اطبع هذه الصفحة


التعداد تعاون وتآلف

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
حضرت معن بن زائدة الوفاة وخشي أن يتفرّق أبناؤه من بعده فقال لهم : أُريد من كلّ واحد منكم أن يأتيني بعصا ، فأحضروها ، فأخذ من كل منهم عصًا وأمسكها وقال لصاحبها : اكسرها فكسرها بكل سهولة ، فقال لهم : ليأتيني كل منكم بعصا، فأحضروها ، فجمعها وقال لكل منهم: أكسرها فما استطاع ، وقد أراد بذلك نصيحتهم بطريقة غير مباشرة وبوسيلة تعليمية واضحة وملموسة ومحسوسة ، وقال بعد ذلك لهم : يا أبنائي ، كونوا كرجلٍ واحد، لا يستطيع عليكم أحد ، وأما إذا تفرقتم فسوف يستطيع القضاء عليكم أي إنسان ، ثم أنشد :
كونوا جميعا يا بني إذا اعتـرى خطبٌ ولا تتفرقوا آحـادا
تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرًا وإذا افترقن تكسرت آحادا
كلنا نعيش على هذه الأرض صغيرنا وكبيرنا من رجال ونساء نتمتع بمتعها ونقاسي شدائدها نسير في قافلة واحدة همنا واحد وديننا واحد وقيادتنا واحده ، لكن الذي لابد من التنبيه له أن هذه المكتسبات في حال اكتسابنا لها لابد من المحافظة عليها ولابد من تنميتها والاستمتاع بها في دائرة ما احل الله تعالى لعباده ولا يتأتى هذا المطلب إلا بتكاتف أفراد المجتمع تكاتفا يظهر أثره جليا من تعاون الجميع في سائر أحوال دنياهم وما يؤدي بهم لأخراهم ، ولا يتأتى إلا بتقوى الله ومراقبته في كل مكتسبات المجتمع التي تعيشه واستشعار هذا المطلب العزيز0
إننا نعيش في مجتمعاتنا مختلفين في مستوى أفهامنا وعقولنا ، وهذا شئ جبلي لكي يثبت حاجة بعضنا لبعض ، فالصغير يحتاج الكبير، والجاهل يحتاج المتعلم ، والفقير لا غنى له عن الغني ، وفي كل الأحوال أتاح الله سبحانه وتعالى لنا الإرادة والمشيئة الخاصة بعباده حتى يكون من يكون ، فالغني لم يولد غنيا ، وكذلك الكبير والمتعلم ، ولذا وجب على بني الإنسان الإخاء ، ويتعين عليهم الاصطفاء ، ويجب أن يميل المسلم لأخيه المسلم وإن كانوا مختلفين في الآراء ومتباينين في الأفكار، قال بعض الحكماء : الرجال كالشجر؛ شرابه واحد وثمره مختلف ، وفي ذلك نظم الشاعر:
بنـو آدمَ كالنبـتِ ونبت الأرض ألوان
فمنهم شجر الصندل والكافور والبـان
ومنهم شـجر أفضل ما يحمل قطــران
وقال المأمون: :الإخوان ثلاثة طبقات : طبقة كالغذاء لا ُيستغن عنه ، وطبقة كالدواء يُحتاج إليه أحيانًا ، وطبقة كالداء لا يُحتاج إليه أبدًا 0
أخي الحبيب : أنا وأنت والجميع من هذا المجتمع المسلم ، يهمنا ما يهمّهم ، ويشغلنا ما يشغلهم ، فنسعد بفرحهم ، ونحزن لبؤسهم ، فلكن مع إخواننا من أبناء هذا المجتمع يدًا بيد ، لكي تكون القلوب مجتمعة والآراء متحدة ، فيحصل النجاح لكل عمل ، ويكون التحقيق لكل أمل ، فقد اندرجنا تحت سلك هذا المجتمع المتعاون ، لنا ما لهم ، وعلينا ما عليهم ، قد ربط بيننا رابط الدين واللغة والنسب والأخوة والجوار وغير ذلك ، فتجدهم على الخير يحملونك ، وعن الشر يردعونك ، ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وأبناء محافظتك هم أول من بك يفرحون ، وعليك يحزنون ، وفيك يواسون ، فهم أول من يستقبلونك ويفرحون ويستبشرون بمجيئك إلى هذه الدنيا ، وهم أول من لك يودّعون ، وعلى فراقك يحزنون ، فتغسلك دموعهم ، وتحنطك جفونهم ، وتحملك قلوبهم ، فإذا توفاك الله قاموا بغسلك وتكفينك ، وصلوا عليك ودعوا لك بالثبات ، وسألوا الله لك الرحمة والجنة ، وأن يجمعهم بك في الجنة ، ويحملونك إلى قبرك على رقابهم ، كل منهم يسابق ليحمل جنازتك ، ويقوم بواجبك ، وفي القبر أنزلوك على مهل ، واختاروا لك موضعًا طيبًا وسهلا ، ثم بالتراب أكرموك وستروك ودفنوك ، ورجعوا وقد انخلعت منهم القلوب ، وذرفت منهم العيون ، وتصدعت منهم الرؤوس ، يا لها من أُخوة قوية ، ويا له من رباط متين ، فهم لك في الشدة والرخاء ، وفي السراء والضراء 0
أخي الفاضل : إن التعداد السكاني يعتبر ركيزة جوهرية من ركائز التخطيط والتنمية في الدول المتقدمة , إذ يقدم صوره عامة لمحصلات ونتائج التخطيط التنموي , كما يوفر التعداد القاعدة الأساسية عن البيانات والمعلومات التي يمكن للدولة ترشيد عملها في المجالات التنموية ، والخدمية والإدارية ، فحضارات الأمم والشعوب تقوم على أساس التخطيط والبرمجة وجمع البيانات والمعلومات والتي من خلالها يتم قيام نهضة تنموية شاملة تتحرى التوزيع العادل وفق معايير ثابتة تراعي طبيعة الموارد وعدد السكان ومقدار المساحة والاحتياجات الفعلية ، هذه المعايير لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الحصر والإحصاء للسكان والمساكن ، ودولتنا الرشيدة تحرص على توفير بيانات سكانية وتحديثها بشكل دوري لتصب في مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية ، ومراكز البحث العلمية ، ومراكز المال والأعمال ، وغيرها من المؤسسات التي تهتم بتطوير وتوسيع مصالحها وفق حاجاتها الحالية ، والمستقبلية وتوسيع الحركة التجارية والصناعية وحتى نكون على بينة من جدوى التعداد وأهميته للوطن والمواطن ، لابد من أن نتفهم أهداف هذا العمل الجليل الذي هو التعداد المتجدد في بلادنا ، فالتعداد دراسة ميدانية مسحية يستخدم فيها الأسلوب المباشر لجمع البيانات التي تستطيع الدولة من خلالها أن تبني ، وتصيغ الخطط والمشاريع التنموية المختلفة , ومن خلالها يعرف العدد الفعلي للسكان في كل مدينة وقرية وهجرة والذين هم في الأصل المعنيين بالتنمية والتخطيط وحتى يتم تأمين كافة الخدمات اللازمة للمواطن سواء على مستوى الصحة أو التعليم أو بناء البني التحتية ، فحكومتنا أعزها الله تولي هذا المشروع اهتماما بالغا ، إيماناً منها بأهميته وارتباطه الوثيق بالخطط الشاملة لتنمية وطننا المبارك ولحرصها دائماً على أن تضمن للمواطن السعودي الفرص الثمينة للدراسة والتوظيف والسكن0
أخي الحبيب : إن من الأدب العالي والخلق الرفيع الذي يميزنا نحن المسلمين عن غيرنا هو التعاون والتآلف فيما بيننا ، لذا علينا أن نتعاون مع لجان التعداد السكاني وأن نذلل أي صعوبة تواجهها في تحقيق أعمالها ، وخاصة أن العاملين في تلك اللجان يواجهون معاناة يتعرضون لها من كثير من الأشخاص الذين لا يتعاونون معهم في تزويدهم بالمعلومات التي تخص أسرهم لمبررات واهية وحجج لا أساس لها من الواقع ، وهم لا يعلمون بأن التعداد السكاني إنما هو في الحقيقة عمل وطني بنّاء يسعى إلى الارتقاء بأفراد الأسر السعودية اجتماعياً واقتصادياً وصحياً إلى غير ذلك من جوانب الحياة ، فواجب المواطن والمقيم أن يعينها على تحقيقه وإنجاحه وليستبين الفوائد العظيمة التي سوف تعود على الوطن والمواطن بإذن الله وليكون الدافع لنا جميعا هو الإسهام الفاعل في تنمية البلاد ليعود علينا النفع العميم والخير الكبير ولتتحقق الغاية التي خلقنا من اجلها ، عبادة للخالق و إعمار للكون 0
أفكار وعبارات لملمتها واقتبستها من هنا وهناك فقولبتها بقالب واحد راجيا ما عند الله والحمد لله رب العالمين 0
كتبه
محمد فنخور العبدلي
محافظة القريات

 

محمد العبدلي
  • البحوث العلمية
  • عروض البوربوينت
  • المقالات
  • خطب الجمعة
  • عروض الفيديو
  • الصفحة الرئيسية