صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أكل أموال العمال والخدم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الملك القدوس العزيز الديان ، هدانا للإيمان،وجعل دستورنا القرآن ، وأغدق علينا بفضله سعة في الرزق وفي البلاد الأمان ، فله الشكر سبحانه على جوده والإحسان ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد المتقين بحبوحة الجنان  وتوعد الكافرين والمعرضين عن سبيله بضنك النيران، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله الغر الحسان وعلى من تبعه إلى يوم الدين بإحسان.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم غداً بين يدي ربكم موقفون وعن أعمالكم محاسبون وعلى تفريطكم نادمون وإن خير ما تعدوه لذاك اليوم هو التقوى أخبر بذلكم ربكم إذ يقول :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }([1]) .معاشر الصائمين أمرنا ربنا أن لا ندخل في بطوننا في نهار رمضان ما أحله لنا في ليله وفي بقية العام بقوله:{.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى الليل}([2])،كما نهانا عن أكل أموال الناس بالباطل طوال العام بقوله:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([3])،وحذر حبيبنا ونبين صلى الله عليه وسلم   من ذلك في خطبة الوداع فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ قَالَ: ((أَيُّ يَوْمٍ هَذَا فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ))([4]).
أيها الأحبة في الله ومن يأكل أموال الناس بالباطل إنما يأكل سحتاً،وأكلة السحت يطول تعدادهم في خطبة واحدة فمن يأكل الربا من أكلة السحت ومن يعمل بالربا من أكلة السحت ومن يأكل أموال اليتامى بالباطل من أكلة السحت والنظار الذين يأكلون أموال الأوقاف التي تحت أيديهم من أكلة السحت والذين يأكلون رواتب وأموال زوجاتهم بغير رضاً منهن أكلة سحت والقائمة تطول ولعلي أفرد كل صنف من هؤلاء في خطبة إن كان في العمر بقية،لكني أود أن اركز اليوم على صنف من أكل السحت قد يقع فيه بعض الناس ويرى أنه على الصواب وهو قد وقع في خطر أكل السحت،هذا الصنف هو من يأكلون ويؤخرون رواتب العمال والخدم وقد بتنا نسمع وتسمعون عن قصص عجيبة غريبة فرجل يأتي بالخادمة أو الخادم ويؤخر ماله من مال ورواتب بحجة أنه يخشى أنه متى ما تسلم حقوقه فر من الخدمة،وإذا ما ألح عليه ذلك الخادم أو الخادمة في الطلب افتعل لهم مشكلة وقام بتسفيرهم من البلاد حتى أحياناً دون أن يدفع لهم،أو قد يدفع لهم ولكن بعد تأخير يتضرر منه ذلك العامل فنقول لمثل هؤلاء إن هذا العامل لم يترك بلاده وأولاده من أجل النزهة وإنما أخرجه الفقر والحاجة فقد يكون خلفه أبناء في المدارس بحاجة لهذا المال ومتى ما تأخر عليهم خرجوا من مدارسهم،قد يكون خلفه مريض لا يملك ثمن الدواء ، ينتظر ما يرسل به هذا العامل من دراهم معدودة ليشتري به الدواء فيتأخر عنه المال فيموت،فمن بالله عليكم يحمل إثمه،قد يكون خلفه أطفال جياع يبيتون يبكون من الجوع وأنت تنام بطين دهين تتقلب على فراشك الوثير،نقول لمثل هؤلاء ألم تسمعوا إلى قول الحبيب المصطفى حين يقول: ((أَعْطُوا الأجيرَ أجرهُ قبلَ أن يَجفَّ عرقه))([5])،ولقد رأيت منظراً يتقطع له الفؤاد جاءني يبكي والرجل حينما يبكي تهتز له الصخور الصماء لأنه لا يبكي إلا من حرقة وظلم شديد يقول لي ثلاث سنوات أعمل عند كفيلي لم يعطني فيها قرشاً واحداً،زوجتي تكتب إليِّ اتق الله فيِّ وعد فإني بلا بعل منذ ثلاث سنوات،يقول فلا أجد ما أذهب به إليها ولو وجدت ثمن التذكرة لعدت لزوجتي ولتركت مالي عنده ليوم لا يظلم فيه أحد،وكلما طلبته مالي عنده وعد بعد أسبوع بعد أسبوعين وهكذا،ثم يضيف يحدث لي كل هذا وأنا أرى بأم عيني في كل أخر أسبوع حفلات وجلسات على اللعب والشيش ينفق عليها ما ينفق فأقول في نفسي لو دُفع لي جزء من هذا لكفاني،معاشر الصائمين قد تكون أصابتكم الكآبة من القصة السابقة لكن ألا أخبركم بما هو أدهى وأمر،قصة يقف الإنسان أمامها حائراً أوصل الحال بأن يكون من أمة محمد من يختلط عليه فهم الدين إلى هذه الدرجة !! هذه القصة يقول صاحبها بمرارة إن صاحب المؤسسة التي أعمل بها شأنه عجيب فهو في رمضان يتصدق بوجبات الإفطار عند الحرم،وفي مؤسسته عمالاً لم تصرف رواتبهم لمدة ثمانية أشهر!فهل رأيتم أيها الأحباب أعجب من ذلك؟ أمة البصيرة لقد ذكر لنا حبيبنا  صلى الله عليه وسلم   قصة ذلك الرجل الذي اتقى الله في أجر أجير استأجره فحصد نجاة من ضائقة كادت أن تودي بحياته إنها في قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار حيث قال أحدهم : ((..اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ))([6]) أيها الأحبة في الله قولوا لمن يمنع الأجراء حقوقهم أو يماطلهم فيها كيف تفعل يوم أن يكون يوم القيامة خصيمك جبار السموات والأرض فقد قال  صلى الله عليه وسلم  : ((..قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ))([7]) قولوا له أما تخشى من دعوة صائم مظلوم يرفع يده للسماء يا رب يا رب فيستجيب الله دعوته ويرفعها فوق الغمام ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين فإن لم يتأثر ذاك الكفيل بما سمع فقولوا له ماذا لو أخر عنك من بيده الرزق رزقك عنك لأيام كيف يكون حالك كيف لو أن مرتبك أو استحقاق لك تأخر صرفه كيف يكون حالك؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([8])

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وأعطوا للأجراء أجورهم  ولا تنقصوا منها شيئاً ، معاشر الأحباب إن من الكفلاء من ينظر إلى أجيره كالبقرة الحلوب فيتفنن في أخذ ماله فإذا ما أراد العامل تجديد إقامته أخذ منه أتاوة معلومه وإذا أراد تأشيرة سفر وعودة كان لها تسعيرة تخصها،بل حتى إذا أراد التنقل من مدينة لمدينة وأراد ورقة للتنقل لحاجة ماسة طلبه بمبلغ معين وهذا من الابتزاز وأكل لأموال الناس بالباطل،معاشر الصائمين إنَّ لنقول للأخوة الذين يقعون في مثل هذه الأعمال تذكروا كيف كان حال أجدادنا من فقر وعوز وجوع فبدل الله الحال وأنعم علينا بنعمه التترى ووسع في أرزاق هذه البلاد حتى أصبحت مقصداً لطلاب الرزق فاتقوا الله واشكروا النعمة بأداء حقوق العمال والأجراء إليهم وإلا قد يبدل الله الحال علينا فيحل بنا الفقر والعوز عياذاً بالله ولكم في بعض جنسيات العمال لديكم عبرة فقد كانوا يعيشون في رغد وسعة عيش فلما بدلوا بدل الله عليهم،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
 
------------------------
([1]) الحشر :18
([2]) البقرة :187
([3]) البقرة :188
([4]) البخاري ، كتاب العلم ، حديث (65)
([5]) الألباني ، صحيح سنن ابن ماجة ، ج2،ص59 ح(1980-2443) باب أجر الأجراء .
([6]) البخاري ، كتاب البيوع ، حديث (2063)
([7]) البخار ي،كتاب الإجارة،حديث (2109)
([8]) الشورى : 42
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية