اطبع هذه الصفحة


المؤسسة العامة التأمينات الاجتماعية
مهامها، وحكم الاشتراك بها

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يتساءل البعض عن التأمين الاجتماعي للقطاع غير الحكومي، وحكم الاشتراك به، وهل يعد التأمين الاجتماعي له حكم التجاري. ولذا فإن من المتعين الإفادة المختصرة عن هذا الموضوع الذي يعد من نوازل العصر.
ونبدأ في بيان تاريخ التأمين الاجتماعي للقطاع غير الحكومي في المملكة، فقد صـدر نظـام التأمينـات الاجتماعيـة بموجـب المرسـوم الملكـي رقم م / 22 وتاريخ 6 / 9 / 1389 هـ الموافق 15 / 11 / 1969م وطبق في شهر محرم 1393هـ وطبق فرع الأخطار المهنية في 1/ 7 / 1402هـ وعدل النظام بالمرسوم الملكي رقم م / 33 وتاريخ 3 / 9 / 1421هـ الموافق 29 / 11 / 2000 م وبدأ تطبيقه اعتباراَ من 1 / 1 / 1422 هـ الموافق 1 / 4 / 2001 م.
وأنشأت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لتقوم على تطبيق أحكام نظام التأمينات الاجتماعية ومتابعة تنفيذه خاصة فيما يتعلق بتحقيق التغطية التأمينية الواجبة نظاماَ وتحصيل الاشتراكات من أصحاب الأعمال, وصرف التعويضات للمستحقين من المشتركين أو أفراد أسرهم .

والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مؤسسة عامة حكومية لها استقلالها المالي والإداري ويشرف عليها مجلس إدارة مكون من أحد عشر عضواَ هم: وزير العمل رئيساَ للمجلس, ومحافظ المؤسسة نائباَ للرئيس, وثلاثة أعضاء يمثلون وزارات العمل , والمالية , والصحة , وثلاثة أعضاء من المشتركين في النظام من ذوي الكفاءات العليا في أعمالهم , وثلاثة أعضاء من أصحاب العمل , وتزاول المؤسسة نشاطها من خلال المركز الرئيس وعشرين مكتباَ في مختلف مناطق ومحافظات المملكة .
ويعد نظام التأمينات الاجتماعية صورة من صور التعاون والتكافل الاجتماعي التي يقدمها المجتمع لمواطنيه ويقوم على رعاية العاملين في القطاع الخاص وكذلك العاملين على بند الأجور في القطاع الحكومي ليوفر لهم و لأسرهم حياة كريمة بعد تركهم العمل بسبب التقاعد أو العجز أو الوفاة وكذلك العناية الطبية للمصابين بإصابات عمل أو أمراض مهنية و التعويضات اللازمة عند حدوث عجز مهني أو وفاة .
ومقر المؤسسة الرئيس في الرياض ولها مكاتب في أنحاء المملكة، يتم إنشاؤها بقرارات من مجلس الإدارة حسب الحاجة حسب المادة الثانية من النظام.

وحسب ما ورد في النظام، فإن واجبات المؤسسة مذكورة في الفصل الثالث من النظام ، وهي تنحصر فيما يأتي:

المهمة الأولى: إدارة التأمينات، فقد نصت المادة الأولى من نظام التأمينات على الآتي:" تقوم المؤسسة بإدارة التأمينات، وتطبيق الأحكام المنصوص عليها في هذا النظام، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وهي مضمونه من الدولة وتخضع لإشرافها". وفي هذه المادة  أطلق المنظم على المؤسسة بأنها ذات شخصية اعتبارية مستقلة، والمقصود بالشخص المعنوي أو بالشخصية الاعتبارية: المجموعة من الأشخاص أو الأموال التي ترمي إلى تحقيق غرض معين، ويمنح الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق ذلك الغرض([1]).  وقد أضفى عليها القانون صفة الشخصية عليها لأنها تتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية([2])، كالزواج وأحكام القرابة. والشخصية الاعتبارية لها خصائص لازمة وهي الاسم والموطن والجنسية والذمة المالية والأهلية وحق التقاضي.

والذي يعنينا هنا هو تمتع الشخصية الاعتبارية بالذمة المالية بأن تكون المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أهلا للإلزام والالتزام، وتتكون ذمة المؤسسة من مجموع ما لها وما عليها من حقوق مالية في الحال أو في الاستقبال تبدأ بابتداء الشركة وتنتهي بانتهائها([3]).
وأما مسألة ضمان الدولة فإن من المقرر فقها أن الأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ولكن الضمان هنا صادر من جهة اعتبارية مستقلة، تمثلها الدولة، كمن قال: أعط فلانا هذه الوديعة، فإن تلفت فأنا ضامن.
 
المهمة الثانية:
استثمار أموال المشتركين، وتنميتها، فقد ورد في المادة الثالثة من النظام ما نصه: " للمؤسسة بقرار من مجلس الإدارة إنشاء شركات أو الاشتراك في تأسيسها أو تملك وحدات استثمارية خاصة تكون مملوكة لها بالكامل، وتدار وفقا للأساليب التجارية التي تدار بها الوحدات المماثلة في القطاع الخاص، ووفق اللوائح التي يصدرها مجلس ادارة المؤسسة"، إذ مما لا شك فيه أن الأموال المحصلة من المشتركين في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أموال ضخمة، ولا يعقل أن تترك على شكل حسابات جارية، كما أن وضعها في ودائع مصرفية والاستفادة من العائد الربوي أمر محرم شرعا، وممنوع نظاما – بحسب النظام الأساسي للحكم، ولذا جعل المنظم من مهام مجلس الإدارة في المؤسسة أن يستثمر تلك الأموال في إنشاء شركات، وسكت عن نوعها، ومكانها، والأولى أن تكون داخل المملكة العربية السعودية ليستفيد منها المواطنون في توظيف أبناء البلد.

ومن الملاحظ على عمل المؤسسة استثمار الأموال في سندات ربوية، وفي بنوك تتعامل بالربا، ولا تراعي الأحكام الشرعية في عقودها، مع ما هو معلوم من التشديد في التعامل بالربا، وأسأل الله أن يجنب الجميع موجبات سخطه والوقوع فيما يكون سببا لعقابه، وأن تتجه جميع استثمارات المسلمين لاستثمارات توافق الشرع.

وأما حكم التأمين الاجتماعي من حيث الأصل فجائز، بل لا تكاد تجد أحدا من الفقهاء المعاصرين يحرمه، وقد قال فضيلة الأستاذ الدكتور سعود البشر في فتوى منشورة على الشبكة: " التأمينات الاجتماعية تأمين تعاوني، والتأمين التعاوني لا خلاف في جوازه، واشتراكك فيه من التعاون على البر والتقوى، وليس من الإثم والعدوان.".

إلا أنه يلحظ على عمل التأمينات الاجتماعية وجود الغرامات على التأخير، وهي تعد من الغرامة على الديون المحرمة شرعاً لدخولها في ربا الديون، وفي ذلك يقول فضيلة الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان في فتوى منشورة على الشبكة : " أخذ غرامات مركبة عن كل شهر تأخر سداده ، فهو حرام لا يجوز، فهو من الربا المحرم، وأكل لأموال الناس بالباطل، ولو شرطته مصلحة التأمينات فهو شرط باطل لا اعتبار لـه؛ لأنه (أحل حراماً) فلا يجوز التعامل به، وفي الحديث: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط.." رواه البخاري(2735)، ومسلم(1504) من حديث عائشة-رضي الله عنها-, وينبغي أن يتنبه إلى أن اشتراط تلك الغرامة المركبة عند عدم السداد أو تأخيره –ليس من قبيل ما يعرف بالشرط الجزائي؛ لأن الشرط الجزائي المعتبر يكون في مصلحة العقد ولا يناقضه، أما الشرط المسئول عنه فهو مناقض ومناف لمقتضى العقد؛ لأن المصلحة شرطت على ألا تلحقها خسارة، وعليه فهذا الشرط فاسد، مثل له العلماء بقولهم: "كما لو اشترط أحد الطرفين أن الخسارة عليه، أو لا يبيع أو يهب أو يتصدق.."، وإضافة لما سبق فإن اشتراط الغرامة النقدية عند التأخير، أو عدم السداد للأقساط النقدية أو بعضها –يجعل العقد عقداً ربوياً فيه الربا والنسيئة".
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

------------------------------------
([1]) مبادئ القانون للوكيل ص 339، وقريب منه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للزرقا ص 272، عن بحث الشخصية الاعتبارية لخالد الجريد – مجلة العدل العدد 29 ص 67.
([2])بحث الشخصية الاعتبارية لخالد الجريد – مجلة العدل العدد 29 ص 74.
([3])  المدخل للعلوم القانونية لسليمان مرقس ص 81 عن بحث الشخصية الاعتبارية لخالد الجريد – مجلة العدل العدد 29 ص 77.


 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية