كلمتي عن المجتمع في حفل الصحة النفسية بالقريات

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى إلى يوم الدين وبعد
يسرني ويشرفني باسمي ونيابة عن أهالي محافظة القريات عموما ، وأهالي وأولياء المرضى النفسانيين أن أقف أمامكم ولست بأفضل منكم ولا منهم بأن أرحب بكم ، راجيا المولى عز وجل أن ينال ما أقول إعجابكم وان يؤدي الهدف الذي نرمي إليه 0
إن وزارة الصحة لا تألوا جهدا لتطوير خدماتها الطبية التي تقدمها لتواكب النهضة الحضارية التي تعيشها مملكتنا الغالية بقيادة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز وفقهما الله لكل خير ، ومتابعة معالي الوزير الدكتور حمد بن عبد الله المانع ، ثم بمتابعة سعادة مدير الشؤون الصحية بالقريات الأستاذ أحمد العلي وسعادة مدير الصحة النفسية بالقريات الأستاذ أحمد قريبان العبدلي بارك الله في جهودهم جميعا 0
شرفني سعادة مدير الصحة النفسية بإلقاء كلمة الأهالي في حفل الصحة النفسية بالقريات احتفالا باليوم العالمي بالمريض النفسي فأقول والعون أطلبه من الله 0
أولا : مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي : اعتقاد بعض الناس أن الطب النفسي وعلم النفس موروثان غربيان لا يمتان إلى الإسلام بصلة ، معتقدين بأن المعالج النفسي إنما هو تابع لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو نظر ، وأن المعالج النفسي لا يؤمن بالجوانب الروحية والدينية في العلاج ، وهذا خطأ جسيم يدل على فهم قاصر ، واطلاع محدود 0
المعالج النفسي المسلم هو فرد من أفراد المجتمع الإسلامي يدين بما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه ، وما دراسته وممارسته للعلاج النفسي إلا محاولة منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه مؤطراً ذلك كله بضوابط دينه ، وإذا كان المعالج الغربي قد أخطأ في بعض الجوانب وأغفل الجوانب الدينية فخطأه عليه ، لأن المعالج المسلم الواثق من علمه ودينه ، ينتفع من كل ما حوله ، فالحكمة ضالته ، وأنه يبحث ويدقق النظر في كل ما يعرض له ، لعله يجد فيه ما ينفع به نفسه وأمته 0
ثانيا : هناك فرق بين العوارض النفسية والأمراض النفسية : يخلط المجتمع بينهما خلطا كبيرا وهما يفترقان ولا يجتمعان ، فالعوارض النفسية هي تلك التفاعلات النفسية الطبيعية التي تطرأ على أي فرد منا نتيجة تفاعله مع ظروف الحياة اليومية ، وتستمر لفترات قصيرة ، وقد لا يلاحظها الآخرون ولا تؤثر عادة على كفاءة الفرد وإنتاجيته في الحياة ، كما لا تؤثر على عقله وقدرته في الحكم على الأمور ، وتعد هذه العوارض النفسية جزءاً من طبيعة الإنسان التي خلقه الله بها ، فيبدو عليه الحزن عند حدوث عند وفاة ابنه وفلذة كبده إبراهيم ( إن العين لتدمع وإنأمر محزن ، ألم يقل النبي القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله ) ، كما أن الإنسان يدخل في نفسه السرور والبهجة عند حدوث أمر سار ، ألم يفرح النبي بفتح مكة بلا قتال ، وهذا أيها الجمع أمر مشاهد معلوم لا يحتاج لإثباته دليل ، ويحدث لكل أحد من الصالحين والطالحين ، أما الأمراض النفسية فأمرها مختلف ، وهي لا تقتصر على ما يسميه الناس بالجنون ، بل إن معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط إلى أشد أشكاله تقريباً متمثلاً في مرض الفصام الشديد الاضطراب ، كما أنه ليس شرطاً أن تستخدم العقاقير في علاج ما يسميه المعالجون النفسيون الأمراض النفسية ، بل إن منها مالا يحتاج إلى علاج دوائي ، فهي تزول تلقائياً ، وربما لا يحتاج معها المريض إلا طمأنته فقط ، كما يحدث عادة في اضطرابات التوافق البسيطة ونحوها 0
ثالثا : الخلط المجتمعي لمفهوم المرض النفسي : لا يخفى على كل ذي لب وعقل ما وصل إليه الغرب من حضارة مادية أضرت بأصحاب العقول الضعيفة ، فالعجيب في الأمر أن بعض دول أوربا في فترة القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي يقومون بإحراق المرضى النفسانيين ، لأنهم – كما يظنون – لا يمكن علاجهم فقد تلبستهم الشياطين ، بل إنه حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ( الثاني عشر الهجري ) فإن المرضى النفسانيين في أوربا يقيدون بالسلاسل في السجون ويبقون فيها مثل الحيوانات حتى تأتي ساعة الممات لاعتقادهم بأن أرواحاً شريرة قد تلبست أرواح المرضى ، ومن الاعتقادات الخاطئة عند البعض أن الصالحين والأتقياء لا يمكن أن تصيبهم الأمراض النفسية ، وذلك لأن الأمراض النفسية – في ظنهم – إنما هي فقط بسبب تسلط الشيطان على ضعاف الإيمان 0
هذا هو حال المجتمع الغربي ، ولكن ما هو حالنا نحن المسلمين ، الحقيقة أن نظرة المجتمع العربي والمسلم للمريض ( إلا من رحم الله ولا أعمم ) بأنه عضو فاسد لا نفع فيه ، وإنما هو عبء على المجتمع ، ويحاول المجتمع قدر الإمكان إخفاء ما يعرض له من عوارض لأنهم يرون أنها تنقص من قيمته وكرامته ، بل قد يصل الأمر بأن لا يفكر مجرد تفكير بأن يزور طبيبا نفسيا ، وإن تجرأ على ذلك فيكون بصفة السرية أو خارج مدينته ونحو ذلك ، فيهمل بلا علاج ، ويترك بلا رعاية صحية ، ويسرح بلا رقيب ولا حسيب ، كما هو الحال الذي نراه الآن فالله المستعان ، ويبدو أن هذا الاعتقاد ناتج عن عدم إدراك الناس لمعنى المرض النفسي ، ونظرة الناس للأمراض النفسية على أنها مركب نقص 0
رابعا : ماذا يجب على المجتمع تجاه المريض النفسي : السمعة السيئة الناتجة عن الجهل والمرتبطة بالمرض والمريض النفسي خلقت لدى الآخرين شعوراً بالخوف من التعامل مع المرضى النفسيين، وهذا الشعور غير حقيقي، فالمريض النفسي إنسان يمر بعوامل معينة تؤثر على سلوكه وتصرفاته مع الآخرين والواجب الوقوف معه ومساعدته في تحمل ما يمر به الآن لاجتياز هذه الظروف ، وكل إنسان منا معرض للمرور بنفس ظروف هذا المريض النفسي وفي أي مرحلة عمرية ، وهذا الخوف مرتبط بقلة الوعي وانتشار المعلومات والقصص عن المرضى النفسيين ، وكذلك لعب الإعلام دوراً سلبياً في إظهار المريض النفسي وأنه شخص عنيف وعدواني 000 الخ ، إن الخوف الموجود لدى الآخرين أدى إلى الشعور كذلك بأن المريض النفسي إنسان لا يمكن علاجه أو التعامل معه مباشرة بل يجب أخذه إلى المراكز العلاجية، وهذا فيه جانب من الصحة فيجب أخذ المريض النفسي إلى المتخصصين لتلقي العلاجات الدوائية والنفسية الضرورية ، ولكن مع أهمية وجود المريض مع أسرته لما لذلك من مردود إيجابي على نفسيته، فليس كل مريض نفسي بحاجة إلى الدخول للمستشفى ، وإذا حصل ونوم المريض لفترة محدودة فقط حتى تستقر حالته النفسية بعدها يجب خروجه مع أسرته والتعايش مع مجتمعه بشكل طبيعي جداً 0
أيها الأخوة : يجب علينا تصحيح هذه النظرة فالكل يتحمل جزءاً من المسؤولية ، وبالدرجة الأولى العاملون في مجال الإعلام والعلاقات العامة فيجب عليهم توعية المراجعين للمستشفيات ، ونشر المطويات والمقالات وإجراء المقابلات مع المتخصصين، وإقامة المحاضرات والندوات في المدارس والمعاهد والكليات لتوعية المجتمع وتوضيح الصورة الحقيقية للأمراض النفسية ، وكيفية التعامل معها، فمعرفة الناس ووعيهم بهذه الأمراض يقل خوفهم منها ، ويصبح لديهم تقبل للمرض وعلاجه وللمريض نفسه ، والدور الأكبر يقع على عاتق أسرة المريض النفسي ، فهم أعرف الناس به وبتصرفاته وبكيفية التعامل معه ، وكيفية علاجه وأخذه إلى المستشفيات النفسية والمحافظة على مواصلة علاجه بالشكل المطلوب ، وعلى احتواء هذا المريض ومحاولة تغيير الظروف التي أدت إلى ظهور المرض ومساعدته على اجتياز هذه المرحلة الصعبة من حياته حتى يشفى بإذن الله 0
كما يجب على المجتمع أن يتعاملوا مع المريض النفسي أو الشخص الذي تعافى من المرض النفسي معاملة الأشخاص الأسوياء لأنه هو أصلا سوي ، بأن يؤمن له العمل المناسب لقدراته ومؤهلاته ، وأن يُسعى له بالزواج ، فالزواج استقرار وأمان بإذن الله ، وأن يُقبل ويعامل معاملة حسنة تشعره بأنه إنسان سوي مفيد ومنتج ، ويشعر بأن المجتمع لا يستغني عنه وعن مهاراته وإبداعاته 0
أيها الأخوة : يجب على المجتمع أن يزرع الثقة في نفسه لكي يتجاوز مرحلة زمنية من عمره لا يرغب بالعودة إليها أو حتى تذكرها ، إذن لابد أن نكون له عونا ( والله عز وجل في عون العبد مادام العبد في عون أخيه 0 (
وفي الختام أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى حكومتنا الرشيدة على ما تبذل وتقدم لصحة المواطن ، كما أود أن سعادة مدير الشئون الصحية بالقريات الأستاذ أحمد العلي ، كما أود أن أشكر سعادة مدير الصحة النفسية بالقريات الأستاذ أحمد قريبان العبدلي ، ولا أنسى أن أقدم شكري لمنسوبي الصحة النفسية بشكل خاص ومنسوبي الشؤون الصحية بشكل عام على ما يولونه من دعم ورعاية كريمة لهذه الفئة الغالية على قلوبنا ، كتب الله لهم الأجر ، وأجزل لهم المثوبة ، وتجاوز عنا وعنهم وعنكم وجميع المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0