اطبع هذه الصفحة

http://saaid.org/Doat/aldgithr/169.htm?print_it=1

تزيين المسجد بالأشجار

عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد طرأ على مجتمعنا ظاهرة تشييد المساجد، وزخرفتها، وفي ذلك دليل من دلائل النبوة.

فقد صح عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ : ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِى الْمَسَاجِدِ ) . رواه أبو داود ( 449 ) والنسائي ( 689 ) وابن ماجه ( 739 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وروى البخاري ( 1 / 171 ) عن أَنَس بنِ مالِك : " يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً " . ووصله ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 309 ) ، وفيه رجل مجهول .

قال بدر الدين العيني – رحمه الله - في عمدة القاري " ( 4 / 205 ) :

قوله " يتباهَون " بفتح الهاء من المباهاة ، وهي المفاخرة ، والمعنى : أنهم يزخرفون المساجد ، ويزينونها ، ثم يقعدون فيها ، ويتمارون ، ويتباهون ، ولا يشتغلون بالذِّكْر ، وقراءة القرآن ، والصلاة .

قوله " بها " ، أي : بالمساجد ، والسياق يدل عليه .

وروى البخاري ( 1 / 171 ) عن ابْن عَبَّاسٍ قولَه : " لَتُزَخْرِفُنَّهَا ، كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى " ، ووصله  ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 309 ) وغيره ، وصححه الألباني في تحقيق " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " لجمال الدين القاسمي ( 94 ) ، وفي " صحيح أبي داود " الكامل ( 2 / 347 ) .

قال البغوي – رحمه الله - في " شرح السنة " ( 2 / 350 ) : وقول ابن عباس : لتزخرفنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى ، معناه : أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا أمر دينهم ، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم ، وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد ، والمباهاة بتشييدها ، وتزيينها .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 11 / 275 ) : يحرُم تزيين المساجد بنقشها ، وتزويقها بمال الوقف ، عند الحنفية ، والحنابلة ، وصرَّح الحنابلة بوجوب ضمان الوقف الذي صرف فيه ؛ لأنه لا مصلحة فيه ، وظاهر كلام الشافعية : منع صرف مال الوقف في ذلك ، ولو وقف الواقف ذلك عليهما - النقش ، والتزويق - : لم يصح في القول الأصح عندهم ، أما إذا كان النقش والتزويق من مال الناقش : فيُكره – اتفاقاً - في الجملة إذا كان يُلهي المصلي ، كما إذا كان في المحراب ، وجدار القبلة .

وسئل علماء اللجنة الدائمة (فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية ( 5 / 191 ) ):

عن مشروع يتبنى " زخرفة المساجد " ؟ .

فأجابوا وهم ( الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد - رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء-  ):

هذا العمل غير مشروع ؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عن زخرفة المساجد ، ولأن في ذلك إشغالاً للمصلين عن صلاتهم بالنظر ، والتفكر في تلك الزخارف ، والنقوش .

وقالوا (الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد - رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء- ) :

لا يجوز زخرفة المساجد ، ولا كتابة الآيات القرآنية على جدرانها ؛ لما في ذلك من تعريض القرآن للامتهان ، ولما فيه من زخرفة المساجد المنهي عنها ، وإشغال المصلين عن صلاتهم بالنظر في تلك الكتابات والنقوش ." فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية ( 5 / 190 ) .
 

ومن المسائل الجديدة غرس الأشجار للزينة، وفيما يأتي جمع لما ذكره الفقهاء في المسألة، ومن الله أستمد العون.

 

أولا: مذهب الحنفية الكراهة التحريمية:

ففي البحر الرائق شرح كنز الدقائق (4/ 178) ما نصه:

وَيُكْرَهُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ

-        لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبِيعَةَ

إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ نَفْعٌ لِلْمَسْجِدِ كَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزٍّ أَوْ أُسْطُوَانِيَّةٌ لَا تَسْتَقِرُّ فَيَغْرِسُ لِيَجْذِبَ عُرُوقَ الْأَشْجَارِ ذَلِكَ النَّزُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا ....

ثانيا: مذهب المالكية التحريم

ففي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (8/ 352) ما نصه:

وَأَمَّا غَرْسُ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، كَمَا يَحْرُمُ حَفْرُهُ وَالدَّفْنُ فِيهِ، وَمَا غُرِسَ فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ يُقْطَعُ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهِيَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ لِأَنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ كَالْفَيْءِ.

ثالثا: مذهب الشافعية: الكراهة التنزيهية

قال النووي: (العاشرة) قال الصيمري وصاحب البيان يكره غرس الشجر في المسجد ... المجموع (2/ 175)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 109)

رابعا: مذهب الحنابلة التحريم

فقي المغني ما نصه:

فصل: ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة نص عليه أحمد وقال إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا فهذه غرست بغير حق فلا أحب الأكل منها ولو قلعها الإمام لجاز وذلك

-         لأن المسجد لم يبن لهذا وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن

-         ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها

-        ويسقط ورقها في المسجد وثمرها

-        وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد

-        وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها

فأما إن كانت النخلة في أرض فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس قال أحمد في موضع لا بأس يعني أن يبيعها من الجيران وقال في رواية أبي طالب في النبقة لا تباع وتجعل للمسلمين وأهل الدرب يأكلونها وذلك والله أعلم لأن صاحب الأرض لما جعلها مسجدا والنخلة فيها فقد وقف الأرض والنخلة معها ولم يعين مصرفها فصارت كالوقف المطلق الذي لم يعين له مصرف وقد ذكرنا فيه في إحدى الروايات أنه للمساكين فأما إن قال صاحبها هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها ويصرف إليه كما لو وقفها على المسجد وهي في غيره قال أبو الخطاب: عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة بيعت وصرف ثمنها في عمارته قال: وقول أحمد يأكلها الجيران محمول على أنهم يعمرونه ... المغني (6/ 254) الإنصاف (11/ 82 - 83)،و شرح منتهى الإرادات (7/ 211)، كشاف القناع عن متن الإقناع (14/ 497)

وقال الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري في أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية:" وبهذا يظهر أن القول بتحريم الغرس بالمسجد هو الراجح.

والحاصل أن أسباب المنع عند الفقهاء وجود سبب أو أكثر مما يأتي:

1)    الافتيات على الوقف، فالمسجد للصلاة، والشجر يقلل عدد المصلين.

2)    قطع الصفوف.

3)    تلويث المسجد بتساقط الأوراق.

4)    جلب الطيور والحشرات.

5)    كون الصبيان يرمون الشجر لجني الثمر مما يسبب أذى المصلين.

6)    الزخرفة المنهي عنها.

7)    إلهاء المصلين.

8)    التشبه ببيع اليهود (أماكن عبادتهم).

والحمد لله أولا وآخرا.


15/10/1446هـ

 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية