اطبع هذه الصفحة


الدعاء للأبناء

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


٢٠١٥/١٠/١٧
إن الدعاء للأولاد من أعظم مظاهر إرادة الخير للمربي، وهو هدي الأنبياء والصالحين. فعباد الرحمن يقولون: «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين»

إن مما يحزن القلب؛ ويدمع العين، ما نراه من توجه لبعض الناشئة نحو الغلو والتطرف، مع كونهم في بيئات معتدلة صالحة، ويتساءل كثيرون عن أسباب ذلك. والملاحظ أن أكثرنا عند تربيته لأولاده وطلابه يبذل الأسباب ويغفل الدعاء، بل نلحظ عكس ذلك من تفشي السلوك الخاطئ بالدعاء على الأولاد، لدرجة تصل لدى قلة من الناس إلى اللعن والدعاء بالغضب والنار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار».

إن الدعاء للأولاد من أعظم مظاهر إرادة الخير للمربي، وهو هدي الأنبياء والصالحين. فعباد الرحمن يقولون:«ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين» (الفرقان:74)، وزكريا يقول:«فهب لي من لدنك وليا» (مريم:5)، وإبراهيم يقول: «رب هب لي من الصالحين»(الصافات:100) ويدعو لهم بصلاح العقيدة: «واجنبني وبني أن نعبد الأصنام» (إبراهيم:35) ويدعو لهم بأن يكونوا مقيمين للصلاة: «رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي» (إبراهيم:40)، ويدعو أن يصلح ذريته: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «(الأحقاف: 15). ولا يشك مؤمن ما للدعاء من أهمية في صلاح الصغار وهو ما كان يوصي به المصلحون أولياء الصغار، فقد شكى أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف – رحمه الله – فقال: استعن عليه بهذه الآية: «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي..».

وقد كان الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – يدعو للصغار فقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت معه حتى أتينا سوق بني قينقاع ثم انصرف، فأتى بيت عائشة ثم قال: أثم لُكَعٌ – يعني حسينا، وظننت أن أمه حبسته تغسله أو تلبسه سخابا (قلائد طيبة الرائحة)، فلم يلبث أن جاء يشتد فعانق كل واحد منهما صاحبه ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. رواه البخاري 7/104 ومسلم 4/1882. ويستدل بالحديث على استحباب تنظيف الصغير وتطييبه وإلباسه الملابس الجميلة عند الاستطاعة.

وإن لضم الصغير والدعاء له أثر بالغ في نفسه، فقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: «ضمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: «اللهم علمه الكتاب» وفي رواية: «اللهم علمه الحكمة» وفي أخرى: «اللهم فقهه في الدين» رواه البخاري.
وروى البخاري عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه – قال: إن كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليأخذني ويقعدني على فخذه ويقعد الحسن على الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما. وفي رواية: (اللهم إني أحبهما فأحبهما). ولاحظ أن الحسن ابن بنته، وأسامة ابن مولاه زيد بن حارثة، ومع ذلك عدل بينهما ووضعهما على فخذيه – صلى الله عليه وسلم -.

أما الدعاء عليهم فقد ورد النهي عنه في صحيح مسلم، حديث جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». ولو سألت كل والد دعا على ولده هل يرغب في قبول دعائه لأجاب بالنفي، ولكنه يخفف ما في قلبه من غضب على ابنه بالدعاء عليه فصارت وسيلة تنفيس ولا مقصود للداعي فيها، ولكنه لو استجيب لدعائه لحزن وندم. ولذا لما جاء رجل إلى ابن المبارك – رحمه الله – يشكو عقوق ابنه ؛ سأله إن كان قد دعا عليه أم لا، فأجاب: بأنه قد دعا عليه، فقال له حينئذ: أنت أفسدته.

فمن دعا لذريته، وسعى في صلاحهم بما شرع الله من التربية الصالحة، فمن الله عليه بصلاحهم، فليبشر بما قال الله تعالى في مثله: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ» (الطور: 21).
 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية