اطبع هذه الصفحة


مسألة في التعامل الشرعي مع المتسولين

كتبها: عبـدالعزيز الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، أحق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد طرح أحد الإخوة استشكالاً بشأن الموقف من الشحاذين الذين يطرقون أبواب البيوت، ويشحذون في المساجد وعند إشارات المرور، كما أنهم متواجدون في الأسواق وقرب المحاكم، ومحل الإشكال أن القرائن تدل على كذبهم، وأكثرهم مخالف لأنظمة الإقامة، كما أن أنظمة الدولة تحذر من إعطاء الشحاذين، وبعضهم يلبس عباءة نسائية تخفيا، وثبت أن لبعضهم علاقة ببعض المذاهب المبتدعة من الحوثية الجارودية، فهل هذه المبررات تقوي منعهم بإطلاق، مع أن ظواهر النصوص تحث على  إكرام السائل ومنع نهره، وإعطائه مما تيسر.

ولذا فقد استعن بالله على تحرير المسألة والله أسأل أن يلهمني رشدي ويهديني للصواب، وقد كتبت هذا البحث في وقت حظر التجوال بسبب وباء كورونا بتاريخ 3/9/1441هـ.


أولا: السائل في كتاب الله عز وجل


أثنى الله على من يحسن للسائلين، ويقتطع منه لمن يشتكي فقره من السائلين، ومن يتعفف عن السائل، ممن يغفل عنه أهل الخير، فقال سبحانه:
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 19) ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج: 25).

كما أن الله جعل رتبة البر مشروطة بإعطاء المحتاجين، ومنهم السائلين ، فقال تعالى: "
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة: 177).

كما أن الله ذم من ينهر السائلين، فقال تعالى: وأما السائل فلا تنهر، وقد فسره أهل التفسير بأنه السائل الصادق.

قال الطبري – رحمه الله - :" وقوله: (
وأما السائل فلا تنهر) يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته " (جامع البيان 24/489).

قال القرطبي – رحمه الله - : [لا تزجره، فهو نهي عن إغلاظ القول. ولكن رده ببذل يسير، أو رد جميل، واذكر فقرك، قاله قتادة وغيره] تفسير القرطبي 20/101.

وهذا مثل قوله تعالى:
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل لا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا، وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا" [الإسراء: 28]، قال الطبري – رحمه الله - :" وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك، ما لا تجد إليه سبيلا، حياء منهم ورحمة لهم {ابتغاء رحمة من ربك} [الإسراء: 28] يقول: انتظار رزق تنتظره من عند ربك، وترجو تيسير الله إياه لك، فلا تؤيسهم، ولكن قل لهم قولا ميسورا. يقول: ولكن عدهم وعدا جميلا، بأن تقول: سيرزق الله فأعطيكم، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ".( جامع البيان 14/569)

وقال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – في تفسير جزء عم ص 242: سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره ولك الحق أيضا أن توبخه على سؤاله وهو غني، إذا هذا العموم{
السائل فلا تنهر} مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس.

ثانيا: حكم التسول


ورد في النصوص الشرعية الحث على إعطاء السائلين المحتاجين، وفي ذلك دليل على جواز السؤال عند الحاجة، وإن كانت منزلة التعفف والصبر على الفقر أعلى وأولى، فقد روى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «
ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» هذا لفظ البخاري. وفي أخرى «ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي، أو لا يسأل الناس إلحافا» . وفي أخرى «إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] » . وفي رواية لمسلم والموطأ «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف حول الناس» ... وذكر الحديث نحو الأولى، وأخرج النسائي الأولى. وفي رواية أبي داود «ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس، ولا يفطنون به فيعطونه» . وفي رواية «ولكن المسكين المتعفف» . رواه البخاري 3 / 269 و 270 في الزكاة، باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} ، وفي تفسير سورة البقرة، باب {لا يسألون الناس إلحافا} ، ومسلم رقم (1039) في الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه، والموطأ 2 / 923 في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في المساكين، وأبو داود رقم (1631) و (1632) في الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى، والنسائي 5 / 85 في الزكاة، باب تفسير المسكين.

وروى قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: «تحمَّلت حَمَالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: أقِمْ حتى تأتيَنا الصدقةُ، فنأمُرَ لك بها، ثم قال: يا قبيصة، إنَّ المسألةَ لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ تحمل حمالة، فَحلَّتْ له المسألة حتى يُصيبَها، ثم يُمْسِكُ، ورجُل أصابتهُ جائحة اجتاحت ماله، فحلّتْ له المسألة حتى يُصيب قوَاماً مِنْ عَيْش - أو قال: سِداداً مِنْ عَيْش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحِجَا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلّت له المسألة، حتى يصيبَ قَوَاماً من عَيْش - أو قال: سِدَاداً من عيش - فما سِوَاُهنَّ من المسألة يا قبيصة سُحْت، يأكلها صاحبها سُحْتاً» . رواه مسلم رقم (1044) في الزكاة، باب من تحل له المسألة، وأبو داود رقم (1640) في الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، والنسائي 5 / 96 و 97 في الزكاة، باب فضل من لا يسأل الناس شيئاً.


 قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله - : [السؤال حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة فإن كان عنها بدٌ فهو حرام، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة: الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوك لو سأل لكان سؤاله تشنيعاً على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة.

الثاني: أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزه، فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة وفي السؤال ذل للسائل بالإضافة إلى المسؤول.

الثالث: أنه لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياءً من السائل أو رياءً فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة] إحياء علوم الدين 4/205.

وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله -  : [أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز] نقلاً عن غذاء الألباب للسفاريني 2/ 267.


ثالثا: حكم الإلحاف والإلحاح في المسألة


ورد الذم للإلحاح في السؤال، في قول تعالى:
لا يسألون الناس إلحافا" [البقرة: 273].

وروى معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «
لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته» رواه مسلم رقم (1038) في الزكاة، باب النهي عن المسألة، والنسائي 5 / 97 و 98 في الزكاة، باب الإلحاف في المسألة.

رابعا: حكم زجر السائل ووعظه


لا يدخل في نهر السائل وعظه وزجره إن كان للزجر موجب شرعي، لحديث
عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أن حكيم بن حزام قال: «سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني - زاد في رواية: ثم سألتُه فأعطاني - ثم قال لي: يا حكيم، إن هذا المال خَضر حُلْو، فَمَنْ أخذَه بسَخَاوَةِ نفسه بُورِكَ له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسه لم يُبَاركْ له فيه، وكان كالذي يأْكلُ ولا يشبَعُ، واليَدُ العُلْيا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسولَ الله، والذي بَعَثَكَ بالحقِّ لا أرْزَأُ أحداً بَعدَكَ شيئاً حتى أُفارِقَ الدنيا. رواه البخاري 3 / 265 في الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، وفي الوصايا، باب تأويل قول الله عز وجل: {من بعد وصية توصون بها أو دين} ، وفي الجهاد، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا المال خضرة حلوة "، ومسلم رقم (1035) في الزكاة، باب أن اليد العليا خير من اليد السفلى،

وروى قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: «تحمَّلت حَمَالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: أقِمْ حتى تأتيَنا الصدقةُ، فنأمُرَ لك بها، ثم قال: يا قبيصة، إنَّ المسألةَ لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ تحمل حمالة، فَحلَّتْ له المسألة حتى يُصيبَها، ثم يُمْسِكُ، ورجُل أصابتهُ جائحة اجتاحت ماله، فحلّتْ له المسألة حتى يُصيب قوَاماً مِنْ عَيْش - أو قال: سِداداً مِنْ عَيْش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحِجَا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلّت له المسألة، حتى يصيبَ قَوَاماً من عَيْش - أو قال: سِدَاداً من عيش - فما سِوَاُهنَّ من المسألة يا قبيصة سُحْت، يأكلها صاحبها سُحْتاً» . رواه مسلم رقم (1044) في الزكاة، باب من تحل له المسألة، وأبو داود رقم (1640) في الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، والنسائي 5 / 96 و 97 في الزكاة، باب فضل من لا يسأل الناس شيئاً.

وروى عبيد الله بن عدي بن الخيار - رضي الله عنه -: قال: أخبرني رجلان: «أَنهما أتيا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- وهو في حجة الوداع، وهو يَقسِم الصدقةَ، فسألاه منها، فرفع فينا النظر، وخَفَضَه، فرآنا جَلْدَيْنِ، فقال: إِن شئتما أَعطيتكما، ولا حَظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مُكْتَسِبٍ» . أَخرجه أبو داود، والنسائي رواه أبو داود رقم (1633) في الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، والنسائي 5 / 99 و 100 في الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، وإسناده صحيح.

وروى زيد بن أسلم عن أبيه - رحمه الله - قال: قال لي عبد الله بن الأرقم: «ادللني على بعير من المطايا أستحمل عليه أمير المؤمنين، فقلت: نعم جمل من إبل الصدقة، فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أن رجلا بادنا في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه، ثم أعطاكه فشربته؟ قال: فغضبت، وقلت: يغفر الله لك، لم تقول مثل هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم» أخرجه الموطأ ( 2 / 1001) في الصدقة، باب ما يكره من الصدقة، وإسناده صحيح.


خامسا: حكم التسول في المسجد


ذهب المحققون من أهل العلم إلى منع التسول بصوت مرتفع كما هو موجود في هذه الأزمان، لما في ذلك من منافاة قدسية المساجد، التي تنزه عن جمع المال بالبيع والشراء والبحث عن الضوال، فقد
نهى - صلى الله عليه وسلم -   عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الترمذي وحسنه العلامة الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود 1/201.

وقد قال ابن مفلح المقدسي الحنبلي – رحمه الله - : [قال خلف بن أيوب لو كنت قاضياً لم أقبل شهادة من تصدق عليه] الآداب الشرعية 3/394. وخلف بن أيوب العامري البلخي المتوفى سنة 215 هـ، وهو فقيه أهل بلخ وزاهدهم أخذ الفقه عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة وابن أبي ليلى والزهد عن إبراهيم بن أدهم، وقال أبي مطيع البلخي الحنفي – رحمه الله - : لا يحل للرجل أن يعطي سؤَّال المسجد. (الآداب الشرعية 3/394).


وقد قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله - :"الشحاذون عند أبواب المساجد من الخارج لا بأس إذا كانوا صادقين، أما داخل المسجد فيُنهون عن هذا ويقال لهم: اخرج عند الباب. فسئل – رحمه الله - : هل يُعتبر الإمام الذي يُخرجهم مخالفا لقوله تعالى: " وأما السائل فلا تنهر "؟ فأجاب: هو ما نهره وإنما أمره بتغيير المكان. (فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب).

وقال الشيخ عبدالكريم الخضير: يمنع بأسلوب مناسب؛ لئلا يقع في المخالفة {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى]. (شرح بلوغ المرام)

وفي إعطاء المتسولين بصوت مرتفع بعد الصلاة مفاسد عدة منها:
1)
     الإعانة على مخالفة الأحاديث النبوية التي تمنع من استغلال المساجد لجلب المال وتحصيله ولو بحق كما في إنشاد الضالة.
2)
     مخالفة الأنظمة التي تمنع من التسول في المساجد.
3)
     الإعانة على قطع الناس عن أذكار ما بعد الصلاة.

سادسا: حكم إعطاء المحتاجين المتعففين في المساجد


لا مانع من إعطاء السائل إذا صادفك داخل المسجد، ولم يمتهن التسول داخل  المسجد، وإنما حصل ذلك عرضاً، قال النووي – رحمه الله -  في شرح المهذب في باب الغسل: فرع لا بأس بأن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها. رواه أبو داود بإسناد جيد


سابعا: مقدار ما يعطاه المتسول


لا يشترط عند إعطاء المتسول أن يغطي حاجته، فقد روى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «
ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» رواه البخاري 3 / 269 و 270 في الزكاة، باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} ، وفي تفسير سورة البقرة، باب {لا يسألون الناس إلحافا} ، ومسلم رقم (1039) في الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه،

وإن سأل السائل الطعام أو الشراب، فيشرع إشباعه وإروائه، فقد أبو هريرة - رضي الله عنه -: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يارب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يارب، وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي» أخرجه مسلم رقم (2569) في البر والصلة، باب فضل عيادة المريض.


وروى أبو داود: عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنها قالت له: يا رسول الله صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
إن لم تجدي له شيئا تعطينه إياه إلا ظلفا عرقا فادفعيه إليه في يده". (رواه أبو داوود في السنن 2/126 ح1667 - كتاب الزكاة، باب حق السائل) ، وأخرجه الترمذي (السنن 3/43 ح665 -كتاب الزكاة باب في حق السائل) ، والنسائي (السنن 5/86 - كتاب الزكاة، باب تفسير المسكين) كلهم عن قتيبة ابن سعيد عن الليث به، وأخرجه أحمد (المسند 6/383) من طرق ابن أبي ذئب عن المقبري به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح1466).

وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «
اتقوا النار ولو بشق تمرة» . وفي رواية: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل» .   أخرجه البخاري، ومسلم، رواه البخاري 3 / 225 في الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، وباب الصدقة قبل الرد، وفي الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي الأدب، باب طيب الكلام، وفي الرقاق، باب من نوقش الحساب عذب، وباب صفة الجنة والنار، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} ، وباب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم رقم (1016) في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، والنسائي 5 / 74 و 75 في الزكاة، باب القليل في الصدقة.

وقال مالك: وبلغني «أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب، فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها، ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟» أخرجه الموطأ بلاغا 2 / 997 في الصدقة، باب الترغيب في الصدقة.


ثامنا: إعطاء السائل الذي قصدك دون غيرك


يشرع ألا يرد السائل الذي قصدك دون غيرك، ولو بصدقة يسيرة، فقد روى حسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «للسائل حق، وإن جاء على فرس» . أخرجه أبو داود رقم (1665) في الزكاة، باب حق السائل، ورواه أحمد في " المسند " رقم (1730) ، وفي سنده يعلى بن أبي يحيى، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، ولكن يشهد له حديث زيد بن أسلم - رحمه الله -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «أعطوا السائل، ولو جاء على فرس» . أخرجه الموطأ مرسلا 2 / 996 في الصدقة، باب الترغيب في الصدقة،


تاسعا: هل يأثم من يعطي المتسول الكاذب


إن تحرى المتصدق، وأعطى السائل ظانا أنه محتاج، فإن يؤجر على ذلك فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وزانية، وغني، فأتي، فقيل له: أما صدقتك على «سارق: فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية: فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني: فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله» . هذا لفظ البخاري، وأخرجه مسلم نحوه بمعناه. رواه البخاري 3 / 230 في الزكاة، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلمه، ومسلم رقم (1022) في الزكاة، باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها، والنسائي 5 / 55 و 56 في الزكاة، باب إذا أعطاها غنيا وهو لا يشعر.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية