اطبع هذه الصفحة


سلسلة المذكرات التربوية التوجيهية 3

العزة

       اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله

 
الحمد لله الذي أظهر آثار قدرته وأنوار عزته في كل وقت وزمان وحين وأوان وعمر كل عصر من الأعصار بنبي مبعوث يدل الخلق ويرشدهم إليه إلى أن ختم الأنبياء والرسل بالنبي الأشرف والرسول الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبياء الله ورسله.
وأتبع الأنبياء عليهم السلام بالأولياء يخلفونهم في سننهم ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم فلم يخل وقتا من الأوقات من داع إليه بحق أو دال عليه ببيان وبرهان...
أما بعد:
من فضل الله تعالى على الأمة الإسلامية هذه الصحوة التي انتشرت في هذا الزمن حتى شملت كل شيء, وكان لها كسائر المواضيع مما الأصل فيه الإيجابية بعض مما يشوبه من المعكرات والمكدرات فالكمال عزيز,ومن هذا المنطلق رأى أخي الحبيب عبدالرحمن القرعاوي المساهمة في معالجة هذه المنغصات للسمو بالصحوة نحو الهدف والغاية المنشودة فسعى لجمع هذه المادة _التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها خالصا لوجهه الكريم_ فجمع كثيرا منها ثم قمت بمراجعتها وترتيبها والإضافة عليها والتعليق على بعض المواضع وهذا هو جهد المقل القاصر, ومن الله وحده العون والطول:

أخي الحبيب:

الاستقامة أمرٌ وفعلٌ وعملٌ جميلٌ وطيبٌ, يحب كل واحد منا الاتصاف بها أو حتى أن يذكر من ضمن المستقيمين. فلماذا كل هذا ؟.
لأن الاستقامة هي الطريق الصحيح, ولأن الاستقامة فخرٌ وعزٌ للشخص المتصف بها، ولأن الناس يحبون المستقيم ويثنون عليه ويقدرونه ويحترمونه ويقدمونه في المجالس والكلام … وهذه من نتائج الاستقامة.
والواحد لا يستقيم من أجل ثناء أو مدح الناس أو من أجل احترامهم وتقديرهم وحبهم, ولكن من أجل الله ومن أجل الثواب والأجر من الله وأيضاً من أجل أن الله أمرنا بالاستقامة وحثنا على ذلك. فقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " وقال سبحانه:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ... ".
وإضافةً لما سبق من النتائج فإن الشخص المستقيم المطبِّق للاستقامة بحقٍ يشعر بسعادةٍ وراحةٍ وثقةٍ بالنفس, لأنه ملتزمٌ بأوامر الله ومجتنبٌ لنواهيه. وهذا مصداق قوله تعالى :"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " .

أخي الحبيب:
إذا استقمت فأعط الاستقامة حقها, واعلم أنك قدوة لغيرك فاحرص أن تكون أهلاً لهذه المكانة, فكل عملٍ محسوب عليك ومسجَّلٌ على المستقيمين فأنت لا تمثل نفسك فقط, بل تمثل غيرك من المستقيمين, وأنت يُنظر إليك بمنظارٍ خاصٍ يختلف عن الآخرين, فأنت مُلاحظٌ في كل دقيقةٍ وجليلةٍ, مُلاحظٌ في تعاملك ومشيك وضحكك وكلامك وأكلك وشربك ولباسك وجلوسك وغير ذلك.
وأيضاً الأهل ينظرون للابن المستقيم نظرة إكبارٍ وإجلالٍ واحترامٍ وتقديرٍ, ولكن متى يكون ذلك ؟.
إذا كان الابن المستقيم خلوقاً، محترماً، ناصحاً، حليماً، مسامحاً، قليل الطلب والأمر، لايغضب إلالله وبلين، سريع الرضى والتسامح، كريماً، له أعمالٌ صالحةٌ داخل البيت، يأمر بالمعروف بلطفٍ، وينهى عن المنكر بدون زجرٍ وتوبيخٍ...فبهذه الأمور يكون محبوباً، محترماً عند الأهل.

أخي المستقيم :
ليكن ديدنك دائماً وأبداً قول الشاعر:
ومـما زادني شـرفـاً وتـيــهـاً ... وكدت بأخمصي أطأ الـثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صـيَّرت أحمد لي نـبيا

ومما يلاحظ على بعض الشباب المستقيم عدم الاعتزاز بالاستقامة ، والذلة والهوان . وهذا الأمر له مظاهرٌ و أسبابٌ و آثارٌ وعلاج.سيُتطرق إليها ضمن البحث:

أسباب اختيار الموضوع:
 حتى يتبين مفهوم العزة وأنها ليست للذَّات, ولا الاستعلاء للنفس. وإنما هي العزة للعقيدة والاستعلاء للراية.
 وحتى يعلم أيضاً بأن من وُفِّق للعزة فقد وفق للخير ومعه الخير.
 أن العبد إذا رزق العزة رزق الاستعلاء على ركام الأرض الفانية فلا تستذله دنيا ولا طغاةُ.
 إن العزة تعتبر صمَّامَ أمانٍ للمجتمع من الشرور والأخطار فهي تُنمِّي الفضيلة وتمحق الرذيلة وبها تستجلب المكارم وتستدفع المكاره.

تعريف العزة:
في اللغة تدور حول معاني: الغلبة والقهر والشدة والقوة ونفاسة الشيء وعلو قدره.
في الاصطلاح: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهي إحساسٌ يملأ القلب والنفس بالإباء والشموخ والاستعلاء والارتفاع.
 وهي ارتباطٌ بالله وارتفاعٌ بالنفس عن مواضع المهانة والتحرر من رِقِّ الأهواء ومن ذُلِّ الطمع وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
والغاية منها : الرفعة والفخر على الآخرين بلا تكبر وهي نابعةٌ من الخيرية التي ينتج عنها الخير للبشر من مناصرة للفضيلة ومقارعة للرذيلة واحترام للمثل العليا .
ومن أوصاف الله تعالى وأسمائه [الْعَزِيزُ] أي: الغالب القوي الذي لا يغلبه شيء وهو أيضاً المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده. والإيمان بهذا الاسم يعطي المسلم شجاعةً وثقةً كبيرةً به, لأن معناه: أن ربه لا يمانع ولا يرد أمره وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس.
وقد تكرر وصف الله تعالى بوصف [ الْعَزِيزُ ] في القرآن ما يقرب من تسعين مرة.
وقد أشار الله في كتابه المجيد إلى أن العزة خلق من أخلاق المؤمنين التي يجب أن يتحلوا بها ويحرصوا عليها فقال : " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ " وقال عن عباده الأخيار : " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " وقال : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " والشدة على الكافرين تستلزم العزة, وقال : " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " وهذا يقتضي أن يكونوا أعزاء ، وهذه الآية الأخيرة تُفهِّمُنا أن كتاب الله جل جلاله يعلم المؤمنين إباء الضيم وهو خلقٌ يفيد معنى الاستمساك بالعزة والقوة ، والثورة على المذلةِ والهوان ، وإذا كنا قد عرفنا أن القرآن قد كرر وصف ذات الله القدسية بصفة [الْعَزِيزُ] ما يقرب من تسعين مرة فكأنه أراد بذلك ـ وهو أعلم بمراده ـ أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم واستشعروا القوة في أنفسهم واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات و الأرض وتأبوا على الهوان حين يأتيهم من أي مخلوقٍ وفزعوا إلى واهب القوى والقدر يرجونه أن يعزهم بعزته, وكأن الله عز وجل قد أراد أن يؤكد هذا المعنى في نفوس عباده حين جعل كلمة الله أكبر تتردد كل يوم في أذان الصلاة مراتٍ ومراتٍ ثم يرددونها كل يوم في صلواتهم كل يوم مراتٍ ومراتٍ فتشعرهم بأن الكبرياء لله عز وجل وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزة من لدنه وأن يستوهبوا القوة من حماه " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ " يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : " من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى "،" قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
ولقد أراد القرآن المجيد أن يهدي المؤمنين إلى الطريق الذي يصون لهم العزة ويحصنهم ضد الرضا بالهوان أو السكوت على الضيم فأمرهم بالإعداد والاستعداد لحفظ الكرامة والذود عن العزة فقال لهم :" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " لأن القوة تجعل صاحبها في موطن الهيبة والاقتدار فلا يسهل الاعتداء عليه من غيره من الضعفاء .
وعلمهم الله في القرآن الإقدام والاحتمال والثبات في مواطن اليأس موقنين أنه سبحانه معهم فقال لهم: " وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً "، وفي موطن آخر يقول لهم: " فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ".
وليست هذه دعوة إلى بغيٍ أو طغيانٍ وإنما يُعوِّدُ القرآن أتباعه أن يكونوا أولاً على حيطةٍ وحذرٍ فيقووا أنفسهم بكل وسائل التقوية والتحصين حتى يكونوا أصحاب رهبةٍ في نفوس أعدائهم وإلا تطاولوا عليهم وعصفوا بهم, ومن هنا قال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً " ويقول: " وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ".
ومتى شاء الله يوماً أن يلتقي المؤمنون في معركةٍ مع الكافرين فالواجب حينئذ على كل مؤمن أن يظل عزيزاً قوياً وأن يثبت على مبادئه وعقائده لا يخيفه الألم ولا التعب بل يبذل جهده وطاقته مستخدماً كل ما أعده قبل ذلك من سلاحٍ وعتادٍ واثقاً أنه مربوط الأسباب بالله القوي القادر وإذا شاء الله تعالى له لوناً من ألوان الاختبار والابتلاء تحمله راضياً صابراً محتفظاً بعزته وكرامته وشهامته موقناً بأن احتمال الألم خيرٌ ألف مرةٍ من التخاذل والاستسلام: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ".
والإسلام – مع هذا – يدعو أتباعه إلى السلام العادل المنصف الذي لا ينطوي على ضيمٍ أو ذُلٍّ ويدعوهم أن يغفروا الهفوة إذا كانت عن غير تعمدٍ أو كانت لا تبلغ مبلغ الإهانة أو لا تخدش العزة والكرامة أما إذا كانت الخطيئة بغياً فعلاجها الرد عليها بما يغسل العار ويدفع الضيم ويصون الكرامة ولذلك يقول الله عز وجل : " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول : لا،بملء فيه " .
ولم يكتف الله في القرآن الكريم بتحريض المؤمنين على إباء الضيم وإيثار العزة تحريضاً يقوم على الأمر الصريح أو التوجيه المباشر بل عمد إلى ضرب الأمثال من الأمم السابقة التي استجابت لدعوت الحق وتابعت رسل الله جل جلاله واستشعرت العزة وتمردت على المذلة فكان جزاؤها كريماً وثوابها عظيماً حيث خاضت المعارك من أجل عقيدتها ومبادئها ولم تهن أو تضعف بل صبرت وصابرت وكافحت وناضلت حتى ظفرت وانتصرت وذلك فضل الله القوي الذي يحب الشرفاء، العزيز الذي ينصر من استمسك بالعز والإباء، يقول الله في القرآن: " وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها " وقال صلى الله عليه وسلم : " من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا " .
والعزة ليست تكبراً أو تفاخراً وليست بغياً أو عدواناً وليست هضماً لحقٍ أو ظلماً لإنسانٍ وإنما هي الحفاظ على الكرامة والصيانة لما يجب أن يصان ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة بل لعل خير الأعزاء هو من يكون خير الرحماء وهذا يذكرنا بأن القرآن الكريم قد كرَّرَ قوله عن رب العزة: " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " تسع مرات في سورة الشعراء ثم ذكر في كل من سورة يس والسجدة والدخان وصفَي: الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ مرة واحدة.
ثم أغلب المواطن التي جاء فيها وصف الله باسم [العزيز] قد اقترن فيها هذا الاسم باسم [الحكيم]. والحكيم هو الذي يوجد الأشياء على غاية الإحكام والضبط فلا خلل ولا عيب.
وكما تكون العزة خلقاً كريما ًووصفاً حميداً إذا قامت على الحق والعدل واستمدها صاحبها من حمى ربه لا من سواه: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً "... تكون العزة الكاذبة أو الضالة خلقاً ذميماً حين تقوم على البغي والفساد ومن ذلك النوع قول الله تعالى: "بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " فعزة الكافرين تَعزُّزٌ كاذبٌ, ولذلك قيل: "كل عزٍّ ليس بالله فهو ذل " ومن ذلك أيضاً قوله تعالى عن بعض الضالين: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ " والعزة هنا مستعارة للحمية الجاهلية والأنفة الذميمة, ومن ذلك أيضا قوله تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً " أي يحاولون التَّمنُعَ به من العذاب وهيهات هيهات.
رحم الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أراد أن يوطد في نفس أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قواعد العزة عندما أرغمه بعض حكام عصره على شدة تعرض لها فقال: " يا أبا ذر رضي الله عنه إنك غضبت لله فارج من غضبت له, إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك, فاترك في أيديهم ما خافوك عليه, واهرب بما خفتهم عليم فما أحوجهم إلى ما منعته وما أغناك عما منعوك, وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً ولو أن السماوات والأرض كانتا على عبدٍ رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً. لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم أحبوك ولو قرضت منها أمنوك ". أي: لو ذللت ونلت من متاع الدنيا لما خافوك.

معاني العزة في القرآن:
1 ـ العظمة, ومنه قوله تعالى: " وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ "، وقوله تعالى: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ".
2 ـ المَنَعة, ومنه قوله تعالى: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ".
3 ـ الحميَّة , ومنه قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ " ، وقوله تعالى : " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " .

أقسام العزة :
1 ـ عزةٌ شرعية وهي :التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعتز المرء بدينه ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة فهو لا يُريق ماء وجهه ولا يبذل عرضه فيما يدنسه فيبقى موفور الكرامة مرتاح الضمير مرفوع الرأس شامخ العرين سالماً من ألم الهوان متحرراً من رق الأهواء ومن ذل الطمع لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه والحق الذي يحمله ويدعو إليه, روى البيهقي في شعب الإيمان ج2/ص247,قال:" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول ثلاثة من أعمال المراقبة ايثار ما أنزل الله وتعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله قال وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة والاستعانة بالله وليس بالمخلوقين والتذلل لأهل الدين في الله وليس لأبناء الدنيا".
2 ـ عزةٌ غير شرعية وهي:التي ترتبط بالكفر والفسق و النسب والوطن والمال ونحوها. فكل هذه مذمومة.
ولها صورٌ منها:
الاعتزاز بالكفار من يهودٍ ونصارى ومنافقين وعلمانيين وحداثيين وغيرهم.
الاعتزاز بالآباء والأجداد.
الاعتزاز بالقبيلة والرهط.
الاعتزاز بالكثرة, سواءاً  كان بالمال أو العدد.
الاعتزاز عند النصح والإرشاد, وذلك بعدم قبول النصيحة.
الاعتزاز بجمال الثياب.
الاعتزاز بالأصنام والأوثان.
الاعتزاز بالجاه والمنصب.

مصدر العزة:
هو الله تعالى والالتجاء إليه فهو يُذِلُّ من يشاء ويُعِزُّ من يشاء وهو على كل شيء قدير.
قال القرطبي: فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة, فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله.
قال أبو بكر الشبلي: من اعتز بذي العز فذو العزِّ له عزٌُ.
قال الشافعي: من لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عز له.
قال المناوي في كتابه فيض القدير ج4/ص290,:"فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطمع ولو ممن يعلمه بنحو مال أو خدمة وإن قل ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لم يهدها وقد حث الأئمة على أن لا يدنس العلم بالأطماع ولا يذل بالذهاب إلى غير أهله من أبناء الدنيا بلا ضرورة ولا إلى من يتعلمه منه وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه والحكايات عن مالك وغيره مشهورة فعلى العالم تناول ما يحتاجه من الدنيا على الوجه المعتدل من القناعة لا الطمع وأقل درجاته أن يستقذر التعلق بالدنيا ولا يبالي بفوتها فإنه أعلم الناس بخستها وسرعة زوالها وحقارتها وكثرة عنائها وقلة غنائها".

أسباب العزة:
1 ـ الإيمان بالله تعالى وطاعته.
2 ـ الإيمان باليوم الآخر.
3 ـ الجهاد في سبيل الله.
4 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5 ـ التواضع.
6 ـ العلم الشرعي.
7 ـ العفو عن الناس مع المقدرة.
8 ـ اليقين بأن المستقبل لهذا الدين.
9 ـ الثقة بنصر الله وانتصار الدين.

إن العزة ميراث المؤمن, فليحرص كل مؤمنٍ على ميراثه

من مظاهر عدم الاعتزاز بالاستقامة:
1 ـ الوقوع في المعاصي مع الأقران بدون قناعةٍ.
2 ـ إخفاء الأعمال حياءً مثل: السنن.
3 ـ محاولة تغيير ملامح الاستقامة ( الثوب ـ الشخصية ).
4 ـ الشعور بالحرج عندما يقال: مستقيم.
5 ـ التشبُّه والتقليد ( قصات الشعر ـ المشي ـ الكلام ).
6- عدم إنكار المنكر والأمر بالمعروف والتخوف من ذلك.

أسباب عدم الاعتزاز بالاستقامة: ـ
1 ـ عدم الإخلاص لله عز وجل.
2 ـ الحياء ـ احتقار النفس وعدم الثقة بالنفس ـ ضعف الشخصية.
3 ـ الخوف من النقد.
4 ـ عدم مراقبة الله تعالى.
5 ـ ضعف التربية الإيمانية ـ عدم الاهتمام بالنشأة الأولى ـ ضعف الإيمان ـ عدم استشعار الأجر ـ عدم استشعار فضيلة ذلك.
6 ـ عمل المعاصي.
7 ـ قرناء السوء ـ وجود التثبيط له من قبل أقرانه وذويه ـ وجود الشخص في مجتمعٍ كثير الانحرافات...
8 ـ عدم الصبر ومجاهدة النفس.
9 ـ قلة الكلام والتحدث حول هذا الموضوع.
10ـ عدم وجود القدوة الصالحة ـ عدم معرفة أحوال السلف الصالح في ذلك.
11ـ عدم الاستعانة بالله تعالى.
12 ـ عدم القناعة بالاستقامة ـ عدم الجدية ـ اتخاذ الاستقامة عادةً وليس عبادةً ـ عدم الفهم الصحيح للعزة ـ التقليد الأعمى.
13ـ كثرة النقد والسخرية والاستهزاء ـ المضايقة من قبل المجتمع.
14ـ قلة العلم الشرعي.
15 ـ عدم الإحساس بأنه لا يمثل نفسه بل يمثل غيره من المستقيمين.
16ـ عدم التناصح بين الشباب.
17ـ عدم الفهم أو عدم الإدراك لأبعاد ومعالم الاستقامة.
18ـ الغفلة عن العواقب.

آثار عدم الاعتزاز بالاستقامة:
1 ـ الحيلولة دون العبودية الحقة.
2 ـ فقد ثقة الناس وقلة أو انعدام كسب الأنصار والمؤيدين.
3 ـ القلق والاضطراب النفسي.
4 ـ الحرمان من الأجر والمثوبة بل وتحمل الأوزار.
5 ـ التأثر بكل ما يسمع أو يرى من صور الابتلاء.
6 ـ الحرمان من العون والمَددُ الرباني.
7 ـ سرعة النكوص على الأعقاب.

علاج عدم الاعتزاز بالاستقامة: ـ
1 ـ الاستعانة بالله عز وجل ودعاؤه جل وعلا.
2 ـ الحرص على تجديد الإيمان وتقوية النفس.
3 ـ إدراك أن طريق الاستقامة والفرار إلى الله طريق كله أشواكٌ وصعابٌ.
4 ـ الوقوف على سير وأخبار من عرفوا بدقة وكمال الاستقامة.
5 ـ الإدراك الذهني بل والقلبي لأبعاد ومعالم الاستقامة بحيث يخالط هذا الإدراك الأحاسيس والمشاعر بل والخواطر ويصير سجَّيةً للنفس تفرح وتستريح حين تتمثله في داخلها وفي واقع الحياة وتحزن وتضيق إذا هي قصَّرَت في هذا التمثيل.
6 ـ محاسبة النفس دوماً والوقوف على جوانب الضعف والخلل فيها.
7 ـ المعايشة المستمرة لكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم .
8 ـ التحصين بالعلم الشرعي.
9 ـ عدم الإلتفات إلى المثبطين والمهبطين.
10ـ الفهم الصحيح لما تكون فيه العزة.
11ـ اجتناب قرناء السوء.
12ـ تقوية الشخصية ـ الثقة بالنفس.
13ـ اجتناب المعاصي.
14ـ مجاهدة النفس والصبر.
15 ـ الجدية وعدم الهزل.

أقول ومواقف في العزة:
1 ـ يقول صلى الله عليه وسلم : " لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام " .
2 ـ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " .
3 ـ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً " .
4 ـ يقول الحسن رضي الله عنه : " إنهم وإن هملجت بهم البراذين ... ووطئت أعقابهم الرجال، إن ذُلَّ المعاصي لا يفارق رقابهم يأبى الله إلا أن يذل من عصاه ".
موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يأتينا في كعبتنا ونادينا فيسمعنا ما يؤذينا به فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل, فقال لعقيل ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم : يا عقيل التمس لي ابن عمك فخرج وبحث عنه فلما وجده ذهب به حتى انتهى إلى أبي طالب, فقال له أبو طالب : يا ابن أخي والله ما علمت إن كنت لي لمطيعاً وقد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وناديهم تسمعهم ما تؤذيهم به فإني رأيت أن تكف عنهم. فحلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال: والله ما أنا بأقدر على أن أدع ما بعثت به من أن يشتعل أحدكم من هذه الشمس شعلةً من نارٍ. فقال أبو طالب : والله ما كذب قط ارجعوا راشدين .
موقف أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ مع أبي سفيان قبل إسلامه: دخل أبو سفيان على ابنته أم حبيبة رضي الله عنها فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه, فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤٌ نجسٌ مشركٌ, فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شرٌّ.
موقف سعد بن معاذ  رضي الله عنه  مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لما اشتد على الناس البلاء يوم الأحزاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة ـ المجاذبة ـ فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به أم سيئاً تصنعه لنا ؟ فقال: لا بل شيءٌ أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوسٍ واحدٍ وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما. فقال له سعد بن معاذ  رضي الله عنه  : يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةً واحدةً إلا قرىً أو بيعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ؟ ما لنا بهذا حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت وذاك فتناول سعد بن معاذ  رضي الله عنه  الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال  رضي الله عنه  : ليجهدوا علينا .
موقف إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عندما قذف الله الإسلام في قلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ سيفه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فإذا هو عمر متوشحٌ بالسيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال : يارسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف, فقال حمزة رضي الله عنه : فأذن له فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أذن له ", فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جذبه جذبةً شديدةً, فقال صلى الله عليه وسلم : " ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعةً ", قال عمر: يارسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله ! قال: " فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرةً. فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عَزُّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم. وروى مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه :لأي شيء سميت الفاروق ؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ـ ثم قصَّ عليه قصة إسلامه وقال في آخره ـ قلت ـ: أي حين أسلمت يا رسول الله: ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال: بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم, قال: قلت: ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن. فأخرجنا في صفين حمزة رضي الله عنه في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال: فنظرت إليَّ قريشٌ وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها. سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ.
موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي عبيدة رضي الله عنه : عن طارق بن شهاب قال : خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعنا أبو عبيدة فأتوا على مخاضةٍ, وعمر على ناقته فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة . فقال أبو عبيدة رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا ؟ تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك . فقال عمر رضي الله عنه : أوَّه ! لو قال ذا غيرك أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم . إنّا كنّا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
موقف سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه  مع أمه: لمَّا أسلم سعدٌ  رضي الله عنه  وعلمت أمه بخبر إسلامه ثارت ثائرتها وأقبلت عليه تقول : يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزناً عليَّ ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس بها أبدَ الدهر. فقال لها سعدٌ  رضي الله عنه  : لا تفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيءٍ ، لكنها مضت في وعيدها فاجتنبت الطعام والشراب ومكثت أياماً على ذلك لا تأكل ولا تشرب فهزل جسمها ووهن عظمها وخارت قواها ، فجعل سعد  رضي الله عنه  يأتيها ساعةً بعد ساعةٍ ويسألها أن تتبلع شيئاً من الطعام أو قليلاً من الشراب فتأبى ذلك أشد الإباء, وتُقسم ألا تأكل أو تشرب حتى تموت أو يودِّع سعدٌ  رضي الله عنه  دينه ، فقال سعد  رضي الله عنه  : يا أماه إني على شديد حبِّي لك لأشدُّ حبّاً لله ورسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفساً بعد نفسٍ ما تركت ديني هذا لشيءٍ ، فلما رأت الجدَّ من سعدٍ  رضي الله عنه  أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كرهٍ منها .
موقف علي بن أبي طالب  رضي الله عنه  مع عمرو بن عبد ود: لمَّا كان يوم الخندق خرج عمرو بن عبد ود فنادى: من يبارز ؟ فقام علي بن أبي طالب  رضي الله عنه  فقال : أنا لها يا نبي الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه عمرو اجلس, ثم نادى عمرو : ألا رجلٌ يبرز ؟ فجعل يؤنبهم ويقول : أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ؟ أفلا تُبرزون إليَّ رجلاً ؟ فقام علي  رضي الله عنه  فقال : أنا يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : اجلس, ثم نادى الثالثة وأنشد أبياتاً من الشعر ، فقام علي  رضي الله عنه  فقال : يا رسول الله أنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه عمرو, فقال  رضي الله عنه  : وإن كان عمراً, فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليه حتى أتاه وهو يردد أبياتاً من الشعر, فقال له عمرو : من أنت ؟ فقال: أنا علي, فقال عمرو : ابن عبد مناف .فقال علي  رضي الله عنه  : أنا علي بن أبي طالب ، فقال عمرو : يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فإني أكره أن أهريق دمك ؟ فقال له علي  رضي الله عنه  : لكني والله لا أكره أن أهريق دمك ! فغضب فنزل وسلَّ سيفه كأنه شعلة نارٍ ثم أقبل نحو عليٍ مغضباً واستقبله علي بدرقته فضربه عمرو في درقته فقدَّها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه, وضربه عليٌ  رضي الله عنه  فقتله.
موقف حبيب بن زيدٍ رضي الله عنه مع مسيلمة الكذاب: أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب برسالة يزجره فيها عن غيِّه فلما وصل حبيب رضي الله عنه إلى مسيلمة ودفع الرسالة إليه فلما قرأها مسيلمة انتفخ صدره ضغينةً وحقداً وبدا الشر والغدر على قسمات وجهه الدميم الأصفر, وأمر بحبيبٍ رضي الله عنه أن يقيد وأن يؤتى به إليه ضحى اليوم التالي. فلما كان الغد تصدر مسيلمة مجلسه وجعل عن يمينه وعن شماله الطواغيت من كبار أتباعه وأذن للعامة بالدخول عليه ثم أمر بحبيبٍ رضي الله عنه فجيء به إليه وهو في قيوده. وقف حبيب رضي الله عنه وسط هذه الجموع الحاشدة الحاقدة مشدود القامة مرفوع الهامة شامخ الأنف وأحكموا تقويمه، فالتفت إليه مسيلمة وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فقال حبيب رضي الله عنه : نعم أشهد أن محمد رسول الله فاغتاظ مسيلمة غيظاً, وقال : وتشهد أني رسول الله ؟ فقال حبيب رضي الله عنه في سخريةٍ لاذعة : إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول . فامتقع وجه مسيلمة وارتجفت شفتاه حنقاً, وقال لجلاده: اقطع قطعةً من جسده،فأهوى الجلاد على حبيب رضي الله عنه بسيفه وبتر قطعةً من جسده فتدحرجت على الأرض ، ثم أعاد مسيلمة عليه السؤال نفسه فكان جواب حبيب رضي الله عنه نفس الجواب ، فأمر بأن تقطع من جسده قطعةً أخرى فقطعت فتدحرجت على الأرض إلى جانب أختها والناس شاخصون بأبصارهم مذهولون من تصميمه وعناده . ومضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع وحبيب رضي الله عنه يقول: أشهد أن محمداً رسول الله حتى صار نحو من نصفه قطعاً مقطعةً منثورةً على الأرض ونصفه الآخر كتلةً تتكلم, ثم فاضت روحه وعلى شفتيه الطاهرتين اسم النبي الذي بايعه ليلة العقبة .
موقف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي: قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي في قصته الطويلة عندما هاجر الصحابة إلى الحبشة وجاء نفرٌ من قريشٍ في طلبهم حتى يردهم النجاشي إليهم: " لا نسجد إلا لله ".
موقف أسامة بن زيد  رضي الله عنه مع حكيم بن حزام رضي الله عنه  : عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب رجلٍ من الناس إليَّ في الجاهلية فلما نبئ صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المدينة شهد حكيم الموسم وهو كافر فوجد حُلَّةً لذي يزن تباع فاشتراها ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى . فقال صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نقبل من المشركين شيئاً ولكن إن شئت أخذتها منك بالثمن " فأعطيته إياها حين أبى علي الهدية بالثمن فلبسها فرأيتها عليه على المنبر, فلم أر شيئاً أحسن منه يومئذ, ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيمٌ على أسامة رضي الله عنه فقال : يا أسامة أنت تلبس حلة ذي يزن ؟ فقال أسامة رضي الله عنه : نعم والله لأنا خيرٌ من ذي يزن ولأبي خير من أبيه . قال حكيم رضي الله عنه : فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة رضي الله عنه .
موقف بلال بن رباحٍ رضي الله عنه مع أُميَّة بن خلف: لما علم أمية بأن بلالاً أسلم وتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وصار يُسفِّه الأصنام وبخاصة هُبل اشتد غضبه وغلى قلبه بنار الحقد والكراهية, وأسرع يسأل بلالاً عن ذلك فأجابه دون تردداً أو خوفاً: نعم، وبدأت رحلة العذاب مع بلال وراح سيده أمية يذيقه من العذاب ألواناً ليصده عن دينه ولكن بلالاً كان يرد عليه ويقول: أحدٌ أحد, حتى أعتقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
إن أول من أظهر إسلامه سبعة. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر رضي الله عنه فمنعه الله تعالى بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس فما من أحدٍ إلا قد آتاهم كل ما أرادوا غير بلال رضي الله عنه فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وجعل يقول : أحدٌ أحد.
موقف عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه عندما جهر بالقرآن: اجتمع يوماً أصحاب رسول الله في مكة وكانوا قلةٍ مستضعفين فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجلٌ يسمعهم إياه ؟ فقال عبدالله بن مسعود  رضي الله عنه  : أنا أُسمعهم إياه . فقالوا: إنَّا نخشاهم عليك إنما نريد رجلاً له عشيرة تحميه وتمنعه منهم إذا أرادوه بشرٍ, فقال: دعوني فإن الله سيمنعني ويحميني، ثم غدا إلى المسجد حتى أتى مقام إبرهيم في الضحى وقريش جلوس حول الكعبة فوقف عند المقام وقرأ: " الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ " ومضى يقرأها فتأملته قريش وقالت: ماذا قال ابن أم عبد ؟ تباً له إنما يتلو بعض ما جاء به محمد وقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ, ثم انصرف إلى أصحابه والدم يسيل منه, فقالوا له: هذا الذي خشيناه, فقال: والله ما كان أعداء الله أهون في عيني منهم الآن وإن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً, قالوا: لا حسبك, لقد أسمعتهم ما يكرهون.
موقف خبيب بن عدي  رضي الله عنه وقصة قتله : روى البخاري عن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال:" بعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عشرةً عيناً وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري  رضي الله عنه  جَدُّ عاصم بن عمر بن الخطاب حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذُكروا لحيٍّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريبٍ من مئةٍ رجلٍ رامٍ فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه فقالوا تمر يثرب, فاتبعوا آثارهم, فلما حس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع فأحاط بهم القوم, فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً, فقال عاصم بن ثابت  رضي الله عنه  :أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافرٍ, ثم قال: اللهم أخبر عنَّا نبيك  صلى الله عليه وسلم  ,فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً ونزل إليهم ثلاثة نفرٍ على العهد والميثاق, منهم خبيبٌ وزيد بن الدثَنَة ورجلٍ آخر y فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قُسيِّهم فربطوهم بها, قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة, ـ يريد القتلىـ فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم, فانطلقوا بخبيبٍ وزيد بن الدثنة y حتى باعوهما بعد وقعة بدرٍ, فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً  رضي الله عنه  وكان خبيبٌ  رضي الله عنه  قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب  رضي الله عنه  عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها, فأعارته فدرج ابنٌ لها وهي غافلةٌ حتى أتاه فوجدته جالسٌ على فخذه والموسى بيده, قالت: ففزعت فزعةً عرفها خبيب  رضي الله عنه , فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك, قالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب  رضي الله عنه , والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنبٍ في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرةٍ, وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً  رضي الله عنه , فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب  رضي الله عنه : دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين, فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت, ثم قال: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً ..... على أي جنبٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ ..... يبارك على أوصـال شلوٍ مـمزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله وكان خبيبٌ  رضي الله عنه  هو أول من سنَّ لكل مسلمٍ قتل صبراً الصلاة. وأخبر ينعى النبي  صلى الله عليه وسلم  أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبُعث ناسٌ من قريشٍ إلى عاصم بن ثابت  رضي الله عنه  حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيءٍ منه يُعرف, وكان قتل رجلاً عظيماً من عظمائهم, فبعث الله لعاصم  رضي الله عنه  مثل الظُلَّة من الدَّبرِ فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا ".
موقف حرام بن ملحان رضي الله عنه مع الذين قتلوه: يقول أنس رضي الله عنه : لما طعن خالي حرام بن ملحان رضي الله عنه يوم بئر معونةٍ, قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه, وقال : فزت ورب الكعبة. و عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر سبعين من الأنصار كانوا إذا جنهم الليل آووا إلى مَعلمٍ بالمدينة فيبيتون يدرسون القرآن فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوةٌ أصاب من الحطب واستعذب من الماء ومن كانت عنده سِعة أصابوا الشاة فأصلحوها فكانت تصبح معلقة بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما أصيب خبيباً رضي الله عنه بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم خالي حرام رضي الله عنه وأتوا حياً من بني سليم, فقال حرام رضي الله عنه لأميرهم : ألا أخبر هؤلاء أنا لسنا إياهم نريد فيخلوا وجوهنا, قال : فأتاهم, فقال لهم : ذاك فاستقبله رجلٌ منهم برمح فأنفذه به فلما وجد حرام رضي الله عنه مسَّ الرمح في جوفه قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة, فأبطأوا عليهم فما بقي منهم مخبر فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سريةٍ وجده عليهم, قال أنس رضي الله عنه : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم فلما كان بعد ذلك أتاه أبو طلحة رضي الله عنه فقال لي : هل لك في قاتل حرام رضي الله عنه ,قلت : ماله فعل الله به وفعل, فقال أبو طلحة رضي الله عنه : لا تفعل فقد أسلم .
موقف ربعيُّ بن عامر رضي الله عنه مع رستم :
بعث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ربعيُّ بن عامرٍ رضي الله عنه إلى رستم فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي و الحرير وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سريرٍ من ذهبٍ، ودخل ربعيٌّ رضي الله عنه بثيابٍ سخيفةٍ رثةٍ وسيفٍ وُترسٍ وفرسٍ قصيرٍ ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه, فقالوا له: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلارجعت, فقال رستم: ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها, فقالوا له: ما جاء بكم ؟, فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله, ومن ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جَورِ الأديان إلى عدل الإسلام, فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه, فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله ؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟, قال : نعم, كم أحبُّ إليكم يوماً أو يومين ؟, قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال ربعي رضي الله عنه : ما سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدةً من ثلاثٍ بعد الأجل ، فقال رستم: أسيدهم أنت ؟ قال: لا ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم فاجتمع رستم برؤساء قومه, فقال:هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟.
موقف هارون الرشيد ـ رحمه الله ـ مع نقفور:
لما نقض الروم الصلح مع المسلمين وعزلوا ملكتهم وملكوا عليهم نقفور الذي كتب إلى هارون يطلبه برد ما دفعته إليه الملكة السابقة من أموال: وافدِ نفسك به و إلا فالسيف بيننا وبينك. فغضب هارون غضباً شديداً وكتب على ظهر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما ترى لا ما تسمعه.
موقف عبدالله بن حذافة رضي الله عنه مع قيصر:
أمر قيصر رجاله إذا ظفروا بأسيرٍ من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه وأن يأتوا به حياً وشاء الله أن يقع عبدالله بن حذافة رضي الله عنه أسيراً في أيدي الروم فحملوه إلى ملكهم, وقالوا: إن هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه قد وقع أسيراً في أيدينا فأتيناك به، نظر ملك الروم إلى عبدالله بن حذافة رضي الله عنه طويلاً ثم بادره قائلاً: أني أعرض عليك أمراً، قال عبدالله : وما هو ؟ فقال قيصر: أعرض عليك النصرانية فإن فعلت خليت سبيلك وأكرمت مثواك. فقال عبدالله في أَنَفَةٍ وحزمٍ: هيهات إن الموت لأحب إليَّ ألف مرةٍ مما تدعوني إليه. فقال قيصر: إني لأراك رجلاً شهماً فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري وقاسمتك سلطاني. فتبسم الأسير المكبل بقيوده, وقال: والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عينٍ ما فعلت.قال قيصر: إذن أقتلك. قال عبدالله: أنت وما تريد ثم أمر به فصلب, وقال لقناصته: ارموا قريباً من يديه وهو يعرض عليه النصرانية فأبى. فقال قيصر: ارموه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى. عند ذلك أمرهم أن يكفوا عنه وطلب أن ينزلوه عن خشبة الصلب ثم دعا بقدرٍ عظيمةٍ فصُبَّ فيها الزيت ورفعت على النار حتى غلت ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين فأمر بأحدهما أن يُلقى فيها فألقي فإذا لحمه يتفتت وإذا عظامه تبدوا عاريةً ثم التفت إلى عبدالله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية فكان أشد إباءً لها من قبل. فلما يئس منه أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحباه فلما ذهب به دمعت عيناه, فقال رجال قيصر لملكهم: إنه بكى فظن أنه جزع, وقال: ردوه إليَّ. فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها. فقال قيصر: ويحك فما الذي أبكاك إذن ؟ فقال عبدالله: أبكاني أني قلت في نفسي تُلقى الآن في هذا القدر فتذهب نفسك وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله. فقال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟ فقال له عبدالله: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً ؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً. قال عبدالله:فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبل رأسه فيخلي سبيلي وسبيل المسلمين لا ضير في ذلك عليَّ ثم دنا وقبل رأسه فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين وأن يدفعوهم إليه فدُفِعوا له.
موقف المعتصم ـ رحمه الله ـ مع ملك الروم: كتب ملك الروم إلى المعتصم كتاباً يتهدده فيه فأمر بجوابه, فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه, قال للكاتب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم, أما بعد: فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.
موقف طاوس بن كيسان- رحمه الله- مع هشام بن عبد الملك:ذكر ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ج2/ص510,قال:" وحكي أن هشام بن عبد الملك قدم حاجا إلى بيت الله الحرام فلما دخل الحرم قال إيتوني برجل من الصحابة فقيل يا أمير المؤمنين قد تفانوا قال فمن التابعين فأتي بطاوس اليماني فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم بإمرة المؤمنين ولم يكنه وجلس إلى جانبه بغير إذنه وقال كيف أنت يا هشام فغضب من ذلك غضبا شديدا حتى هم بقتله فقيل يا أمير المؤمنين أنت في حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يمكن ذلك فقال له يا طاوس ما حملك على ما صنعت قال وما صنعت فاشتد غضبه له وغيظه وقال خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بإزائي بغير إذني وقلت يا هشام كيف أنت قال أما خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي وأما ما قلت لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك فخفت أن أكون كاذبا وأما ما قلت لم تكنني فإن الله عز وجل سمى أنبياءه قال يا داود يا يحيى يا عيسى وكنى أعداءه فقال تبت يدا أبي لهب وتب وأما قولك جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام فقال له عظني قال إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وخرج".
موقف حماد بن سلمةٍ ـ رحمه الله ـ مع محمد بن سليمان: عن مقاتل بن صالح الخرساني قال: دخلت على حماد بن سلمة فإذا ليس في البيت إلا حصيرٌ وهو جالسٌ عليه ومصحفٌ يقرأ فيه وجرابٌ فيه علمه ومطهرةٌ يتوضأ منها فبينما أنا عنده جالسٌ إذا دقَّ الباب. فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا. فقالت: رسول محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل. فدخل فناوله كتاباً, فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة أما بعد: فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته, وقعت مسألة فأتينا نسألك عنها والسلام. قال: يا صبية هلمي الدواة, ثم قال لي: اقلب الكتاب واكتب أما بعد: وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً فإن كانت وقعت مسألة فأتنا واسألنا عما بدا لك وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك، وأنصح نفسي والسلام. فبينما أنا عنده دق داق الباب. فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا ؟ فقالت: محمد بن سليمان. قال: قولي له ليدخل وحده. فدخل فسلم ثم جلس بين يديه. فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً ؟ فقال حماد: سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله عز وجل هابه كل شيء وإذا أراد أن يكتنز به الكنوز هاب من كل شيءٍ". فقال: أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه. قال: ارددها على من ظلمته بها. قال: والله ما أعطيتك إلا ما ورثته. قال: لا حاجة لي فيها ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. قال: فتقسمها. قال: فلعلي إن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها: لم يعدل. ازوها عني زوى الله عنك أوزارك.
موقف طاووس ـ رحمه الله ـ مع هشام بن عبدالملك: قدم هشام بن عبدالملك حاجاً إلى مكة فلما دخلها, قال: ائتوني برجلٍ من الصحابة. فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا. قال: فمن التابعين. فأتوه بطاووس اليماني. فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم بإمرة أمير المؤمنين, ولكن قال: السلام عليك ولم يكنه ولكن جلس بإزائه وقال: كيف أنت يا هشام ؟ فغضب هشام غضباً شديداً حتى همَّ بقتله. فقيل له: أنت في حرم الله ورسوله فلا يمكن ذلك. فقيل له: يا طاووس ما الذي حملك على ما صنعت ؟ قال: وما الذي صنعت ؟ فازداد هشام غضباً, وقال: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تُقبِّل يدي ولم تسلم لإمرة أمير المؤمنين ولم تُكنِّني وجلست بإزائي بغير إذنٍ, وقلت: كيف أنت يا هشام ؟ فقال: أما ما خلعت نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب عليَّ. وأما قولك: لم تقبل يدي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده برحمة " . وأما قولك: لم تسلم بإمرة أمير المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب. وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " إذا أردت أن تنظر إلى رجلٍ من أهل النار فانظر إلى رجلٍ جالسٍ وحوله ناسٌ قيامٌ" . وأما قولك : لم تكنني فإن الله عز وجل سمى أولياءه, وقال: يا داود ويا يحيى ويا عيسى وكنى أعداءه فقال : " تبت يدا أبي لهب " . فقال هشام : عظني . فقال : سمعت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه يقول : " إن في جهنم حيَّاتٍ كأمثال القلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أميرٍ لا يعدل في رعيته " ثم قام وذهب .
موقف محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب ـ رحمه الله ـ مع المهدي: قال أبو العيناء: لما حجَّ المهدي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق أحدٌ إلا قام إلا ابن أبي ذئبٍ. فقال له المسيب بن زهير: قم هذا أمير المؤمنين. فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين . فقال المهدي : دعه فلقد قامت كل شعرةٍ في رأسي .
موقف سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب ـ رحمه الله ـ مع هشام بن عبدالملك : قال ابن عيينة دخل هشام الكعبة فإذا هو بسالم بن عبدالله فقال : سلني حاجةً . قال: إني استحيي من الله أن أسأل في بيته غيره. فلما خرجا، قال: الآن فسلني حاجةً. قال له سالم:من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ قال: من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها فكيف اسألها من لا يملكها.
موقف مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ مع هارون الرشيد: قال مالك بن أنسٍ ـ رحمه الله ـ: وجَّه إليَّ هارون الرشيد فسألني أن أُحدِّثه. فقلت: يا أمير المؤمنين إن العلم يؤتى ولا يأتي فصار إلى منزلي فاستند معي في الجدار. فقلت له: يا أمير المؤمنين إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم. قال: فقام فجلس بين يديّ. فقال لي بعد مدة: يا أبا عبدالله تواضعنا لعلمك فانتفعنا به, وتواضع لنا علم سفيان بن عيينة فلم ننتفع به. وكان سفيان يأتيهم إلى بيوتهم فيأخذ دراهم.
موقف سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ مع عبدالملك بن مروان: عن ميمون بن مهرانٍ قال: قدم عبدالملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة واستيقظ, فقال لحاجبه: انظر هل في المسجد أحدٌ من حُدَّاثنا ؟ فخرج, فإذا سعيد بن المسيب في حلقته, فقام حيث ينظر إليه ثم غمزه وأشار بإصبعه, ثم ولى فلم يتحرك سعيد, فقال: لا أراه فطن فجاء ودنا منه ثم غمزه, وقال: ألم ترني أُشير إليك ؟ قال : وما حاجتك ؟ قال: أجب أمير المؤمنين. فقال: إليَّ أرسلك ؟ قال: لا, ولكن قال: انظر بعض حدَّاثنا فلم أرَ أحداً أهيأ منك. قال: اذهب فأعلمه أني لست من حُدَّاثه فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى الشيخ إلا مجنوناً وذهب فأخبر عبدالملك . فقال: ذاك سعيد بن المسيب فدعه. فلله دَرُّهُ من إمامٍ في عزة نفسه وصدعه بالحق.
موقف الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ مع أمير بخارى: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل البخاري: أن احمل إليَّ كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: قل له: إني لا أُذِّلُ العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين فإن كانت له حاجةٌ إلى شيءٍ منه فليحضرني في مسجدي أو في داري, فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطانٌ فامنعني من المجلس ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة: أني لا أكتم العلم فكانت سبب الوحشة بينهما.
موقف الشيخ عبدالحميد الجزائري ـ رحمه الله ـ مع المندوب السامي: استدعى المندوب السامي الفرنسي ـ في سوريا ـ الشيخ عبدالحميد الجزائري وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت جنوداً لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السموم ضدنا وإخماد أصواتك المنكرة. فأجاب الشيخ عبدالحميد: أيها الحاكم إنك لا تستطيع ذلك. واستشاط الحاكم غضباً, كيف لا أستطيع ؟ قال الشيخ: إذا كنت في عُرسٍ هنأت وعلمت المحتفلين, وإذا كنت في مأتمٍ وعظت المعزين, وإن جلست في قطارٍ علَّمتُ المسافرين, وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين, وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين, وخيرٌ لك أيها الحاكم ألا تتعرض للأمة في دينها ولغتها.
موقف العز بن عبدالسلام ـ رحمه الله ـ مع رسول السلطان: عندما قال له رسول السلطان بينك وبين أن تعود لمناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتُقبِّل يده لا غير, قال: " والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلاً أن أقبل يده ، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به " .
موقف الشيخ حسن العدوي ـ رحمه الله ـ مع السلطان العثماني: عندما زار السلطان العثماني عبدالعزيز مصر في عهد إسماعيل باشا كان إسماعيل حفيّاً بالزيارة لأنها كانت جزءاً من برنامجه للحصول على لقب [خديوي] مع عدة امتيازاتٍ في نظام الحكم بمصر, وكان من برنامج الزيارة أن يستقبل الخليفة العلماء في السَّراي ولكن كانت للمقابلة السنية تقاليد منها أن ينحني الداخل إلى الأرض وغير ذلك من التقاليد السخيفة المنافية لروح الإسلام فقد كان حتماً على رجال السَّراي أن يدربوا العلماء على طريقة المقابلة عدة أيام كي لا يخطئوا في حضرة السلطان . وعندما حان الموعد دخل السادة العلماء, فنسوا دينهم واشتروا به دنياهم وانحنوا أمام مخلوق مثلهم تلك الانحناءات وخرجوا موجهين وجوههم إلى الخليفة كما أمرهم رجال التشريفات, إلا عالماً واحداً هو الشيخ حسن العدوي ذكر دينه ونسي دنياه واستحضر في قلبه أن لا عزة إلا لله ودخل مرفوع الرأس كما ينبغي أن يدخل الرجال الأحرار وواجه الخليفة بتحية الإسلام : السلام عليكم يا أمير المؤمنين وابتدره بالنصيحة التي ينبغي أن يتلقى بها العالم الحاكم دعاه إلى تقوى الله والخوف من عذابه والعدل والرحمة بين رعاياه فلما انتهى سلم وخرج مرفوع الرأس وأُسقِطَ في يد الخديوي ورجال السَّراي وظنوا أن الأمر كله قد انقلب عليهم وأن السلطان لابُدَ غاضبٌ, فضائعةٌ تلك الجهود التي بذلوا والآمال التي نسجوا, ولكن كلمة الحق المؤمنة لا تذهب سدى فلابد أن تصدع القلوب قوية حارة كما نبعت من مكمنها قوية حارة وهكذا كان . فقال السلطان: ليس عندكم إلا هذا العالم وخلع عليه دون سواه.
موقف أحد علماء الأزهر مع السلطان عبدالعزيز: لما قدم السلطان عبدالعزيز مصر زار الجامع الأزهر وصحبه الخديوي إسماعيل فلحظ الخديوي على شيخٍ بالجامع كأنه غير مهتمٍ, فهو مسندٌ ظهره مادُّ رجله فأسرع بالسلطان عنه, ثم كلَّفَ أحد رجاله ـ وقد أراه الشيخ ـ أن يذهب له بصُرَّةٍ يريد أن يعرف حاله, فلما جاء الرسول ليعطيه قبض الشيخ عنه يده, وقال له: قل لمن أرسلك: إن الذي يَمُدُّ رجله لا يمد يده.
موقف الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي ـ رحمه الله ـ مع خورشيد: جيء بالشيخ المجاهد سعيد النورسي ليمثل أمام خورشيد باشا فسأله خورشيد وهو ينظر إلى الأجساد التي تتأرجح في الهواء: وهل أنت تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يا شيخ سعيد ؟ فأجابه ـ وهو ينظر إلى أجساد إخوانه الذين أكرمهم الله بالشهادة ـ: اعلم يا خورشيد أنه لو كان لي ألف روحٍ لما ترددت أن أجعلها كلها فداءاً لحقيقةٍ واحدةٍ من حقائق الإسلام, واسمع مني جيداً يا خورشيد إنني لا أخشى حكمكم بإعدامي فقد هيأت نفسي بشوقٍ عظيمٍ للذهاب إلى الآخرة لألحق بإخواني الذين سبقوني إلى أعواد المشانق لينالوا الشهادة في سبيل الله . واكتفى الطغاة بسجنه ومضى في قيادة مسيرة الحركة الإسلامية الممتحنة في تلك الأيام العصيبة.
موقف الغلام المؤمن ـ صاحب قصة الأخدود ـ: عن صهيب  رضي الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: كان ملكٌ فيمن كان قبلكم وكان له ساحرٌ، فلما كبر، قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهبٌ فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه, فإذا أتى الساحر ضربه فشكى ذلك إلى الراهب, فقال:إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبست الناس, فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل. فأخذ حجراً, فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبُّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس. فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره, فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص ويداوى الناس من سائر الأدواء فسمع جليسٌ للملك كان قد عُمي فأتاه بهدايا كثيرة, فقال: ما ها هنا لك أجمع. إن أنت شفيتني, فقال: أني لا أشفى أحداً إنما يشفى الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس, فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك قال: ربي, قال: ولك رب غيري, قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام فجيء بالغلام, فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل, فقال: أني لا أشفى أحداً إنما يشفى الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب, فجيء بالراهب, فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه. ثم جيء بجليس الملك, فقيل له: ارجع عن دينك فأبى. فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه, ثم جيء بالغلام, فقيل له: ارجع عن دينك فأبى. فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه, فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا, وجاء يمشى إلى الملك, فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟, قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه, فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به, فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا, وجاء يمشى إلى الملك, فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟, قال : كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟, قال: تجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ وتصلبني على جذعٍ ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس, ثم قل: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ وصلبه على جذعٍ ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس, ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام, آمنا برب الغلام, آمنا برب الغلام. فأُتىَ الملك, فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر, قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس. فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدَّت وأَضرمَ النيران, وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها, أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبيٌ لها فتقاعست أن تقع فيها, فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق .
موقف السحرة مع فرعون: كان اللقاء بين موسى عليه السلام والسحرة لبيانِ من الصادق ومن الكاذب, فبدأ السحرة فألقوا ما عندهم من سحرٍ فسحروا به أعين الناس واسترهبوهم, فألقى موسى عليه السلام عصاه فإذا هو حيةٌ تسعى تلقف ما يأفكون, فخرَّ السحرة سجداً لله فلم يرضي فرعون ذلك فهددهم وخوفهم ولكن لم يضرهم هذا التهديد والتخويف بل ثبتوا على الإيمان وصمدوا على ذلك حتى قتلهم فرعون, كما قال تعالى: " قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ".
موقف الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في فتنته: لما قيل بخلق القرآن, كان للإمام أحمد ـ رحمه الله ـ موقفاً مشهوداً ألا وهو نفي هذه الشبهة, والقول بأن القرآن منزلٌ وليس مخلوق. ومن أجل ذلك أُذِيَ وسجن وعُذِّبَ فصبر وثبت على قوله. حتى أعزه الله وخرج من السجن معززاً مكرماً مرفوع الرأس .
موقف يعقوب بن يوسف الموحدي مع الأذفونش الإفرنجي: كان يعقوب بينه وبين الأذفونش صاحب غرب جزيرة الأندلس هدنة ثم انقضت وذلك عام ( 590هـ ) وضعفت حال المسلمين بالأندلس فكتب الأذفونش رسالةًَ إلى الأمير يعقوب يتهدده ويتوعده ويطلب بعض الحصون ، فلما وصل كتابه إلى يعقوب مزَّقه, وكتب على ظهر قطعةٍ منه : " ارجع إليهم فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرين، الجواب ما ترى لا ما تسمع". ثم أمر بالاستنفار واستدعى الجيوش وجمع العساكر ثم سار حتى دخل بلاد الإفرنج وقد تأهبوا لقتاله فكسرهم كسرةً شنيعةً. وذلك سنة ( 592هـ ).
موقف المهندس المصري مع الضابط الفرنسي في قناة السويس: طلب الضابط الفرنسي إحضار أحد المهندسين لعملٍ ما كان في بيته, فأُحضر له المهندس المصري وكان من جماعة الإخوان, فلما حضر عنده وسأل عن العمل أخبره الضابط بنوع العمل المطلوب, وقال له الضابط:بكم القيمة, فلما رأى المهندس المطلوب, قال له: قيمة العمل كذا من المال, فقال الضابط في غضبٍ شديدٍ: أنت حرامي وغشاش, فقال المهندس: أنا لست حرامي ولا غشاش أنا مسلم, فقال: بل حرامي وغشاش, فقال له المهندس: أحضر من شئت من المهندسين واسأله عن قيمة العمل المطلوب فإن كان أقل أو مثل ما طلبت فسوف أقوم بالعمل بلا مقابل، فطلب إحضار مهندسٍ آخر فلما جاء وأخبره بالعمل, فقال المهندس: قيمة العمل كذا من المال. وكان أكثر من المهندس الأول بكثير, فرجع الضابط إلى المهندس الأول وطلب منه العمل بما طلب, فرفض المهندس حتى يعتذر منه عن غلطه فرفض الضابط الاعتذار وأمره بالقيام بالعمل وإلا سيعاقبه, فرفض المهندس حتى يعتذر منه, فلما رأى الضابط إصرار المهندس اعتذر منه, ثم قام المهندس وأنهى العمل فأعطى الضابط المهندس القيمة وزيادة. فقال المهندس: ما هذه الزيادة؟, فقال الضابط: البقشيش. فقال المهندس:لا أخذ البقشيش, ورده عليه. فتعجب الضابط من ذلك الموقف .
موقف ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مع أعدائه: عندما ضيقوا عليه, قال: " ما يفعل أعدائي بي, أنا جنتي في صدري, سجني خلوة, ونفيي سياحة, وقتلي شهادة ".
موقف سيد قطب ـ رحمه الله ـ مع الطغاة: عندما طلب منه الطغاة أن يكتب استرحاماً فيعفون عنه بل يضعونه في أعلى المناصب, قال:" إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة, يأبى أن ينحني فيخط كلمةً يسترضي بها طاغية ".

• هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين.

يقول الصاحب بن عباد شذرات الذهب ج3/ص56-57 :

إذا نحن سلمنا لك العلم كله *** فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها
أرى الناس من داناهم هان عندهم  *** ومن أكرمته عزة النفس إكرما
وما كل برق لاح لي يستفزني *** ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت *** أقلب كفي أثره متندما
ولم أقض حق العلم أن كان كلم *** بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى *** ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقي به غرسا وأجنيه ذلة *** إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه وصانهم *** ولو عظموه في النفوس تعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسو *** محياه بالأطماع حتى تجهما


.: مراجع استُفيد منها :.
 الهزيمة النفسية عند المسلمين. د. عبد الله الخاطر ـ رحمه الله ـ
 جلسة مع ملتزم. العنــزي
 ( ) سبباً للانهزامية. خالد الصقعبي
 كلماتٌ في الالتزام. عادل العبد العالي
 كتيّب: مشكلات في الحقل الدعوي. عبد الحميد البلالي
 كتيّب: العزة. محمد الهبدان
 شريط: العزة. د.سعد البريك
 شريط: العزة. سعد الغنّام
 شريط: العزة. د.طارق السويدان
 المواقف من بعض الكتب في السير وغيرها.

 

 الجار الله
  • المذكرات التربوية التوجيهية
  • رسائل ومقالات
  • بحوث علمية
  • مواضيع عقدية
  • الصفحة الرئيسية