اطبع هذه الصفحة


ملامح جهمية (1)

الشيخ عبدالكريم بن صالح الحميد

 
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله  وصحبه أجمعين ..                       أما بعد ..
 
حسن بن فرحان المالكي اسم جديد ظهر للناس هذه الآونة الأخيرة يترأس على طائفة تأثرت بأفكاره، وكنت قد اطلعتُ على كلام له ألقاه في محاضرة في 6/8/1420هـ تهجّم فيها على بعض كتب السلف ككتاب السنة لعبد الله بن أحمد وكتاب السنة للبربهاري وغيرها، وذكر لها مساوٍ وسَوْءات وأخطاء عَدّ منها ثلاثة عشر الذي يهمّنا هنا منها هو الثالث وهو : التجسيم .
الذي لا يخفى على طالب العلم أن هذا اللقب يُشنِّع به الجهمية على أهل السنة والجماعة لأجل إثباتهم صفات الله عز وجل، وهذا أشهر من أن يذكر فلا تكاد تطلع على كلام لهم عن الجهمية إلا ويذكرون نبزهم لأهل السنة بهذا اللقب، وليس الكلام هنا على الجهمية ولا على مسألة التجسيم فقد فُرِغ من هذا قبل وجودنا، فكُتب أهل السنة مليئة بما يبيِّن كفر الجهمية وضلالهم، وإنما المراد هنا الإشارة والتحذير من هذا الانبعاث الأخير لاسيما وهو بين أظهرنا كما أنه للغاية خطير لأن المساس بالعقيدة ليس كسائر المعاصي والذنوب .
إنه توَجّه في غاية الخطورة إن لم يُتدارك، وهو توجّه المكبوب على وجهه الناكب عن الصراط المستقيم، قال تعالى : {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم}.
إن التشكيك في عقيدة أهل السنة واتهامهم بأبشع التهم والدفاع عن رؤوس الجهمية لا يشك في زَيْغ وضلال من تزعّمه وتبناه إلا من هو بعيد عن الدين، مغمور في الضلال المبين .
يزعم المالكي أن النزاعات التي حدثت في الأمة فحدثت منها الفرق أنها نزاعات سياسية وخلافات سياسية ليست في العقيدة بل العقيدة يقول إنها لفظ مُسْتحدث، وله مراد بذلك سوف يظهر إن شاء الله من جملة موضوع مُهاترته التي تسمى محاضرة .
جعل هذا الضال ذبح خالد القسري الجعد بن درهم مُؤَصِّل مذهب الجهمية جعله جريمة من جرائم أهل السنة يقول بتهكم : خالد القسري هذا نحن نمدحه لأنه ذبح الجعد بن درهم .
المالكي يأسف على ذبح الجعد ويتهم من ذبحه فعلينا أن نَدَع ما تكلم به أئمة المسلمين وعلماؤهم طوال القرون الماضية عن الجهمية مُتَّهمين لهم بالظلم كما زعم المالكي وكثرة الأكاذيب والموضوعات، والإسرائيليات في مؤلفاتهم، والتناقض، والافتراء على الخصوم، والإرهاب للمتوقفين، والتجسيم، والسكوت عن الإنكار على بعضهم، والاشتغال بذم الآخرين، والغلو في شيوخهم، وردود الأفعال، وعدم إدراك معنى الكلام، والدعاوي بلا أدلة، ونلغي ما قالوه متجهين بقلوبنا وقوالبنا لمنقذ الأمة من الضلالة المالكي ليخبرنا بالقول الفصل في شأن فرق الأمة عامة والجهمية خاصة، وذلك لأن له ولأتباعه عناية خاصة بهذه الفرقة، ولأنهم أرباب عقول متفتحة مستنيرة بخلاف السلف .
يزعم المالكي أن أصل مخالفة غيلان الدمشقي والجهم بن صفوان سياسية وينكر على أهل السنة قتلهم معلّلاً ذلك بأن بعض علماء السلطة في عهد بني أمية أظهروا بأن هؤلاء إنما قتلوا للدين .
المالكي يدافع عن الجعد والجهم وغيلان القدري ويتهم أهل السنة بالظلم وبما تقدم من الطعن الذين وجّهه إليهم .
المالكي وراءه ما وراءه وإنما أظهر طرفاً من هذه الروائح الجهمية المنتنة، وهذا مشرب النقيدان ويُذكر لنا أن هذا شيخه ومُقلَّده فالكل يحيلون أمر فرق الأمة المختلفة إلى خلافات ونزاعات سياسية ويدافعون عن رؤوس الجهمية وينالون من علماء السنة ويتكلمون بالصفات من جنس كلام الجهمية .(2)
ثم إن المالكي طعن على الحنابلة لأجل تسميتهم أهل السنة والجماعة في عهد المتوكل، غاظ فلم يعجبه نصر الله لحزبه وخذلانه لأعدائهم من الجهمية فصار يطعن بهذه التسمية ويطعن بكتب أهلها يقول : ومادة هذه الكتب المؤلفة في العقائد هي ذاكرة هذا الفساد كله، فلكل فرقة من المسلمين كتبها التي يوصي بها أتباعها ويوزعونها ويدعون إليها لا إلى الحق، هكذا جعل كتب أهل السنة لا تدعو إلى الحق لأنها من جملة كتب العقائد الضالة، أما الحق فهو ما أتى به هذا الفرخ .
وانظر الآن ما ذكره عن الأثر ((أن الله كتب التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة))(3) يقول : هذا تجسيم ، إنه يقاتل بسلاح الجهمية .
وطعن في جلوس الرب سبحانه على الكرسي وأن له مكان وأنه إذا تكلم سُمع له صوت كالسلسلة على الصفوان، ووضع يديه بين كتفي النبي r ونزول الرب وأنه خلق آدم على صورته هو .
إنه يختار هذه الآثار التي فيها إثبات الصفات فيتكلم فيها بالطعن والتجريح من أجل خاطر الجعد والجهم .
ومن طعنه على أهل السنة وتهكمه وسخريته بهم أوْرد ما ذكره ابن الجوزي عن بعض الحنابلة يقول : صَنّف بعض الحنابلة كتباً شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمّوا لله صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين وفماً ولَهَوَات وأضراساً ويدين وأصابع وكفّاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس، ثم يتحرّجون من التشبيه ويقولون : نحن أهل السنة والجماعة وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوام، إلى آخره .
هذا الذي ذكره ابن الجوزي ليس كله صحيحاً مما يثبته أهل السنة ولا كله باطل، وهو تشنيع منه لمثبتة الصفات حيث تعرّض هو لنفيها، وقد بينت ذلك في الرد على السقاف لكن ابن الجوزي مرة يثبت الصفات ومرة ينفيها ولا يُعتمد عليه في هذا ويكفي تشنيعه هنا، والمراد المالكي أوْرد كلام ابن الجوزي ليشنع على أهل السنة .
وإثباتهم للصفات الواردة في الكتاب والسنة أشهر من أن يذكر ولا يلزم من هذا التشبيه، ولا يلزم ألا يغلط بعضهم إنما الشأن فيما اشتهر وانتشر وضبُط من مذهبهم فهو ولله الحمد مدوّن مبيّن وليس فيه مطعن لمبطل .
ومِنْ طعن المالكي على أهل السنة الذي لابد أن يقارنه الدفاع عن الجهمية قوله : ( كذلك يذمون السلطان إذا آذى أحد أتباعهم ويقولون: هذا سلطان سوء وينسون كل فضائله كما فعلوا بالمأمون، لكن إذا جاء سلطان آخر معهم يمدحونه ولو كان مبتدعاً أو ظالماً كالمتوكل )، وقد تقدم كلام النقيدان عن المأمون فالمشرب واحد، ويقول في مسبته لأهل السنة ودفاعه عن الجهمية : ( من الأشياء افتراؤهم على الخصوم : مثل زعمهم أن جهم بن صفوان يريد أن يمحو آية {الرحمن على العرش استوى} هذه صعبة . رجل مسلم ما أظن مهما بلغ من البدعة أن يصل إلى أنه يتمنى أن يحك آية من المصحف الشريف، كل هذه أقوال الخصوم.
ويقول : إذا جاء الجهمية على افتراض صحة ما يُنقل عنهم ونفوا الصفات نأتي نحن ونثبت إلى أن نصل إلى التجسيم .
أنظر قوله : على افتراض صحة ما يُنقل عنهم يعني الجهمية يُشكك فيما ينقل عنهم ثم يزعم أن أهل السنة يصلون إلى التجسيم، وسبق كلامه على حديث الصورة وعلى كلام الرب سبحانه وصوته وغير ذلك مما فيه إثبات الصفات فهذه أنفاس الجهمية، وكيف يقول عن أهل السنة الذين يثبتون صفات الباري سبحانه كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله بلا تشبيه ولا تعطيل يقول : يصلون إلى التجسيم ؟ وما هو التجسيم إنها شناعة أحدثها الجهمية للتنفير من السنة وأهلها .
ثم قال : لنترك الانتسابات التي تفرقنا شيعاً فلا شرعية لكلمة شيعة ولا سنة ولا جهمية ولا سلفية ولا معتزلة كشرعية الإسلام، ولم يأت نص باستحباب أي تسمية أخرى، ومن زعم ذلك فعليه الدليل .. تأمل كيف طمّ الوادي فهذه الفرق عنده مجرد انتسابات وتسميات وليس هناك فرق ولا نص باستحباب أي تسمية أخرى، ومعنى كلامه الطعن على أهل السنة وكأن المسألة مجرد تسمية، أما تقريرهم السنة الحقه وردهم ما سواها وتمييزهم لفرق الضلال فهذا يطعن فيه المالكي ويرده.
ويقول في مسألة خلق القرآن : ليست من الأصول بل هي مسألة فرعية .
أقول : هذه ملامح جهمية تبدو في الأفق كفى الله المسلمين شرها.
إن الدين النصيحة فلعل هؤلاء يعودون إلى رشدهم ويَدَعون التمادي في الضلالة فيسعهم ما وسع أئمة المسلمين وعلمائهم ولا يُسيئون بهم الظن كل هذه الإساءة ولا يدافعون عن الجهمية الذين اتفق على تكفيرهم خمسمائة عالم من علماء أهل السنة ويعرفوا قدر نفوسهم وإلا فضررهم عائد عليهم ويحملون من سيئات من أضلوه .
وأنا هنا لم أكلف نفسي الرد على ما قال المالكي لأنه ولله الحمد لا يخفى على المسلمين وتفنيده حافلة به كتب أهل السنة سواء الكلام في التجسيم وأنه أعظم ما يُشنع به الجهمية على أهل السنة وأن إثباته ونفيه بدعة حيث لم يرد الشرع بذلك، ولا بيان أن ما يثبته أهل السنة من الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة لا يقتضي التشبيه، وأنه هو المعتقد الذي عليه النبي r وأصحابه بل وعليه جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة عليهم الصلاة والسلام أجمعين فما نقمة الجهمية وأفراخهم على أهل السنة إلا كنقمة من قال الله عنهم : {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} .
كل هذا في غاية البيان والوضوح في كتب أهل السنة ولله الحمد، وإنما المراد هنا الإشارة والتحذير ولعل القوم يتداركون ما فرط منهم قبل أن يتولجوا في اللجج فإن العَوْد إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وما أبخس حظ من دافع عن الجهمية وحَمِدَ مسْلكهم إنه يشعل نار الذنوب لتأكل روحه فيظل بجسد خواء تكتنفه الوحشة وتعلوه الظلمة وتتناوب عليه الهموم والغموم، ووالله إن الأمر أعظم من ذلك وهذا في الدنيا أما الآخرة فإن عذاب الله شديد ، {ويحذركم الله نفسه} .
إن أردت معرفة ذلك مجملاً فاعلم أن تنزيه الجهمية المدَّعى إنما هو نفي صفات الجليل وهو أسرع وأوسع طريق موصل للتعطيل، إنه طمْس المعرفة بالمعبود سبحانه، لقد فرغ أئمة أهل السنة من هذه التركة الإبليسية وبيّنوا أمرها وشأنها {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} قالوا : إن نهاية الجهمية أن ليس فوق العرش إله يُعبد، وهذه والله هي الحقيقة يعرف ذلك من جادلهم أو اطلع على كلامهم أو كلام أهل السنة فيهم .
لقد أوْحشهم الشيطان غاية الوحشة أن يثبتوا لله سبحانه صفاته خشية التجسيم بزعمهم حتى قادهم بسهولة إلى التعطيل حيث أنهم يثبتون ذاتاً مجردة عن الصفات.
وقد ذكر أهل السنة وصدقوا أن هذه الذات المزعومة لا يمكن وجودها إطلاقاً لأن كل موجود لابد له من صفة، أما الذات المجردة من الصفات ففي الأذهان وليست في الأعيان فتأمل هذا فإنه يجمع لك ما تشعب وتشتت من مذهبهم إنهم يعبدون العدم (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه) نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر ومن الضلال بعد الهدى .
 

----------------------------------------
(1) كتبتها في عام 1420هـ .
(2) النقيدان يزعم في كلام نشره في جريدته أن حديث الصورة يناقض قوله تعالى : {ليس كمثله شيء} وهذا مشرب الجهمية.
(3) فهو يرى أن اثبات اليد تجسيم [موسى هو الذي مسند ظهره على الصخرة] .
 

عبدالكريم الحميد
  • كتب ورسائل
  • بيانات ورسائل
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية