اطبع هذه الصفحة


السياحة أحكام وآداب

انتقاها الدكتور عبدالعزيز الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله وحده والصلاة وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السياحة في العرف هي الانتقال من بلد لبلد لغرض ما، فهي مرادفة للسفر في العرف اللغوي. وأقسامها متنوعة بحسب الغرض من السياحة: فمنها السياحة الدينية، وهي ما كان القصد منها طلب الثواب والأجر. وقد يكون القصد شرعيا كالحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي والمسجد الأقصى. وقد يكون بدعيا كزيارة الأضرحة والمشاهد والأماكن التي تقصد لعمل البدع، ومنها السياحة الثقافية لطلب العلم وزيارة معارض الكتب ونحو ذلك، ومنها السياحة العلاجية لطلب العلاج والاستشفاء وذلك بزيارة الأطباء الحاذقين والمياه الحارة المعدنية والبحار ذات الملوحة المريحة لبعض أمراض الروماتيزم وغيرها، ومنها السياحة التجارية بزيارة المعارض الدولية وعقد الصفقات وإيجاد عملاء جدد، ومنها سياحة الاستجمام والتغيير، ومنها سياحة الترفيه وهي تطلق عادة على الأمور المخالفة للدين من معاقرة الخمور وحضور الحفلات الغنائية والأفلام السينمائية وغيرها من المحرمات والكبائر.
ويحسن بالمسلم أن يصحح قصده قبل سياحته بما يأتي:

1) حسن القصد من السياحة بالجهاد والدعوة إلى الله

ورد عن أبي أمامة – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، قال النبي ﷺ : "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما السياحة التي هي الخروج في البرية من غير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة، ولهذا قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين".
لقد صحح الإسلام هذا المفهوم الخاطئ عند الديانات القديمة فوردت السياحة بمفاهيم محمودة في القرآن كصفة من صفات أهل الجنة من المؤمنين حيث قال تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين .
ثم وردت كلمة السياحة مرة أخرى في وصف أفضل النساء اللاتي ينبغي أن يكن أزواجا للنبي – صلى الله عليه وسلم - . قال الله تعالى: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وفسرت السياحة بالصيام، وفسرت بالسفر في طلب العلم، وفسرت بالجهاد، وفسرت بدوام الطاعة.
لقد كانت السياحة قبل الإسلام تعني الرهبانية فقد كان الرهبان يسمون سياحا لأنهم يتركون الدنيا ويخرجون إلى الفلوات ليعيشوا مع الوحوش.
إن سياحة هذه الأمة هي الجهاد في سبيل الله. والمساهمة في البناء الحضاري بطلب العلم وغيره من المقاصد الطيبة.
ومن المعلوم أن الجهاد لا ينحصر في القتال، فقد تساءلت عائشة رضي الله عنها عن جهاد النساء فقال رسول الله ﷺ : عليكن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة".
كما أن مقارعة خصوم الحق ومناقشتهم ودعوتهم إلى اتباع سبيل المؤمنين من الجهاد الشرعي كما في قوله تعالى:" فلا تطع الكافرين والمنافقين وجاهدهم به جهادا كبيرا". وفي الحديث: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم".
فتبين أن الجهاد جهاد السنان والقتال وجهاد اللسان بالأقوال، وقصد البيت الحرام للحج والعمرة.

2) الخروج للتفكر في مخلوقات الله والخلوة بالنفس والبعد عن الخلطة المذمومة

- ومن النية الصالحة التفكر في مخلوقات الله تعالى، والخلوة بالنفس ومحاسبتها والبعد عن الخلطة المذمومة، وقد كان ابن تيمية رحمه الله يخرج من دمشق وينشد:
وأخرج من بين البيوت لعلني … أحدث عنك النفس بالسر خاليا

3) الخروج لإجمام النفس وطلب الصحة للبدن بالبعد عن المدن

  قال ابن رجب رحمه الله تعالى(فتح الباري 1/ 116) : "أما الخروج إلى البادية أحيانًا للتنزُّه ونحوه في أوقات الربيع وما أشبهه: فقد ورد فيه رخصة"، وذكر الحديث التالي : عن شريح الحارثي قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدو؟ قالت: نعم، كان يبدو إلى هذه التلاع" (1) .
قال الخطابي: "التلاع: جمع تَلعة؛ وهي ما ارتفع من الأرض وغلظ، وكان ما سفل منها مسيلًا لمائها.
  وقال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه إني سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ابْدُوا يَا أَسْلَمُ، فَتَنَسَّمُوا الرِّيَاحَ، وَاسْكُنُوا الشِّعَابَ))، فقالوا: إنا نخاف يا رسول الله أن يضُرَّنا ذلك في هجرتنا، قال: ((أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ)) (2) .
  قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: "أَجِمُّوا هَذِهِ الْقُلُوبَ، وَاطْلُبُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ" (3) .
  وقال الزُّهْري رحمه الله تعالى: "الْأُذُنُ مَجَّاجَةٌ وَالنَّفْسُ حَمْضَةٌ، فَأَفِيضُوا فِي بَعْضِ مَا يَخِفُّ عَلَيْنَا" (4) .

ويحسن التفقه بأهم المسائل الفقهية التي يحتاجها السائح وأهمها:

  حكم زيارة الأماكن الأثرية التي هلك أصحابها بالعذاب، كقوم صالح.
لقد ثبت أن الرسول أمرنا أن لا ندخل على القوم المعذبين.. أمرنا ألا ندخل مدائن ثمود إلا ونحن باكين حتى لا يصيبنا ما أصابهم من العذاب. والقصود استحضار الخشية والخوف من الله عند دخول هذه الأماكن.
وحين مر بالحجر قال: ((لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضؤوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له)) ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء فأخبر بذلك رسول الله ﷺ فقال: ((ألم أنهكم أن لا يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه)) ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي وأما الآخر فأهدته طيء لرسول الله ﷺ حين قدم المدينة.
ولا بد أن يعُلم أن هذه البلاد المباركة لا تعتز بقوم مكذبين مثل قوم صالح أو من حفر الأخدود لتعذيب المؤمنين بالنار أو بقايا الأحقاف أو أي قوم عذبهم الله تعالى في الدنيا، وإنما تعتز هذه البلاد بكونها موطن الدعوة ومهبط الوحي ومأرز الإسلام.
  حكم زيارة الأماكن الأثرية التي لقوم كفار وليست أماكن عذاب.
وذلك مثل أهرامات مصر والنوبة وأماكن الحضارة الرومانية في الشام وغيرها، والجواب عن هذه المسألة أنه ليس في الشرع ما يمنع زيارة هذه الأماكن، والأجدر بالمؤمن أن يتعظ برؤية هذه الحضارات وكيف انتهت بعد أن وصلت إلى مكان عالٍ من التحضر والترف كما قال تعالى:" وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون".
  حكم زيارة الأماكن الأثرية الإسلامية لغير التعبد.
وذلك مثل المباني القديمة ونحو ذلك، والجواب عن هذه المسألة أنه ليس في الشرع ما يمنع ذلك.
  حكم زيارة الأماكن التي هي مقصد للبدع والتعظيم المحرم.
وتحت هذه المسألة عدة فروع لا بد من التنبيه عليها لكثرة الغفلة عنها ووقوع الكثير من المجتمعات الإسلامية في براثن البدعة والشرك للجهل بها.

1- الحقيقة الأولى:
لا يجوز بناء المساجد على القبور والمشاهد.
وقد تواترت الأحاديث في التحذير من ذلك ومنها:
في (الصحيح) عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله ﷺ كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نُزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال ـ وهو كذلك ـ : ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً (5).
وروى مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن ـ وهو في السياق ـ من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها: خشي أن يتخذ مسجداً، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً، كما قال ﷺ : (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
وروى أحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد) (6).
روى مالك في (الموطأ): أن رسول الله ﷺ قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج (7).
وسبب هذه البدع الإعجاب في البداية ثم التعظيم الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى عبادتهم فقد روى ابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: ( أفرءيتم اللات والعزى) قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج.
وروى البخاري برقم (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ( وقالوا لا تذرُنَّ آلهتكم ولا تذرُنَّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ) قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم، عبدت).
قال ابن القيم – رحمه الله -: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
وأما وضع أماكن لنحر القرابين لأصحاب القبور كما عند قبر البدوي وغيره فأمر لا يقره الشرع لأنه إعانة على الشرك الأكبر فقد صح عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله ﷺ بأربع كلمات: (لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن ووالديه. لعن الله من آوى محدثاً، لعن الله من غير منار الأرض) (8).

2- الحقيقة الثانية:
وجوب مساواة القبور بالأرض وعدم رفعها فوق شبر
وهذا من واجبات الدولة الإسلامية للقضاء على الخرافة والشرك والبدع، فقد روى مسلم عن أبي الهياج قال: قال لي عليّ: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ ؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته).

3- الحقيقة الثالثة:
حرمة زيارة هذه الأماكن التي تمتلئ بالبدع والشرك والخرافة، لغرض التفرج والاطلاع
فقد قال تعالى:" وقد نزل عليكم في الكتاب إن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم"، وقال سبحانه:" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الفاسقين". وثبت عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأله النبي ﷺ فقال: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد)؟ قالوا: لا. قال: (فهل كان فيها عيد من أعيادهم)؟ قالوا: لا. فقال رسول الله ﷺ : (أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) . (9)

4- الحقيقة الرابعة:
لا يجوز التبرك بالأماكن ولا بالأشجار
فقد صح عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله ﷺ : (الله أكبر! إنها السنن، قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) (لتركبن سنن من كان قبلكم)(10).
ولما رأى عمر رضي الله عنه الناس يقصدون شجرة العقبة التي حصلت فيها البيعة، أمر بقطعها لأنها تفضي إلى التبرك المحرم ومن ثم لا يستبعد أن تعبد مع تطاول الأزمان وغلبة الجهل.
ونجد الأماكن التي لها تاريخ في السيرة كجبل النور وجبل الرحمة ومبرك الناقة ومسجد القبلتين ومسجد الغمامة والمساجد السبعة يكثر زوارها ومرتادوها للبدع. وهي أماكن لم يرد في الشرع تخصيصها بصلاة ولا زيارة.

  حكم زيارة الأماكن التاريخية لفهم الواقعة
وهذا أمر لا يمنعه الشرع، وقد كان الواقدي رحمه الله يتتبع أماكن المغازي ليفهما ويوفق بين الروايات المختلفة فيها. ومن أوضح الأمثلة غزوة أحد إذ إنك لا تستطيع تصور الواقعة إلا بعد الوقوف على مكانها.
وأخيرا أقول: التغيير بالسفر أمر لا بد منه ولا يعارضه الشرع لأن فيه مصلحة واضحة جلية، قال الشافعي:

ما في المقام لذي عقل وذي أدب *** من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقه *** وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
الأسد لولا فراق الغاب ما قنصت *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملها الناس من عجم ومن عرب
والبدر لولا أفول منه ما نظرت *** إليه في كل حين عين مرتقب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه *** والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه *** وإن أقام فلا يعلو على رتب

وقال :

الكحل نوع من الأحجار منطرحا *** في أرضه كالثرى يرى على الطرق
لما تغرب نال العز أجمعه *** فصار يحمل بين الجفن والحدق

ولكن العاقل من يتعظ بسفره ويجعل سياحته تقربه لربه وتزيد من إيمانه ومعرفته وثقافته، ولما أراد أعداء ابن تيمية طرده من بلاده قال - يرحمه الله -: "ما ينقم مني أعدائي. أنا جنتي في صدري. قتلي شهادة، وتسفيري سياحة، وسجني خلوة".

  الصلاة في الشورت المبدي للفخذ:
لا تصح، فقد روى أبو داود (3140) وابن ماجه (1460) من حديث علي رضي الله عنه قال : قال ﷺ: ( لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ ، وَلا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ ) .

  الصلاة في مسجد بجانبه قبور:
  قال شيخ الإسلام رحمه الله :" وكانت على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ، ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار". (11)

  السفر يوم الجمعة قبل الصلاة:
صح عن عمر رضي الله عنه أنه أبصر رجلا عليه أهبة السفر، فقال الرجل: إن اليوم يوم جمعة، ولولا ذلك لخرجت، فقال عمر: "إن الجمعة لا تحبس مسافرا، فاخرج ما لم يحن الرواح" أخرجه عبدالرزاق في مصنفه.

  صالات مطار الرياض هل تعد خارج البنيان؟
  خارج بنيان المدينة، فمن وصل للمطار فله القصر والجمع وبقية رخص السفر.

  الصلاة في غرفة فيها تماثيل أو صور:
 في فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 705) : تصوير ذوات الأرواح حرام ، وجعل صور ذوات الأرواح في الحيطان ونحوها حرام كذلك . والصلاة في المكان الذي فيه تلك الصور غير جائزة إلا للضرورة ، وهكذا الصلاة في الملابس التي تشتمل على صور لحيوان لا تجوز .

  المسافة التي يجوز للمسلم أن يترخص بعدها برخص السفر:
●  عند أكثر العلماء المعاصرين هي 72 كم 84 كم ، وأما على المذهب الحنبلي فهي 138,24 كم . الحواشي السابغات .
  إذا رجع المسافر إلى بلده وقبل وصوله إلى عامر قريته بكيلوات دخل عليه وقت صلاة المغرب، فهل يصح له أن يجمع صلاة العشاء مع صلاة المغرب ويقصرها؟
جاء رد اللجنة الدائمة للفتوى: ما زال لم يصل إلى عامر قريته فإن أحكام السفر باقية في حقه فله القصر والجمع.
  إذا صلى المسافر صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب هل يجلس بعد الركعة الثانية وينتظر حتى يسلم الإمام، أو ينفصل عن الإمام ويسلم، أو يتم أربع ركعات بأن يأتي بركعة بعد سلام الإمام؟
كان جواب اللجنة: المشروع للمسافر أن يصلي العشاء وحده ركعتين ولا يصليها خلف من يصلي المغرب إذا كان يريد أن يقصر العشاء ركعتين (12) .
  بعض الدول يوضع مبالة للرجال فهل يسوغ البول واقفا مع الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالمناديل وعدم كشف العورة عند الحاجة ؟
يقول شيخنا ابن باز – رحمه الله - : "لا حرج في البول قائمًا ولاسيما عند الحاجة إليه، إذا كان المكان مستورًا لا يرى فيه أحد عورة البائل، ولا يناله شيء من رشاش البول، لما ثبت عن حذيفة – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم فبال قائما متفق على صحته، ولكن الأفضل البول عن جلوس؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي ﷺ، وأستر للعورة، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول" .

  عند عدم وجود الماء في دورات المياه، فهل يكفي المسح بالمنديل الواحد بعد قضاء الحاجة؟
  لا يجزئ أقل من ثلاث مسحات . قال ابن قدامة في "المغني" (1/102) : " يُشْتَرَطُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا : الْإِنْقَاءُ ، وَإِكْمَالُ الثَّلَاثَةِ، أَيُّهُمَا وُجِدَ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكْفِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَة" . لما يأتي :
ما رواه مسلم (262) عن سلمان الفارسي قال : " نَهَانَا نَبِيُّنا ﷺ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثلاثة أحجار " . وعن عائشةَ أنَّ النبي ﷺ قال: إذا ذهب أحدُكم إلى الغائطِ، فلْيذهبْ معه بثلاثةِ أحجارٍ يَستطيبُ بهنَّ؛ فإنَّها تُجزئُ عنه " (13)(14) .

  حكم قضاء الحاجة تحت الأشجار؟
لا يجوز قضاء الحاجة في طريق الناس أو في ظلهم، ويشرع أن يختار لقضاء حاجته مكانا مناسبا، قال ﷺ اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ))، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ)) (15) .

  حكم قطع الأشجار بلا حاجة
 لا يقطع السائح والمتنزه شجرا بلا حاجة قال ﷺ (مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ)) (16) .
وقال أبو داود: "هذا الحديث مختصر؛ يعني: مَنْ قطع سدرة في فلاة يَستظلُّ بها ابن السبيل، والبهائم عبثًا، وظلمًا بغير حقٍّ يكون له فيها، صوَّب اللهُ رأسَه في النار" .

  حكم دخول الكنائس:
  انفرد الحنابلة بالقول بالجواز " المغني " ( 8 / 113 ) ، ووافقهم ابن حزم في المحلى " ( 1 / 400 ) ؛ واستدلوا لأن عمر اشترط على أهل الذمة أن يوسعوا كنائسهم وبيَعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم . (17)
  واختار الكراهة ابن تيمية النميري رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " ( 5 / 327 ) لأنه ﷺ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ ) (18) . وقول جبريل: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ ) (19) .

  الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر:
 قال شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: لا يجوز الجلوس مع قوم يشربون الخمر، إلا أن ينكر عليهم، فإن قبلوا وإلا فارقهم. (20)

  إذا كان اللحم الحلال يشوى على صفيحة يشوى عليها لحم الخنزير وقد يبقى بقية من لحم الخنزير فهل يسوغ أكل الشواء؟
والجواب أنه إذا تيقن المسلم أن الطعام قد اختلط بلحم الخنزير، فلا يجوز أكله إلا إذا أمكن تطهيره بالغسل، وإن لم يتيقن من اختلاطه فإنه يجوز الأكل منه ؛ لأن الحلال هنا قد اشتبه بالمحرم يقيناً، فلا يجوز تناوله؛ لما يفضي إليه من تناول المحرم، أما إذا لم يتيقن من اختلاطه فيجوز تناوله؛ لأن الأصل هو الحل ولا ينتقل عنه بمجرد الشك (21) .

  أكل الحلويات والآيسكريم المتضمن شيئا من جيلاتين الخنزير:
  لا يجوز للمسلم استعمال الخمائر والجلاتين المستخلصة من الخنزير في الأغذية ؛ لما جاء في القرآن الكريم والسنة والإجماع ما بدل صراحة على تحريم لحم الخنزير ، قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) [المائدة 3]، وهذا يشمل ما كان كله من اللحوم المحرمة أو ما كان بعضه منها، وأجمع العلماء على أن شحم الخنزير له حكم لحمه (22) .

وفيما يأتي بعض الأدعية والأذكار في السفر والسياحة :

1. يسن أن يقول المقيم للمسافر: أستودع اللهَ دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك، لحديث عبد الله بن عمر أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله ﷺ يودعنا، فيقول: أستودع اللهَ دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك.
وأن يقول: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت، لما ثبت عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً، فزودني، فقال: زودك الله التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت" رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
2. ويقول المسافر للمقيم ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن أرادَ أن يسافرَ، فليقُلْ لِمَن يُخلِّفُ: استودعُكُمُ اللَّهَ الَّذي لا تضيعُ ودائعُهُ)
3. ويسن أن يقول الدعاء بنفسه أو بتأمينه على من يدعو حقيقة لا تسجيلا إذا ركب السيارة أو الطائرة أو أي مركوب آخر، بما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبر ثلاثًا، ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" رواه مسلم .
4. ويستغل السفر في الدعاء، لأن الدعاء حال السفر مستجاب لا شك فيهن، لقوله ﷺ :ثلاث دعوات مُستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالِد، و دعوة المسافر، ودعوة المظلوم". وبعث ﷺ معاذًا إلى اليمن فقال: "اتَّق دعوة المظلوم؛ فإنَّها ليس بينها وبين الله حجاب". (23)
5. ومن سنن السفر مع مواسم السياحة عند دخول بلدة قول: «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» رواه النسائي(في الكبرى) عن صهيب عنه ﷺ .
6. ويسن قول الدعاء الوارد عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها، قالت: سمِعت رسول الله ﷺ يقول: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ))؛ رواه مسلم .
7. ويسن رفع الأذان، عن عبدالرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد، قال له: ((إني أرتك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مَدَى صَوْتِ المؤذن جن وَلا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمِعته منه ﷺ (24) .
8. ويسن الاجتماع عند النوم كان الناس إذا نزل ﷺ منزلا تفرقوا في الشِّعَابِ والأوْدِيةِ، فقال ﷺ : ((إنَّ تَفَرُّقَكُم في هذه الشِّعابِ والأوديةِ؛ إنما ذلكمُ من الشيطانِ))، فلم ينزلْ بعدَ ذلكَ مَنْزلًا إلا انضَمَّ بعضُهم إلى بعض، حتى يُقال: لو بُسِطَ عليهم صوب لعمهم" رواه أبو داود .


هذا ما تيسر جمعه والحمد لله أولا وآخرا.

كتبها الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
في 23/1/1445هـ



------------------------------------------------------------
(1) رواه أحمد (24307)، وأبو داود (2478)، وصحَّحه ابنُ حِبَّان (550).
(2) رواه أحمد (16553) .
(3) رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (659).
(4) رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (658).
(5) متفق عليه.
(6) رواه أبو حاتم في صحيحه.
(7) رواه أبو داوود برقم (3236) وأحمد برقم (2030) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله: حسن لغيره.
(8) رواه مسلم برقم (1978).
(9) رواه أبو داود برقم (3313) بسند صحيح.
(10) رواه الترمذي برقم (2180) وصححه ورواه أحمد برقم (21390) وصححه الألباني رحمه الله في ظلال الجنة برقم 76.
(11) الرد على الأخنائي (ص118) .
(12) فتوى رقم (28478) بتاريخ 6/6/1443ه .
(13) أبو داود (40)والنسائي (44) .
(14) وينظر : "الأم" للشافعي (1/37)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/69) .
(15) مسلم (269).
(16) رواه أبو داود (5239)، والنسائي في الكبرى (8557)، قال المناوي: "أبو داود والضياء... وإسناده صحيح"؛ اهـ؛ التيسير 2/438 .
(17) "المغني " (8 / 113) .
(18) رواه البخاري ( 3352 )
(19) رواه البخاري (5960) .
(20) مجموع فتاوى ابن باز 23/60، 61.
(21) فتاوى اللجنة الدائمة 22/ 283، 285، 416. وفتاوى الأقليات المسلمة ص 99،100.
(22) قرار مجمع الفقه الدولي رقم 23 (11/3)، وفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء 22/ 117، 118 265، وقرار مجمع الفقه رقم 3/ 15.
(23) صحيح البخاري (2448) .
(24) رواه البخاري (3296).


 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية