صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الاشاعات تدمر المجتمعات

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حرّم الأكاذيب والشائعات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل البريات أما بعد
فالإشاعة عبارة عن خبر أو معلومة غير مؤكدة قد تكون صادقة أو كاذبة ، تنتقل من شخص إلى أخر ، والاشاعة لا تطرح فكرة جديدة أو نظرية مفيدة ، بل تتناول أخبار ومعلومات لم تثبت ، كما أنها تحتوي على جانب غامض وظيفته إثارة الفتنة وزعزعة الأمن والأمان ، إن الشائعات ومروّجيها أشدُّ وأنكى ، لما يقومون به من خلخلة البُنى التحتية للمجتمع ، وتقويض أركانه ، وتصديع بنيانه ، فكم تجنّوا على أبرياء ، وأشعلوا نار الفتنة بين الأخلاء ، وكم نالوا من عظماء وعلماء ، وكم هدّمت الشائعة من وشائج ، وتسبّبت في جرائم ، وفككت من أواصر وعلاقات ، وحطّمت من أمجاد وحضارات ، وكم دمّرت من أسر وبيوتات ، وأهلكت من حواضر ومجتمعات ، بل لرب شائعة أثارت فتنا وبلايا ، وحروباً ورزايا ، إن الشائعات من أخطر الحروب المعنوية ، والعلل النفسية ، بل من أشد الأسلحة تدميراً ، وأعظمها وقعاً وتأثيراً ، فقد أصبحت ظاهرة اجتماعية عالمية ، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية ، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج ، وحَرِيّةٌ بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها ، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها ، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة ، التي هي عماد نجاح الأفراد ، وأساس أمن واستقرار المجتمعات ، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات 0
لقد اتخذ الإسلام موقفا حازما من الشائعات ، وعدّها سلوكا مرذولاً ، منافيا للأخلاق النبيلة ، والسجايا الكريمة ، والمُثلُ العليا ، فالشائعة نسف لتلك القيم ، ومِعْوَلُ هدم لهذه المثُل ، قال تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ) ، لقد نهى الإسلام أتباعه أن يُلغوا عقولهم عند كل شائعة ، وتفكيرَهم عند كل ذائعة ، أو ينساقوا وراء كل ناعق ، ويصدّقوا قول كل دعيٍّ مارق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذباً أو ( إثما ) أن يحدث بكل ما سمع ) ، وسدًّا للباب أمام الوشاة المغرضين ، ونقلة الشائعات المتربّصين ، ومنعاً لرواج الشائعة والبلاغات المجهولة الكيدية المغرضة ، والأخبار الملفقة المكذوبة على البرآء الغافلين ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بشراركم ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال ( المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون البُرَآءَ الْعَنَتَ ) ، ومروّج الشائعة لئيم الطبع ، دنيء الهمة ، مريض النفس ، منحرف التفكير ، صفيق الوجه ، عديم المروءة ، ضعيف الديانة ، يتقاطر خسَّة ودناءة ، قد ترسّب الغلّ في أحشائه ، فلا يستريح حتى يزبد ويُرغي ، ويُفْسد ويُؤذي ، فتانٌ فتاكٌ ، ساع في الأرض بالفساد ، يجلب الفتن للبلاد والعباد ، إنه عضو مسموم ، يسري سريان النار في الهشيم ، يتلوّن كالحرباء ، وينفث سمومه كالحية الرقطاء ، لا يفتأ إثارة وتشويشاً ، ولا ينفك كذباً وتحريشاً ، ولا يبرح تقوّلا وتهويشاً ، فكم حصلت من جناية على المؤهلين الأكفياء بسبب شائعة دعيٍّ مأفون ، ذي لسان شرير ، وقلم أجير ، في سوء نية ، وخبث طوية ، وهذا سرّ النزيف الدائم في جسد الأمة الإسلامية 0
الشائعات تتطوّر بتطور العصور ، ويمثّل عصرنا الحاضر عصراً ذهبياً لرواج الشائعات المغرضة ، وما ذاك إلا لتطوّر التقنيات ، وكثرة وسائل الاتصالات ، التي جعلت العالم قرية واحدة ، فآلاف الوسائل الإعلامية ، والقنوات الفضائية ، والشبكات المعلوماتية تتولّى كِبرَ نشر الشائعات المغرضة ، والحملات الإعلامية المحمومة ، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي ، له دوافعه المشينة ، وأغراضه المشبوهة ، ضد الأمة وثوابتها وقيمها ، فأصبحت مصادر الإشاعة كثيرة ومتعددة ، ولعل من أهمها وأكثرها ترويجا لها ( خبر في جريدة أو مجلة أو إذاعة أو تلفاز أو شريط مسجل أو مقال مكتوب ، والذي تَفَوَقَ في ترويج الشائعات { مواقع التواصل الاجتماعي الفيس البوك وتويتر } والذي تربع على قائمتها وهو أكثرها نشرا للشائعات الواتس أب ) 0

إذا كان هذا هو حال الشائعة وما ينتج عنها من دمار للمجتمع ، علينا أن نحدد طريقة التعامل مع الشائعات ولعل النقاط الأربعة تبين ذلك :
النقطة الأولى :حسن الظن بمرسل الإشاعة ، قال الله تعالى ( لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ) 0
النقطة الثانية : طلب الدليل على أية إشاعة نسمعها ، قال تعالى ( لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ )0
النقطة الثالثة : لا تتحدث بكل ما تسمعه ولا تنشره حتى تتأكد من صحته ، دع الاشاعة تموت في مهدها بعدم نشرها ، قال تعالى ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا )
النقطة الرابعة : رد الأمر إلى أهله ، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة التي لها أثرها ، قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )
وأخيراً إذا كان هذا هو حال الشائعات تدمير للمجتمعات فأنه يحرم تناقلها أو نشرها ، قال تعالى ( إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) هذا هو الحكم الأخروي ، أما الحكم الدنيوي فهو حد القذف إن توفرت شروطه ، وإلا فالتعزير ، فاحذروا أن تكونوا أنتم الانطلاقة لكل شائعة ، وأن تكونوا مروّجين لها ، فإذا ما سمعت بخبر ما ، في مجلس أو إذاعة ، أو شاهدته في قناة فضائية ، أو قرأته في مجلة أو جريدة أو رسالة أو موقع انترنت ، أو وصلك عبر الواتس ، وكان الذي سمعته لا يسُرّ ، فاحتفظ بالخبر لنفسك ولا تنقله لغيرك ولا تصدقه حتى يثبت بالبرهان والدليل صحته ؛ لأن القضية قضية دين ، والمسألة مسألة حسنات وسيئات ، فليحافظ كل منّا على دينه ، وليحافظ كل منّا على حسناته ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والحمد لله رب العالمين 0

كتبه
محمد فنخور العبدلي
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد العبدلي
  • البحوث العلمية
  • عروض البوربوينت
  • المقالات
  • خطب الجمعة
  • عروض الفيديو
  • الصفحة الرئيسية