سلسلة الغنائم (الصلاة)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله المنزه في علاه،لامنقذ للهلكى سواه،ولامعين للمحتاجين عداه،أحمده سبحانه على كل ما أعطاه،وأشكره على كل ما أسداه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له جعل طريق الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة يبدأ من الصلاة،وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه ومجتباه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والآه.أمابعد:فأوصيكم معاشر من أمن بالله واليوم والآخر بسبب النجاة من نار تلظى في يوم القيامة الرهيب تقوى الله قال الله فيها:{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا(71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}(1).

أيها الأحبة في الله هل أدلكم على تجارة رابحة ، لاتتطرق إليها الخسارة بحال من الأحوال ؟. إنها الصلاة نعم إنها الصلاة التي بها يسعد العبد والله في دنياه وأخراه؛فهي علاج لأمراض النفس علاج للهلع وما يترتب عليه من الجزع حال المصيبة والبخل حال الغنى أخبر عن ذلك الله جل جلاله بقوله : {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23)وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }(2).الصلاة سبب للراحة والطمأنينة النفسية فهذا رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يخاطب مؤذنه فيقول :((يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا))(3).الصلاة من أكبر الأسباب المعينة على مواجهة المصائب والبلايا فقد أوصانا ربنا جل في علاه بأن نمزج الصبر بالصلاة فقال:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }(4).
كيف لا وأنت تناجي قيوم السموات والأرض في كل ركعة فتقول : إياك نعبد وإياك نستعين فيجيبك الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل،الصلاة بها السجود وهو أرجى مواطن الإجابة والذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((..وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ))(11)؛ فهذا نبي الله زكريا أتته البشرى بالغلام وهو قائم يصلي في المحراب.الصلاة تهذب سلوكك وأخلاقك أخبر عن ذلك الذي صنعك وصورك سبحانه وبحمده بقوله : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(9).
فبالصلاة تزكو نفسك ويصلح أمرك كيف لا وأنت تعرض على الذي صنعك وخلقك في اليوم خمس مرات،الصلاة سبب للحفاظ على مفاصلك سليمة من الأذى والألم أخبر الصادق المصدوق عن ذلك بقوله : ((يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى))(10).
فأين نحن من صلاة الضحى؟.الصلاة تقيك من الخرف حال الكبر كما يقول أهل الطب لأن السجود الطويل والمتعدد يزود الدماغ بكميات أكبر من الدم مما يحافظ على صحة خلايا الدماغ، وانظر للفارق بين كبار السن من أهل العلم والصلاح وغيرهم،الصلاة سبب لتكفير الذنوب والخطايا واسمعوا لهذا المثل من أطهر فم تحدث على وجه الأرض حيث قال صلى الله عليه وسلم :((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا))(6).وقال عليه الصلاة والسلام:((الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ))(7).فالله أكبر ما أرحم الله بنا وما أحوجنا إلى الصلاة فكم والله من الذنوب والخطايا نرتكبها بين كل صلاة وصلاة فأكرمنا الله بهذه الصلاة، وقد يقول قائل:ماذا لو أذنبت وأخشى أن أموت قبل أن يدركني وقت الصلاة الثانية فأقول له هاك بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال:((مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ))(8).
الصلاة مفتاح نجاتك يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم :((أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ رَبِّ لَا أَدْرِي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ فِي الدَّرَجَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَفِي نَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))(12).وفي سنن الدارمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ:((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا نَجَاةً وَلَا بُرْهَانًا وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))(13). الصلاة أمان من خوف وأهوال الآخرة قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(5).واعلم أخي رحمني الله وإياك أن أول ما تحاسب عليه يوم القيامة صلاتك أخبر عن ذلك رسولن صلى الله عليه وسلم بقوله:((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ))(14).فاحرصي أخي رعاك الله على أن تتم صلاتك وأن تكثر من التطوع علك تنجو في ذاك اليوم العظيم،فبالصلاة تنجو من عذاب جهنم بإذن الله فإن أول ذنب يعترف به أهل النار هو تركهم وتهاونهم في الصلاة أخبر الله عن ذلك بقوله:{مَاسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}(15).أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}(16).

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه،أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واقبلوا على صلاتكم وتمسكوا بها فإنها والله التجارة الرابحة وسبب السعادة في الدنيا والآخرة،ولايحسبن المرء أن موضوع الصلاة قصراً عليه بل هو مسؤول عن زوجه وولده وجيرانه وأهل حيه وهو أمر من الله حيث قال:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }(17).فإذا لم تعرف الزوجة حق ربها في الصلاة كيف تعرف حق زوجها؟.وإذا لم يعرف الأولاد حق الله بالصلاة كيف يعرفون حقوق أبآئهم وأمهاتهم؟.فإن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع،وإن كل من يرى تاركاً للصلاة وله عليه طريق ولو بالكلام ولم يأمره بها فإنه سيأتي متعلقاً برقبته يوم القيامة يحاججه عند ربه يقول يارب خذي بحقي من هذا فقد رآني تاركاً للصلاة ولم ينصحني،ولعظم أمر الصلاة كانت الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي فرض في السماء السابعة ليلة الإسراء والمعراج،والركن الوحيد الذي يتكرر في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات،والوحيدة التي شرع رسولنا صلى الله عليه وسلم ضرب الأطفال إن هم قصروا فيها لتربيتهم عليها فقال : ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ...))(18). واختم بقول من أوتي جوامع الكلم حبيبي وقرة عيني صلى الله عليه وسلم حيث قال:((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))(19).

-------------
(1) مريم: 72.(2) المعارج: 34.(3)أبو داود،الأدب،ح(4333).(4) البقرة:5.(5) البقرة: 277.(6)البخاري،مواقيت الصلاة،ح(497).(7)مسلم،الطهارة،ح(342). (8)الترمذي،الصلاة،ح(371)( َالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ).(9) العنكبوت: 45.(10)مسلم،صلاة المسافرين،ح(1181).(11)مسلم،الصلاة،ح(738).(12)الترمذي،تفسير القرآن،ح(3158)(قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ).(13)الدارمي،الرقاق،ح(2605).(14)النسائي،الصلاة،ح(733). المدثر: 43.(16)مريم:(59).(17) طـه: 132.(18)أحمد،مسند المكثرين من الصحابة،ح(6467).(19)الترمذي،الإيمان،ح(2545)(قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ)