اطبع هذه الصفحة


تقليل اللحوم صحة للأبدان ووقاية من النقرس

عبدالعزيز الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


بعد عيد الأضحى؛ تكثر اللقاءات والاجتماعات، وقد حصل لي بسببها موجة نقرس حادة في قدمي اليسرى، فكتبت ما ورد في الكتاب والسنة والآثار من التحذير من الإكثار من اللحوم، حيث إن فيهما كل ما يصلح البشر في دنياهم وأخراهم.

والأصل في الباب قول الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31 .
وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله ﷺ: ( كل واشرب والبس وتصدق في غير سرفٍ ولا مخيلةٍ ) أخرجه النسائي (2559)، وابن ماجه (3605) ، وأحمد (6695). وعلقه البخاري.

وقد بيَّن النبي ﷺ ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في طعامه وشرابه فقال : ( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي ( 2380 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي . ‏‎
وحرم النبي ﷺ كل ضار ، من الأطعمة والأشربة وغيرها ، فقال : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه ابن ماجه ( 2340 ) وصححه الألباني في"إرواء الغليل" ( 896 ) .
و روى الإمام مالك في "الموطأ" (2 / 935)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: ( إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ، فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ). ‏‎ ‏‎ومعنى: (ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ) أي: بسبب كونه من خيار الأطعمة وأشهاها للنفس، فإن النفس إذا اعتادت عليه صعب عليها تركه، كحال مدمن الخمر فإنه يصعب عليه مفارقته.
‏‎قال النووي رحمه الله تعالى: ‏‎" قول عمر رضي الله عنه: ( إن للحم ضراوة كضراوة الخمر )، قال جماعة: معناه أن له عادة ينزع إليها كعادة الخمر. ‏‎وقال الأزهري: معناه أن لأهله عادة في أكله، كعادة شارب الخمر في ملازمته، وكما أن من اعتاد الخمر لا يكاد يصبر عنها كذا من اعتاد اللحم" انتهى من"شرح صحيح مسلم" (10/238).

ولتحذير عمر معنى آخر، وهو مشاركة المحتاجين الذين لا قدرة لهم على شراء اللحوم. فقد روى الإمام مالك في "الموطأ" (2/936)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ ‏‎فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ، فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا. ‏‎فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ، أَوِ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ: ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ). ‏‎

وقال ابن بطال رحمه الله تعالى: ‏‎" فإن قيل: فقد قال عمر بن الخطاب لرجل رآه يكثر الاختلاف إلى القصابين: (اتقوا هذه المجازر على أموالكم، فإن لها ضرواة كضراوة الخمر)، وعلاه بالدرّة. ‏‎وروى الحسن أن عمر دخل على ابنه عبد الله، فرأى عنده لحما طريا، فقال: ما هذا؟ قال: اشتهيناه. فقال: وكلما اشتهيت اللحم أكلته؟! كفى بالمرء سَرَفا أن يأكل كل ما اشتهى. ‏‎...
قال الطبرى: وهذه أخبار صحاح ليس فيها خلاف لشيء مما تقدم، فأما كراهة عمر؛ فإنما كان خوفا منه عليه الإجحاف بماله لكثرة شرائه اللحم، إذ كان اللحم قليلا عندهم، وأراد أن يأخذ بحظه من ترك شهوات الدنيا وقمع نفسه، يدل على ذلك قوله لابنه: ( كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى )..." انتهى من "شرح صحيح البخاري" (9/ 492–493).

و روى ابن ابي الدنيا في "إصلاح المال" (374)، بإسناد رجاله ثقات عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: ‏‎"أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تَأْكُلُوا اللَّحْمَ - يصِيحُ بِهِ - فَإِنَّ عَادَةَ اللَّحْمِ كَعَادَةِ الْخَمْرِ، وَعَلَيْكُمْ بِالزَّيْتِ فَإِنْ أَحَرَّ فِيكُمْ فَأَسْخِنُوهُ بِالنَّارِ، فَإِنَّهُ يَنْكَسِرُ عَنْكُمْ حَرُّهُ، وَلَا تَأْكُلُوا الْبَيْضَ، يَأْكُلُ أَحَدُكُمُ الْبَيْضَةَ أَكْلَةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ حَضَنَهَا خَرَجَتْ مِنْهَا دَجَاجَةٌ".

 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية