اطبع هذه الصفحة


رسالة من امرأة حول العفة

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله المنزه عن الأشباه والأمثال الأضداد،المهيمن العزيز إليه المنقلب والمعاد،العالم البصير بما في قلوب العباد ، أحمده سبحانه وأشكره فهو كل ما شكر زاد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقبل توبة من تاب إليه وعاد،ويمهل من أسرف على نفسه في الذنوب والمعاصي وزاد،وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما غير قوم في الأرض فساد وما على حق وساد .أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتزودوا من التقوى فهي خير زاد يقول ربكم جل وعلا:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ}([1]) ،أمة الهدى والعفاف تكلمت في الخطبتين الماضيتين عن العفة والعفاف وكان الحديث فيهما موجه إلى الرجال على أساس أن الحضور منهم،وكأني بامرأة أرسلت رسالة جاء فيها:عجباً لكم معاشر الرجال تتكلمون عن العفة وكأن القضية قصراً عليكم فقط بينما الذي خلق الخلق وصوره جعل المرأة أساساً في القضية ألم تروا أنه حينما تحدث عن السرقة قدم الرجل في الذكر فقال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}([2]) ،وحينما ذكر الزنا قال:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}([3])  ومما قاله القرطبي في تفسير الآية وفي سبب تقديم النساء على الرجال:((..وقيل:لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب؛ فصدرها تغليظاً لها لِتَرْدَع شهوتها،وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله.وأيضاً فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجب والصيانة فقُدِمَ ذكرهن تغليظاً واهتماماً ))([4]) ،وما سبق أن ذكرتموه من القصص في الخطب الماضية كانت المرأة هي التي تتعرض الرجل وتعرض نفسها عليه،هذا وغيره يبين أن المرأة لا تقل بل قد تزيد على الرجل في الحاجة إلى التذكير بقضية العفة والعفاف،لاسيما في زمان قد فتح فيه أيضاً على النساء من أبواب الفتنة ما تتزلزل له الجبال الشوامخ فما بالكم بالمرأة العاطفية الرقيقة، فهناك المسلسلات والقنوات التي تحبب إليها الرذيلة وتهيج فيها الكوامن؛ حيث تعرض لها في كل يوم العديد من صور العلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة على أنها حب شريف مقدس  وهناك صفحات الأنترنت ومقاهيها التي تنشر الفاحشة والرذيلة بأدق تفاصيلها ، وهناك الذئاب البشرية التي تتربص بها في الأسواق وعلى أبواب المدارس وعبر أسلاك الهاتف يسمعونها معسول الكلام لتقع في شراكهم، وهناك الأفكار الرائجة التي تدعوها للتمرد على دينها وأخلاقها وأعراف مجتمعها ناعتة كل ذلك بقيود تكبل المرأة وتسلبها حريتها،وهناك زميل العمل الخبيث الذي يسعى للإيقاع بها،وهناك من زميلات الدراسة أو الصديقات أو الجارات أو القريبات من اللواتي انخرمت عفتهن ووقعن في الحرام فقمن يقصصن قصص فجورهن وعلاقاتهن الآثمة مع الرجال على أنها بطولات ويحببنها للعفيفات الغافلات،هناك المجلات والصحف التي تمجد الفاسقات والمنحرفات وتصنع منهن نجوماً ليقتدى بهن،هناك غفلة الأباء والأمهات والأزواج عن الرعاية والمتابعة الجادة المستمرة مما يشجع على الوقوع في الحرام، هناك ..وهناك .. تيارات عاصفة ورياح هوجاء تهب على تلك الفتاة المسلمة العفيفة،ومما يجعل القلب ينفطر ألماً هو ضعف الاهتمام بالفتاة والمرأة وضعف تزويدها بما يعينها على الوقوف على قدميها في وجه هذا التيار الجارف،مع أننا نلحظ من الشباب والذين يتوقع فيهم أنهم أقوى من النساء والذين يحضرون الجمع والجماعات والخطب والمحاضرات ومع ذلك ينحرف منهم من ينحرف،فكيف بالفتاة والمرأة المسكينة التي يوفر لها وليها في بيتها كل ما يهيج كوامنها ويحرف أفكارها ولا يأخذها إلى ما يقوي إيمانها أو يحضر لها شريطاً يعينها على بلوها! أم حسبتم أنا ملائكة تمشي على الأرض؟ أما علمتم أن المرأة إذا أُشرب قلبها بالإيمان والتقوى كانت سداً منيعاً أمام انتشار الفاحشة في المجتمع لا لذاتها فقط فهي نصف المجتمع وهي التي تلد وتربي النصف الآخر فأقصر طريق لنشر العفة في المجتمع التركيز على النساء وإليكم بعض الشواهد على صدق ذلك (روى عن أبي بكر المزني أن قصاباً أولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها أهلها في حاجة لهم إلى قرية أخرى فتبعها وراودها عن نفسها فقالت له:لا تفعل لأنا أشد حباً لك منك لي ولكني أخاف الله،قال أنت تخافينه وأنا لا أخافه!فرجع تائباً)([5]) ،(وذُكر أنه عرض رجل على امرأة صالحة فعل الفاحشة فردت عليه بعدد من الأسئلة التي جعلت هذا الزاني يتوب ويرجع إلى الله حيث سألته:لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أنك فعلت هذه الفاحشة؟قال:لا،قالت:لو أدخلت قبرك وأُجلست للمساءلة أكان يسرك أنك فعلت هذه الفاحشة؟ قال:لا،قالت:لو أن الناس أُعطوا كتبهم ولا تدري أتأخذ كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أنك فعلت هذه الفاحشة؟قال:لا،قالت:لوأردت المرور على الصراط و لا تدري هل تنجو أم لا أكان يسرك أنك فعلت تلك الفاحشة؟قال:لا،قالت:لوجيء بالميزان وجيء بك فلا تدري أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أنك فعلت تلك الفاحشة؟قال:لا،قالت:لو وقفت بين يدي الله للمساءلة،أكان يسرك أنك فعلت تلك الفاحشة؟قال:لا،ثم تاب ذلك الرجل وعاد إلى الله)([6])
معاشر الرجال إنا معاشر النساء أمانة في أعناقكم وستسألون غداً عنا يوم القيامة قال ذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال صلى الله عليه وسلم ( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))([7]) وقال  صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ))([8]) ،والآن ليسأل كل رجل منكم نفسه ماذا فعل لمن ولاه الله أمرها من النساء لتقوية إيمانهن وزرع خشية الله في قلوبهن؟ وبماذا سيجيب إذا سُئل ؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)}([9])   .

الخطبة الثانية
الحمد لله علام الغيوب،وساتر العيوب،وغافر الذنوب،أحمده سبحانه وأشكره يفرج كربة المكروب،ويقبل من يقلع عن ذنبه ويتوب، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فتستكمل تلك المرأة رسالتها قائلة:هل أدلكم على بعض ما يعينكم على مسؤليتكم؟ ضعوا برنامجاً لغرس الإيمان في قلوب النساء من خلال الرحلة والقصة والأخذ لمراتع الخير من حلق لتحفيظ القرآن الكريم ومحاضرات نافعة وشجعوهن على ذلك تشجيعاً مادياً ومعنوياً،لا تدخلوا بيوتكم ما يثير الغريزة والشهوة واعلم أخي أن ما يؤثر فيك يؤثر في المرأة والشابة المراهقة أضعافاً مضاعفة،احفظوا نساءكم من التعرض للرجال الأجانب من السائقين والخدم وأبناء القرابة الذين ليسوا بمحارم لهن،احفظوهن من الأسواق ومواقع الفتن من المنتزهات المختلطة والمقاهي النسائية ونحوها،أبعدوهن عن الصديقات وإن كان لا بد من صديقات صالحات فليكن اجتماعهن مع امرأة كبيرة عاقلة راشدة كوالدتها أو نحوها،حثوا الأمهات على أن يقمن علاقة صداقة مع بناتهن حتى يفتحن لها قلوبهن ولا تكن هناك في حياة الفتاة أسرار ، اعلموا أن الزواج للفتاة أهم ما في هذه الدنيا فكم من فتاة عُطلت عن الزواج بحجة الدراسة أو غيرها فكانت النتيجة مرة عليها وعلى أسرتها،إن المتابعة والحرص لا تنافي الثقة واعلموا أن من الصديقات والزميلات من يهدمن جبالاً من الأخلاق بنيتموها في نسائكم في أيام أو لحظات معدودات ، احذروا من التساهل حين ظهور بوادر الخطر فإن ذلك يشجع على الوقوع في المحذور وما جرأ امرأة العزيز أن تجاهر أمام نسوة المدينة بمراودتها ليوسف عن نفسه وإصرارها على ذلك وتهديده بالسجن إلا لما لمست من زوجها تهاوناً يوم أن اكتشف أمرها حيث لم يزد عن قوله:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ()يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}([10]) ،هذه إشارات واللبيب تكفيه الإشارة حفظ الله الجميع من كل مكروه وسوء.    

-----------------------
([1]) البقرة : 197
([2]) المائدة : 38.
([3]) النور : 2 .
([4]) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، م6 ، ج12، ص107 (تفسير الآية الثانية من سورة النور)
([5]) الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج3 ، ص 170 (فضيلة من يخالف شهوة الفرج والعين )
([6]) عبد الله بين يحي الغامدي ، قطوف مختارة ..، ج1 ، ص116-117 .
([7]) البخاري ، الجامع الصحيح ..، كتاب الجهاد 
([8]) البخاري ، الجامع الصحيح …، كتاب الأحكام حديث (6617)
([9]) التحريم : 6.
([10]) يوسف : 28، 28.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية