقال ربيعة : أسألك مرافقتك في الجنة ، قال : أو غير ذلك ؟ قال ربيعة : هو ذاك ، قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم ، ولا غرو في ذلك ؛ فإن الصلاة أفضل الأعمال وأحبها إلى الله كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على وقتها ...) متفق عليه .

4. ومن أنوارها : أنها شكر لله تعالى على نعمه ولذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه فتقول له عائشة رضي الله عنها : تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أكون عبدا شكورا . وكل مفصل في الإنسان يحتاج إلى شكر يومي لحديث بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في الإنسان ستون وثمانمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة) قالوا : فمن يطيق ذلك يا رسول الله ؟ قال : النخاعة تدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر فركعتا الصحى تجزئ عنك ) رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح وفي مسلم من طريق أبي ذر بمعناه.

متممات لنور الصلاة :

يحتاج المصلي أن يكمل ما نقص من صلاته على الوجه المطلوب إذ إن من طبيعة أعمال البشر النقص ولذا فلا بد أن يسد هذا النقص في صلاته، ويكون ذلك بأمور منها :
1. أن يحرص على النوافل ، فإنها تجبر النقص في الفرائض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أتمها كتبت له تامة وإلم يكن أتمها قال الله لملائكته : انظروا هل لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته ؟ ثم الزكاة ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك ) رواه أحمد وابن ماجه وأبوداود بسند حسن . والأفضل أن يصليها في بيته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) رواه البخاري ، بل جاء إنها تعدل فضل الفريضة على النافلة كما في حديث صهيب بن النعمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة ) رواه الطبراني والبيهقي وقال المنذري : وإسناده جيد إن شاء الله .

2. أن يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق ) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

3. أن يحرص على الصف الأول لأنه خير صفوف الرجال كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) رواه مسلم ، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) .

اللهم اجعل في قلوبنا نورا ، وفي ألسنتنا نورا ، وفي أبصارنا نورا ، وفي أسماعنا نورا ، وعن أيماننا نورا ، وعن أيسارنا نورا ، ومن فوقنا نورا ، ومن تحتنا نورا ، ومن أمامنا نورا ، ومن خلفنا نورا ، واجعل لنا في أنفسنا نورا ، وأعظم لنا نورا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية