اطبع هذه الصفحة


المجــــــــ نفاق وكذب أم مداراة بأدب ـــــــاملة

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR


بسم الله الرحمن الرحيم


التعريف
في لسان العرب : والمُجاملة المُعاملة بالجَمِيل ، الفراء : المُجَامِل الذي يقدر على جوابك فيتركه إِبقاءً على مَوَدَّتك ، والمُجَامِل الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويَحْقد عليك إِلى وقت مّا ؛ وجامَل الرجلَ مُجامَلة : لم يُصْفِه الإِخاءَ وماسَحَه بالجَمِيل ، والمجاملة في اللغة هي من جَمل : وهي الملاطفة في أدب الكلام والمعاشرة ، وقيل : المجاملة هي التسليك للأشخاص وإرضائهم بكلام معاكس لما في عقلك وقلبك لكي لا تجرحهم ، وقيل هي أسلوب يلجأ له بعض الناس لكسب القلوب 0

أنواعه المجاملة
المجاملة من وجهة نظري تنقسم إلى قسمين هما :
1- مجاملة حسنة : وهي التي لا يكون فيها كذب ، ولا نفاق ، ولا أكل ، أو هضم ، أو ظلم لأحد ، والأهم أن لا تكون مسيئة للدين 0
2- مجاملة سيئة : وهي التي لا تخلو من الكذب أو النفاق أو ظلم الآخرين ، ولا تخلوا من التزلف لذوي الجاه والمكانة والمناصب رغبة في مكاسب دنيوية حتى لو كانت على حساب الدين أو الأخلاق أو أي أمر طيب 0

الفرق بين المجاملة والمداراة
هما بمعنى واحد ، قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : وأما المداراة : فهي المداجاة والملاينة ، كما في مختار الصحاح ، وقال ابن الأثير في غريب الحديث : المداراة ملاينة الناس وحسن صحبتهم ، واحتمالهم لئلا ينفروا عنك ، وفي المصباح المنير للفيومي : داريته مداراة : لاطفته ولايَـنْـتُـه 000000 فالمحب يُجامل ويُداري محبوبه 0000 فالمجاملة والمدارة والمصانعة مطلوبة ، وقال أيضا : والمداراة : بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معاً وهي مباحة وربما استحسنت ، ووردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات : والمُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) ، والمجاملة فيما لا ضرر فيه على الدين أو النفس أو الصحة تعتبر نوعاً من المداراة وهي مرغّب فيها ودليل حسن خلق الإنسان ، وفي موقع الإسلام سؤال وجواب : أما المُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن ، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيئ ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل ، ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير ، قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة ، وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان ( باب المداراة مع الناس ) ، وقد كتب أهل العلم فصولا في المداراة حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان مداراة الناس ، فذكر عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم ، وعن الحسن قال : التودد إلى الناس نصف العقل ، وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله أي أحمد بن حنبل يقول : والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه

الفرق بين المداراة والمداهنة
بينما فرق وهما متناقضتان ، ففي موقع الإسلام سؤال وجواب : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري : وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك ، وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : الفرق بين المداهنة والمدارة : أن المُداهنة والإدْهان : المصانعة واللين ، وقيل : المداهنة إظهار خلاف ما يضمر ، والإدهان الغش ، ودهن الرجل إذا نافق ، كما يقول ابن منظور في لسان العرب ، وفي التوقيف على مهمات التعاريف : المداهنة أن ترى منكراً تقدر على دفعه فلم تدفعه ، حفظا لجانب مرتكبه ، أو لقلة مبالاة بالدين ، وأما المداراة : فهي المداجاة والملاينة ، كما في مختار الصحاح ، وقال ابن الأثير في غريب الحديث : المداراة ملاينة الناس وحسن صحبتهم ، واحتمالهم لئلا ينفروا عنك ، وفي المصباح المنير للفيومي : داريته مداراة : لاطفته ولايَـنْـتُـه ، فالأول وهو المداهنة تكون مع عدم طيب النفس ، ويكون مع عدم المحبة ، وقد تكون المداهنة في أمر مُحرّم ، بل قد يكون في الكفر عياذاً بالله ، ولذا قال عز وجل ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) ، قال ابن عباس فيها : ودوا لو تكفر فيكفرون ، قال ابن العربي في أحكام القرآن : وحقيقة الإدهان ؛ إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة ، فإن كانت المقاربة باللين فهي مداهنة ، وإن كانت مع سلامة الدين فهي مداراة ، أي مدافعة ، قال ابن زيد في قوله تعالى ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال : الركون الإدهان ، وقال عليه الصلاة والسلام : مثل الْمُدهِنِ في حدود الله والواقع فيها ، مثل قوم استهموا سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها ، وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمرّون بالماء على الذين في أعلاها ، فتأذّوا به ، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم . رواه البخاري ، والرواية الأخرى عند البخاري : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، فالمحب يُجامل ويُداري محبوبه ، والمُبغِض يُنافق مبغوضه 0

الفرق بين المجاملة والنفاق والكذب
وردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات :النفاق أكبر وأصغر ، وهو محرم بنوعيه لما فيه من الشر والإضرار بالناس وخداعهم ، والمجاملة مداراة الناس والرفق بهم ، ولا حرج فيها إلا إذا ترتب عليها إقرار على معصية أو معاونة عليها ، وأن الفرق بين النفاق والمجاملة أن الأول نابع عن خوف وجبن والثاني نابع من تحقيق مصلحة دينية راجحة ، لا من خوف وجبن 0

حــــكم المجاملة
المجاملة من سمات الخلق الرفيع ، طالما بقيت في الحدود التي لا يترتب عليها إضرار بمصلحة العمل أو حقوق الآخرين ، وأسلوب وذوق طالما لا يترتب عليها أي مشاكل أو كذب فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله : إن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا أعلم حرجا في ذلك ، وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : ومِن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه رجل قال : ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام . قالت عائشة رضي الله عنها : قلت : يا رسول الله قلتَ الذي قلت ، ثم ألنت له الكلام ، قال : أي عائشة إن شرّ الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه - رواه البخاري ومسلم ، وكان مِن مُداراة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يواجه الناس بما يكرهون ، وإذا غضب عُرِف ذلك في وجهه ، ووردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات : المجاملة هي معاملة الناس بما يرضيهم ويحمد عندهم في العرف ، والمُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) لا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن ، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل ، والمجاملة فيما لا ضرر فيه على الدين أو النفس أو الصحة تعتبر نوعاً من المداراة وهي مرغّب فيها ودليل حسن خلق الإنسان ، خاصة من تولى للناس ولاية مثل المديرين والمسؤولين وغيرهم ، وكل عمل يتعلق بالجمهور فلا بد لصاحبه من أخلاقيات معينة تسمى في العصر الحديث بأخلاق المهنة ، ومنها هذه المجاملة التي لا تحوي مفسدة في الدين أو الأخلاق ، قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله : قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة ، قال أحمد بن حنبل : والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه ، واعلم أخي: أن المجاملة لا حرج فيها إلا إذا ترتبت عليها معصية كإقرار على معصية أو مشاركة فيها فتحرم حينئذ ، أما المجاملة على حساب الدين مرفوضة تماماً ، ومنهي عنها شرعاً ، ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ) رواه الترمذي 0
كتبه
محمد فنخور العبدلي



 

محمد العبدلي
  • البحوث العلمية
  • عروض البوربوينت
  • المقالات
  • خطب الجمعة
  • عروض الفيديو
  • الصفحة الرئيسية