اطبع هذه الصفحة


أثر العلم بأخلاق الأجداد في تربية الأحفاد

عبدالعزيز الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن مما يؤثر إيجابا على أخلاق الأجيال معرفة ما يتميز به الأسلاف من أخلاق نبيلة، ومثالا على ذاك روى مسلم في صحيحه برقم 2774 وأحمد 17801 عن تميم بن طرفة قال: سمعت عدي بن حاتم وأتاه رجل يسأله مائة درهم، فقال: تسألني مائة درهم وأنا ابن حاتم، والله لا أعطيك، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف على يمين، ثم رأى خيرا منها، فليأت الذي هو خير". وزاد في طريق أخرى: ولك أربعمائة في عطائي.
قال القاضي عياض: قال: معنى قوله عندي: وأنا ابن حاتم ؛ أي: قد عرفت بالجود، وورثته، ولا يمكنني رد سائل إلا لعذر، وقد سأله ويعلم: أنه ليس عنده ما يعطيه، فكأنه أراد أن يبخله. فلذلك قال: والله لا أعطيك؛ إذ لم يعذره.
وقال القرطبي في المفهم: تسألني هذا الشيء اليسير وأنا من عرفت؛ أي: نحن معروفون ببذل الكثير. انتهى.
ولا شك أن من أعظم المؤثرات في أخلاق الأجيال وصلاحيتها ومواهبها وطاقاتها نسب المرء وسلالته قال الشاعر:

من لم يكن أصله كريـــماً ---- لم يعلُ في المكرمات فرعه
الناس كالأرض دون شك ---- ما طاب منها يطيب زرعه

والتأثير يكون بثلاثة طرق :
الأول : القيم والمثل التي يؤمن بها أفراد الأسرة ويأخذونها أباً عن جد ، ويعتبرون من خالفها من أفراد الأسرة شاردًا غريبا ساقط الهمة عاقًّا للأسرة.
الثاني : حكايات الآباء وعظماء الأسرة المبرزة لجوانب أخلاقية سامية من شجاعة وصبر وكرم ونبل وشهامة تتناقلها الأجيال بفخر ومباهاة فتؤثر فيها وتنغرس في نفوس أبناء الأسرة .
الثالث : تأثير الدم الموروث في أعضاء الأسرة المحافظة على أصالتها وذلك ما أيده علم السلالات (Pedelogy) وهو من فروع علم التاريخ الذي يبحث ويتابع تواريخ السلالات والأسر وأعمالها وآثارها وسير أعلامها – وخاصة الأسر الحاكمة في المجتمعات الغربية .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر الحماسي ربيعة بن مقروم الضبي :

هجان الحي كالذهب المصفى --- صبيحة ديمة يجنيه جان

وقال الحطيئة :

مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجى --- بنى لهم آباؤهم وبنى الجدُّ


ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا .
ومن أعجب ما ورد في ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات فتسخطها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن فلانًا أهدى إلي ناقة فعوضته منها ست بكرات فظل ساخطًا . لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي . وذلك لأن هذه القبائل الكريمة لا تمن بما تهدي لكرم نفوس أبنائها .
فحري بالمربين أن يذكروا للناشئة الأخلاق العليا للأجداد من شجاعة وكرم ونخوة، ليتخذوهم قدوة حسنة تمنعهم من الرذائل وتحببهم في الفضائل.

 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية