اطبع هذه الصفحة


أعوام مضت وأخرى تمضي

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
عام انتهى بخيره وشره ، عام انتهى ومعه انتهى الآلاف من البشر ، وسوف يولد مثلهم أو أكثر ، أيام من أعمارنا مضت وتمضي فعجلة الحياة تدور ونحن معها ندور ، ومع إطلالةِ عام ، وذهابِ عام يبرزُ للمتأمل أحداثٌ عظام ، وقضايا جسام ، يجدرُ بالعاقل الفطن أن يقفُ عندها وقفات ، ويسترجعَ فيها الذكريات ، يجددُ العهد ، ويبرمُ العقد ، ينظرُ في ماضيه وما أحدث فيه ، ويتأملُ في مستقبله وما عزم أن يفعل فيه 0
ها نحن نودع عاماً ، ونستقبل عاماً ، والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا قدمنا في عامٍ أدبر ، وماذا أعددنا لعام أقبل ، من يجيب على هذا السؤال يستطيع أن يحاسب نفسه ، عام حوَى بين جنبيه حِكمًا وعِبرًا ، وأحداثًا وعظات ، كم شقيَ فيه من أناس ، وكم سعد فيه من آخرين ، كم من طفل قد تيتّم ، وكم من امرأة قد ترمّلت ، وكم من مريض قد تعافى ، وسليم في التراب توارَى ، أهل بيت يشيعون ميّتهم ، وأهل بيت يزفّون عروسهم ، بيت يفرح بمولود ، وبيت يُعزَّى بمفقود ، آلام تنقلب أفراحًا ، وأفراح تنقلب أتراحًا ، أيام تمرّ على أصحابها كالأعوام ، وأعوام تمرّ على أصحابها كالأيام :

مرّت سنون بالوئام وبالهنا --- فكأننا وكأنها أيّــــام
ثُم عقبت أيام ســـوء بعدَها --- فكأننا وكأنها أعـوام

إنّ هذه الدنيا ليست بدار قرار ، كُتِبَ عليها الفناء ، الركون إليها خطر ، والثقة بها غَرَرٌّ ، كثيرة التغيير ، سريعة التنكير ، شديدة المكر ، دائمة الغدر ، أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، عيشها نكد ، وصفوها كدَر ، والمرء منها على خطَر ، ما هي إلا أيام معدودة ، وآجال مكتوبة ، وأنفاس محدودة ، وأعمال مشهودة ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا ، وإن سرّت أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا ، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً ، وما حَصّلت للعبد فيها سروراً إلا خبّأت له شروراً ، ولا ملأت بيتاً فرحاً إلا ملأته ترحاً وحزناً ، قال تعالى ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) ، كم من شخص بنَا وسكَن غيرُه ، وجمع وأكل وارثه ، وتعب واستراح من بعدَه ، قال أبو الدرداء  يا أهل الشام ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون ، إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مُشَيدًا ، وأمّلوا بعيدًا ، وجمعوا مثيرًا ، فأصبح أملهم غرورًا وجمعهم ثُبورًا ومساكنهم قبورًا ، قال الشاعر :

إن للَّـه رجـالاً فطنـــــــا --- طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلمــا علموا --- أنها ليست لحـيّ وطنــــا
جعلوهـا لجّة واتــخـذوا --- صالِح الأعمال فيها سُفُنا

إننا عندما نستقبلُ عامًا ، ونودعُ عامًا ، فهذا ليس أمرًا عاديًا ، فالعام الذي مضى هو من أيام أعمارنا ، وذهبَ من سنيّ آجالنا ، وأصبحنا إلى الموت أقرب منه إلى الحياة , ونحن تفرحنا الأيام إذا ذهبت لأننا نتطلع إلى الدنيا وزخارفها ، وقد مددنا الآجال ، وسوفنا في الأعمال ، وبالغنا في الإهمال 0
ذهب عامكم شاهدًا عليكم أو لكم ، فهيئوا زادًا كافيا ، وأعدوا جوابا شافيا ، واستكثروا في أعماركم من الحسنات ، وتداركوا ما مضى من الهفوات ، وبادروا فرصة الأوقات ، قبل أن يفاجئكم هادم اللذات ، فاغتنم شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، فما بعد الدنيا من مستعتَب ، ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة ، أو النار، فاستدرك من العمر ذاهبا ، وقم في الدجى مناديا ، وقف على الباب تائبا ، وأحسن فيما بقى يغفر ما مضى ، ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ، إن الدنيا ظل زائل ، وسراب راحل ، غناها مصيره إلى فقر ، وفرحها يؤول إلى ترح ، وهيهات أن يدوم بها قرار ، وتلك سنة الله تعالى في خلقه ، أيامٌ يداولها بين الناس ، ليعلم الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، إنما هي منازل ، فراحل ونازل ، وهي بزينتها وبريقها ونعيمها إنما هي :

أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ --- إن اللبيب بمثلها لا يخدع

كتبه
محمد فنخور العبدلي

 

محمد العبدلي
  • البحوث العلمية
  • عروض البوربوينت
  • المقالات
  • خطب الجمعة
  • عروض الفيديو
  • الصفحة الرئيسية