اطبع هذه الصفحة


إما الطاعة بالمعروف أو الفتنة المدمرة

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ولي الصالحين ، والصلاة والسلام على إمام المتقين ، وقدوة الناس أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد

نعمة الاسلام
من نعم الله علينا أننا ولدنا مسلمين وفي بلد مسلم وفي مجتمع مسلم ، فهذه نعمة لا تضاهيها نعمة ، بل هذه مِنَةٌ عظيمة من رب عظيم أن جعلنا مسلمين أبناء مسلمين في بلد مسلم فلله الحمد والمنة 0

الطاعة الشرعية
من ثوابت ديننا وجوب طاعة ولي أمرنا مالم يأمرنا بكفر أو يلزمنا به ، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكِرَهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِر بِمعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلا طاعَةَ ) متفقٌ عليه ، وقال رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ( مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِى اللَّه يوْم القيامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً ) رواه مسلم ، وقال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ( اسْمَعُوا وأطيعوا ، وإنِ اسْتُعْمِل علَيْكُمْ عبْدٌ حبشىٌّ ، كَأَنَّ رَأْسهُ زَبِيبَةٌ ) البخاري ، وقالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم (عليْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعةُ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ وَمنْشَطِكَ ومَكْرهِكَ وأَثَرَةٍ عَلَيْك ) مسلم ، والنصوص الآمرة بالطاعة كثيرة ليس هذا مقام حصرها 0
وعلماء الأمة الربانيين مُجْمِعون على حرمة الخروج على الحاكم ووجوب السمع والطاعة للحاكم ما لم يأمر بمعصية أو كفر ، ولا يجوز الخروج في حال وُجِدَ الكفر البواح المقرر بالأدلة إلا مع توفر القدرة على الخروج وتقليل هدر الدماء وقتل المعصومين ، فقد أكد الشيخ ابن باز رحمه الله على طاعة ولاة الأمر في المعروف وليس في معصية الله عز وجل ، وقال أن الحاكم الذي يأمر بالمعصية لا يطاع في هذه المعصية دون أن يكون للرعية حق الخروج على الإمام بسبب ذلك ، فلا يجوز الخروج على الحاكم إلا بوجود الكفر البواح الذي عنده فيه من الله برهان مع القدرة والاستطاعة على التغيير ، فإن عدموا القدرة لعجزهم فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرا بواحا ، لأن خروجهم فيه فساد للأمة ويضر الناس ويوجب الفتنة وهو ما يتعارض ودوافع الخروج الشرعي وهو الإصلاح ومنفعة الناس والأمة ، وقال سماحته بهذه الطاعة تستقيم أمور الأمة ويحصل الأمن والاستقرار ويأمن الناس من الفتنة ، والمراد بولاة الأمر هم العلماء والأمراء والحكام ذوو السلطان أ هـ 0
إن طاعة ولي الأمر وإِنْ ظلم خير من الفتنة واختلال الأمن وانتشار الخوف بين الناس ، إن ديننا أمرنا بالسمع والطاعة ولو ظُلِمْنا ، ولا يقصد من الصبر على الحاكم الظالم هو إهانة أو تحقير لبني الإنسان ، ولكن الهدف من الطاعة والصبر على ظلم الحاكم هو درءٌ لما هو أعظم من فشو الفتن وانتشار القتل والنهب والسلب وهتك الأعراض في حالة الخروج على الحاكم ، وعند النظر في قوانين الدول التي تدعي الديمقراطية نجد أن قوانينها تلزم الشعوب بالسمع والطاعة وإن حدث لهم ظلم ، بل تجيز قوانينهم إخماد الثورات والمظاهرات ولو بالقوة إن شعروا بخطرها على النظام الحاكم وسوف نعرض بعض النصوص الدالة على ذلك 0

لماذا لا يجوز الخروج
الشرع الاسلامي ينظر لقضية الخروج من باب المفاسد والمصالح ، فلا شك شرعاً أن المُقدم في تولي الحكم هو المسلم العادل الصالح ، ولكن قد يتولى الحكم من هو دون ذلك ( وكيفما نكون يولى علينا ) فالشرع يأمرنا بالصبر والسمع والطاعة مالم نُؤمر بكفر ، والسبب أن مساوئ الخروج أكثر بكثير من عدمه ، والواقع الحالي لبعض الدول العربية التي حدثت فيها ثورات يشهد بذلك ، ثم إن من شروط الخروج قلة إراقة الدماء قدر المستطاع ونشر الأمن في أقصر وقت ممكن 0

الطاعة في النظام الديمقراطي
الغرب يُحَكِم القوانين والدساتير الوضعية التي وضعها هو ، وقننها وجعلها دستوراً لبلاده ، وحاول قدر جهده ورؤيته هو أن تتوافق مع ما يريد ، وهو مجتمع فيما يظهر للناس أنه مجتمع ديمقراطي أي أن الحكم للشعب ، ومع ذلك فإنه لا يبيح للشعب التطاول عليها ، أو منابذة الحكام ، بل يجيز قمعهم بالقوة وإليك بعض نصوصهم 0
1- يقول المفكر الأمريكي جون رولز ( ت 2002م ) في كتابه نظرية العدالة – فصل : واجب الامتثال للقانون غير العادل : السؤال الحقيقي هاهنا هو : تحت أي ظروف ، وإلى أي مدى ، نحن ملزمون بطاعة تنظيمات غير عادلة ؟ يقال أحياناً هذه الأيام أننا غير مطالبين البتة بالطاعة في مثل هذه الحالات ، ولكن هذا خطأ ، فبصورة عامة ، فإن الشرعية القانونية للقانون كما حددها الدستور مبرر كافٍ للسير عليه 0
2- يقول جون فينيس : الالتزام المطلوب بالقانون غير العادل ليس تابعاً لفحوى وغرض التشريع في هذه القوانين ، ولكن مثل هذا المستوى من الطاعة هو فقط باعتباره ضرورياً لتجنب إدخال القانون كمنظومة في حالة من الامتهان 0
3- يلخّص البروفيسور الأمريكي كنت جرينولت : موقف عدد من المنظّرين المعاصرين لمدرسة القانون الطبيعي : ثلاثة من نظريات الواجب الطبيعي لطاعة القانون ، وهي نظرية توني هونور في واجب الالتزام باعتبار الضرورة ، ونظرية فيليب سوبر في واجب إظهار الاحترام للقانون ، ونظرية جون ماكي في الالتزام المستقل بطاعة القانون ، ثلاثتها يدّعي مناصروها أنها تشمل طاعة القوانين غير العادلة والنظم غير العادلة ، أما نظرية رولز فتتصل فقط بالنظم الدستورية العادلة ، لكنها تشمل طاعة القوانين غير العادلة داخل هذه الأنظمة(1) ، فأين من يتغنى بالحكم الغربي وديمقراطيته المزعومة 0

القمع في النظام الديمقراطي الأمريكي
1- الدستور الأمريكي يفوض الدولة باقتراض الديون لأجل قمع المتمرد على السلطة : ( لا يجوز الطعن في صحة دين عام على الولايات المتحدة أجازه القانون ، بما في ذلك الديون الناشئة عن دفع معاشات ومكافآت عن خدمات قدمت لقمع تمرد أو عصيان ) 0
2- الدستورُ الأمريكيُ يسلخ الخارجيّ المتمرد من كل حقوقه السياسية وحقوق العمل الحكومي : ( لا يجوز لأي شخص أن يصبح شيخاً أو نائباً في الكونغرس ، أو ناخباً للرئيس ، أو أن يشغل أي منصب ، مدنياً كان أو عسكرياً ، تابعاً للولايات المتحدة أو تابعاً لأية ولاية ، إذا سبق له أن أقسم اليمين كعضو في الكونغرس ، أو كموظف لدى الولايات المتحدة كعضو في مجلس تشريعي لأية ولاية ، أو كموظف تنفيذي أو عدلي في أية ولاية ، بتأييد دستور الولايات المتحدة ، واشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدها 0
3- قمع عدة تمردات في أمريكا ومنها تمرد ( الفلاحين ) في ولاية بنسلفانيا في عهد الرئيس جورج واشنطن ، وعمق تمرد ( توماس دور ) في ولاية رود آيلاند في عهد الرئيس الأمريكي جون تايلور ، وفي عهد الرئيس أبراهام لينكولن ، وفور إعلان فوزه ، أعلنت سبع ولايات أمريكية الانفصال عن الولايات المتحدة ، وتكوين دولة جديدة ، عاصمتها مونتغمري ، وصاغوا دستوراً جديداً خاصاً بهم ، وعينوا أول رئيس خاص بهم وهو ( جيفرسون ديفيس ) ، واستمر رئيساً طوال السنوات الأربع التي بقي فيها الانفصال ، فأعلن الرئيس الأمريكي لينكولن الحرب عليهم ، على أساس أن الدستور الأمريكي يخوّله قمع الانفصال والتمرد ، وشكّل جيشاً من الولايات المتبقية ، وقُتِل في هذه الحرب أكثر من نصف مليون أمريكي ، واستعاد أخيراً خضوع الولايات السبع المنفصلة لدولة الولايات المتحدة الأمريكية ، وأعادها إلى بيت الطاعة ، وفي عهد الرئيس جورج بوش الأب ، تم قمع تمرد روندي كينج في ولاية كاليفورنيا (1) ، فأين من يتغنى بالحكم الغربي وديمقراطيته المزعومة 0

التعامل الشرعي مع البغاة
يلاحظ أن الغرب يقولون بوجوب طاعة النظام حتى لو لم يعدل ، بل ويبيحون قمع المتمرد ولو بالقوة ، أما ديننا فيأمرنا بالسمع والطاعة بالمعروف ، ولا يجيز للحاكم قمع التمرد إلا بعد مناقشتهم وتجلية الخطأ لهم ، والرجوع عن أي مظلمة ، وهم يسمون بالبغاة ، ففي موقع الدرر السنية : فإذا خرج البغاة على الإمام فعليه أن يراسلهم ، ويسألهم ما تنقمون منه ، فإن ذكروا مظلمة أزالها ، وإن ادعوا شبهة كشفها ، فإن رجعوا وإلا وعظهم وخَوَّفهم القتال ، فإن أصروا قاتلهم ، وعلى رعيته معونته حتى يندفع شرهم وتطفأ فتنتهم ، وإذا قاتلهم الإمام فلا يقتلهم بما يعم كالقذائف المدمرة ، ولا يجوز قتل ذريتهم ومُدبِرهم وجريحهم ومن ترك القتال منهم ، ومن أُسِر منهم حُبس حتى تخمد الفتنة ، ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ، وبعد انقضاء القتال وخمود الفتنة ما تلف من أموالهم حال الحرب فهو هدر ، ومن قتل منهم فهو غير مضمون ، وهم لا يضمنون مالاً ولا أنفساً تلفت حال القتال 0

الأمن أعظم النعم
من نعم الله الأمن والأمان التي فقدت في بلدان كثيرة بعد بزوغ ما يسمى بالربيع العربي الذي حول ليبيا إلى صراع داخلي ، وتونس تتجاذبها الأهواء من هنا وهناك ، وكذلك بلاد الكنانة واليمن السعيد ، وما وصل إليه حال أخوتنا أهل السنة في العراق والشام ، فهل الخروج على الحاكم السني المسلم الذي لم يَكْفُر ولم يأمر بِكُفْرٍ ولا معصية يضمن لنا العيش بأمن وأمان ، أم حروب وصراعات وتنازعات على السلطة والهيمنة واعتلاء كرسي الحكم وما يتبع ذلك من ظلم وقتل وهتك للأعراض وسلب للأموال 0

همسة
عن عبدِ اللَّهِ بن عَمرو رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا مَع رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في سَفَرٍ ، فَنَزَلْنا منْزِلاً ، فَمِنَّا منْ يُصلحُ خِباءَهُ ، ومِنَّا منْ ينْتَضِلُ (يُسابِقُ بالرَّمْي بالنَّبْل والنُّشَّاب )، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ (الدَّوابُّ التي تَرْعَى وتَبيتُ مَكانَها ) ، إذْ نادَى مُنَادي رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : الصَّلاة جامِعةٌ . فاجْتَمعْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال ( إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نبي قَبْلي إلاَّ كَانَ حَقا علَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيرِ ما يعْلَمُهُ لهُمْ ، ويُنذِرَهُم شَرَّ ما يعلَمُهُ لهُم ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافيتُها في أَوَّلِها ، وسَيُصِيبُ آخِرَهَا بلاءٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا ، وتجيءُ فِتَنٌ يُرقِّقُ بَعضُها بَعْضاً ، وتجيء الفِتْنَةُ فَيقُولُ المؤمِنُ : هذِهِ مُهْلِكَتي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ ، وتجيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ : هذِهِ هذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ، ويُدْخَلَ الجنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ منيته وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ، ولَيَأْتِ إلى الناسِ الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إلَيْهِ ، ومَنْ بَايع إماماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يدِهِ ، وثمَرةَ قَلْبهِ ، فَليُطعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ ينازعُهُ ، فاضْربُوا عُنُقَ الآخَرِ ) مسلم 0
كتبه
محمد فنخور العبدلي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
1- مقال بعنوان طاعة الرئيس ، والخروج على السلطة ، في النظام الديمقراطي 0

 

محمد العبدلي
  • البحوث العلمية
  • عروض البوربوينت
  • المقالات
  • خطب الجمعة
  • عروض الفيديو
  • الصفحة الرئيسية