صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التربية خط الدفاع الأول

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله شرع للبشرية ما يصلحها،ووجهها إلى ما ينفعها،فما من أمة تمسكت بشريعة ربها إلا وحققت أمنها واستقرارها وسعادتها ، وما من أمة أعرضت إلا وقد سارت في طريق شقائها ونهايتها،أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لا منتهى لعدتها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخليقة فأبدعها وشرع الشريعة فأتقنها ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله حمل شريعة ربه فأداها وبلغها صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على النهج من الأمة أولها وآخرها.أما بعد :فإلى كل من يرجو لأولاده الخير والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة نقول له عليك بتقوى الله فقد قال سبحانه : {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}([1]) .أمة الهدى والبصيرة تطرقت في الخطبة الماضية إلى الموجة العاتية التي تجتاح مجتمعنا من المشكلات الاجتماعية وأود اليوم أن أنبه بأن خط الدفاع الأول لهذه الأمة أمام المخاطر الاجتماعية والفكرية هو التربية،ومحاضن التربية عديدة لكن من أهمها وأبرزها البيت ، والتربية في البيت محورها الأساسي هو المرأة،وقد خلق الله المرأة بتكوينها الجسمي والنفسي والعاطفي مهيأة للقيام بمهمتها الخطيرة في البشرية ألا وهي الحمل والإرضاع والتربية،فإذا وضعت المرأة هذه المهمة الخطيرة وراء ظهرها وخرجت لتقلد الرجل في كده وعمله الشاق خارج البيت فمن يقوم بمهمتها العظيمة أيستطيع رجل من الرجال مهما كان فكره ومهما كانت قوته ومهما كانت ثقافته أن يحمل ويرضع ويربي؟فليجيبنا أصحاب الفكر المنكوس الذين ابتليت البشرية بفكرهم وأقلامهم وسوء قصدهم ، والمرأة في الإسلام شرع الله لها من الشرائع ما يعينها على القيام بتلك المهمة بكل راحة بال فإذا كانت المرأة في دول الكفر قد خرجت للعمل بحثاً عن لقمة العيش فإن المرأة في الإسلام كفل لها الديان نفقتها وما يكفيها فأوجب النفقة على وليها فقال المبلغ عن ربه صلوات ربي وسلامه عليه:((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))(2).وقد فصلت كتب الفقهاء في وجوب كامل النفقة للمرأة مالم تتزوج على والدها أو من يقوم مقامه ، فإن تزوجت فقد أوجب الله على زوجها النفقة لها قال خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه: ((..وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..))(3).هذا الحق من النفقة واجب لها وإن كانت غنية فإن عجز الزوج عن الإنفاق عليها حق لها أن تطالب بالطلاق، فإن لم يكن لها ولي ولا وزوج وجب على ولي الأمر أن يغنيها من بيت مال المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم : ((..أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ..))(4).وإلى جوار ذلك حث الإسلام أتباعه على تعاهد الأرملة التي فقدت زوجها حتى لا تحتاج إلى أحد فقال  صلى الله عليه وسلم  : ((السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ))(5).ومع هذا  أيها الأحبة لم يكن يعرف المجتمع الإسلامي الأول الفاضل وجود امرأة بلا قيم فما كانت امرأة تترمل أو تطلق إلا وتكفل بها رجل وتزوجها ليس بدافع الشهوة الجنسية كما يصور لنا أعداء الإسلام اليوم وإنما هو التكافل الاجتماعي في أرقى صوره هي الإنسانية والرحمة والرأفة التي افتقدتها مجتمعات من أمة الإسلام يوم أن انتكست المفاهيم فأصبح التعدد جريمة اجتماعية أشد من الزنا فقد يغفر للزاني زناه ولا يغفر للمعدد ما فعل!وليس هذا فقط فليس المال هو كل شيء وإنما ضمن الإسلام للمرأة تهيئة  الجو النفسي الملائم لها منذ نعومة أظافرها حتى تنشأ سوية النفسية فتستطيع أداء تلك المهمة الخطيرة على الوجه الأكمل ويتجلى ذلك فيما روته أمنا أم المؤمنين عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَتْ جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: ((مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ))(6).وراعى تهيئة الجو النفسي لها وهي زوجة فقال الخلاق العليم سبحانه:{..وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}(7).والنصوص الواردة في تكريم المرأة والعناية بها أكبر من أن تحصر في هذا المقام الضيق فالإسلام أوصى بالمرأة كلاً من وليها وزوجها وولدها ومجتمعها وولي أمر بلادها،الله أكبر ما أعظمه من تكريم غفلت عنه من أعطت أذنها لأعداء دينها وملتها وطهرها وعفافها ليصبوا فيها من نتنهم وقذارتهم،ولكن لم كل تلك العناية بالمرأة؟ كل ذلك من أجل أن تؤدي دروها في هذه الأمة من أجل إخراج رجال تنهض على أكتافهم عزة الأمة، المرأة خلقها الله لتصنع الرجال في البيوت وتخرج الأجيال المؤمنة ولم يخلقها سبحانه لتصنع الزنبيل والحذاء وتخرج السلع والمنتجات،ويوم أن تغيرت المفاهيم وتسرب العفن إلى الأفكار فأخذت المرأة تتمرد على شريعة ربها وتأخذ بشريعة عدوها إبليس ،أصبحت ترتوي من دمائها الطرقات،وأصبحت البيوت تئن بالعوانس اللواتي فاتهن قطار الزواج ا لذي كان يناديهن من قبل فكن يعرضن من أجل الدراسة والعمل بتشجيع من الأهل أو بسكوت منهم،ولكن الذي يعنينا اليوم هو محضن التربية الأول،البيت ماذا حدث فيه؟ كيف هي أوضاعه؟ تعالوا لنقترب ونرى ، فمن البيوت ما أصبح كالفنادق الصغيرة بناء فخم ورياش فاخر والمقيمون في هذا البيت كالمقيمين في الفنادق كل في غرفته ويجتمعون في وقت الطعام في مطعم المنزل وقد يتجاذبون أحياناً أطراف الحديث على الطعام وقد لا يتحدثون لأن كلاً منهم مرهق فالأب عاد من عمله مرهق والأم عادت من عملها مرهقة والأولاد من دراستهم مرهقون فيتناولون الطعام على عجل ثم يسرع كل منهم إلى غرفته،وفي بقية اليوم الأب مشغول بعمله أو بعلاقاته والأم مشغولة بعملها والإعداد والتحضير له ونحو ذلك أو هي مشغولة بصديقاتها وقد تلتقي الأسرة على العشاء أو قد لا تلتقي فقد يفضل أحدهم أن يتناول عشاءه في سريره،وإن التقوا فقد تلتقي الأجساد فقط ولكن الأفكار والأرواح مشدودة إلى ما تعرضه الشاشة التي أمامهم من فحش وخنا وفي الصباح يسرع كل منهم في عجل حتى وبلا إفطار لبدء يوم جديد،فبالله عليكم حياة كهذه ماذا تخرج للأمة متى يتربى الأولاد ومتى يُرى منهم الخطأ فيتم توجيههم؟حياة كهذه تغرس الأنانية في قلوب ا لأولاد فلا يهتم كل منهم إلا بنفسه لا يهتم الولد بأسرته لأنه لا دور له فيها فالسائق هو الذي يقوم بكامل المهام مها بلغ عمر الولد حتى رغيف العيش يشتريه السائق،والبنت لا يربطها بأسرتها إلا السكن فالخادمة هي التي تقوم بكل شؤون البيت،وهكذا تتفكك الأسرة ويتفكك المجتمع وتنتشر الأمراض الاجتماعية والنفسية الخطيرة،وصدق حبيب الأمة صلوات ربي وسلامه عليه يوم أن قال    : ((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ))(8).       

الخطبة الثانية
الحمد لله بين للبشرية طريق النجاح والفلاح وجلاه ، وكتب السعادة لمن سلكه في دنياه وأخراه ، أحمده سبحانه وأشكره على من أجزل من النعم والعطايا وأسداه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تكفل بنصرة من والاه وبمحق وتدمير من عاداه ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى هداه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه ليس المراد مما سبق ذم المرأة العاملة أو تحريم عملها فالمجتمع لا شك بحاجة لفئة من النساء تقوم بمجالات لا يسدها الرجال،كما أنه من الملاحظ أن هناك من النساء العاملات من هن أكثر شفقة ورعاية لأولادهن من بعض المتفرغات،لكن الأمر المفزع والقضية المخيفة أن يكون عمل المرأة هو خيارها الأول وكأنه هو وظيفتها الأساسية التي خلقت لها وأن له الأفضلية على رعاية بيتها وزوجها وأولادها،حتى أن هناك بيوتاً هدِّمت وتفرق شمل أهلها بسبب تقديم المرأة للعمل على بيتها وأولادها،الأمر المقلق أن ينصب تفكير جميع نساء المجتمع وفتياته على الوظيفة والمرتب وينسين دورهن الرئيس في الحياة،وأن ينشغل المجتمع بمعظم شرائحه ببطالة المرأة وينسى أن هناك شباباً بلا عمل! والأشد مرارة من ذلك أصوات وكتابات مريبة تنادي باشغال المرأة خارج بيتها حتى بغير العمل بحجة الترفيه فتدعو لإقامة أندية رياضية أو صالونات اجتماعية ونحوها مما يشغل المرأة عن وظيفتها الأساسية؛واسألوا المرأة القائمة على بيتها بحق هل تجد متسعاً من الوقت للقيام بواجباتها الأساسية؟فإذا لم تجد فكيف تجد وقتاً يهتم المجتمع من أجل إيجاد قنوات لها لاستغلاله في الترفيه،قولوا لي بربكم إذا شغلت المرأة عن تربية أولادها التربية الصالحة فمن ذا الذي يربيهم أتربيهم الخادمة مع جهلها واختلاف قيمها وعاداتها وأحياناً دينها،أم تربيهم القنوات بفحشها ومجونها؟سؤال قد يجيب عليه الواقع العملي إجابة أبلغ من العبارة اللفظية. 

-----------------------------
([1]) النساء:9.(2)أبوداود،كتاب الزكاة،ح1442.(3)أبوداود،كتاب المناسك،ح1628.(4)مسلم،كتاب الجمعة،ح1435.(5)البخاري،كتاب النفقات،4934.(6)البخاري،كتاب الأدب،5536.(7)النساء:19.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية