اطبع هذه الصفحة

http://saaid.org/Doat/aldgithr/159.htm?print_it=1

ذم التمادح

عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم



من الطبائع المقيتة كثرة المدح في الوجه، وهذا كثير في متعاطي الشعر والأدب، وفي مجالس الوجهاء، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن همام بن الحارث أن رجلاً جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد أحد فجثى على ركبتيه وكان رجلاً ضخماً، فجعل يحثوا في وجه المادح الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب رواه مسلم.
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: مدحك أخاك في وجهه كإمرارك على حلقه موسى رهيصاً. كأنك تمر على حلقه موساً شديداً وحاد جداً.
ومدح رجل ابن عمر في وجهه فقال ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ثم أخذ ابن عمر التراب فرمى به في وجه المادح، وقال: هذا في وجهك، هذا في وجهك، هذا في وجهك، ثلاث مرات، قال في الصحيحة: السند جيد..

وقد بين ﷺ خطورة المدح فقال: إياكم والتمادح فإنه الذبح،

وقال أيضاً: ذبح الرجل أن تزكيه في وجهه، وهو حديث مرسل تشهد له أحاديث أخرى، وهو في صحيح الجامع.

وروى البخاري عن أبي موسى قال: سمع النبي ﷺ رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل، وترجم عليه البخاري باب ما يكره من الإطناب والمدح.
والعاقل من يوازن بين المدح والقدح:
فقد روى البيهقي من طريق الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران قال:
‏قال لي معروف الكرخي: «احفظ لسانك من المدح كما تحفظه من الذم».

‏«شعب الإيمان» (٤٧٠٨).
وقال عزالدين ابن عبدالسلام (ت٦٦٠هـ):
‏"وَلَا تَكَادُ تَجِدُ مَدَّاحًا إلَّا رَذْلًا، وَلَا هَجَّاءً إلَّا نَذْلًا، إذْ الْأَغْلَبُ عَلَى الْمَدَّاحِينَ الْهَجَّائِينَ الْكَذِبُ وَالتَّغْرِيرُ".

‏"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" ج٢ ص ٢١٠

وقال ابن حزم في الأخلاق والسير ومداواة النفوس:
"أبْلغَ في ذمّك من مدحك بما ليس فيك، لأنه نبّه على نقصك، وأبْلغَ في مدحك من ذمّك بما ليس فيك، لأنه نبّه على فضلك."

ولا يمدح الفاجر بالسيادة
فقد روى أحمد وأبو داود عن بريدة وهو في صحيح الجامع: لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم،

وفي حالات المدح يقول الشيخ ابن عثيمين الوهيبي في زاد المتقين شرح رياض الصالحين :

الأول : أن يكون في مدحه خير و تشجيع على الأوصاف الحميدة و الأخلاق الفاضلة،
فهذا لا بأس به؛ لأنه تشجيع.
الثاني : أن تمدحه لتبيين فضله، بين الناس و ينتشر و يحترمه الناس
، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما
، و كان هذا لبيان فضل أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، هذا لا بأس به.
الثالث : أن يمدح غيره و يغلو في إطرائه و يصفه بما لا يستحق، فهذا محرم و هو كذب و خداع.
الرابع : أن يمدحه بما هو فيه، لكن يخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه
و يزهو بنفسه و يترفع على غيره، فهذا أيضا محرم ولا يجوز.

ومن يصتحق المدح، والمصلحة تقتضيه فيطبق ما ورد، فقد روى أبي بكرة أن رجلاً ذكر عند النبي ﷺ فأثنى عليه رجل خيراً فقال النبي ﷺ: ويحك، ويحك، ويحك قطعت عنق صاحبك يقول ذلك مراراً، يقول له: ويحك قطعت عنق صاحبك، إن كان أحدكم مادحاً فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه .
فيقول: إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه ولا يزكي على الله أحداً

ويسن للمدوح أن يقول ما ورد، قال بعض السلف: إذا مدح الرجل في وجهه فليقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون. أخرجه البيهقي في الشعب.


 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية