اطبع هذه الصفحة


احذروا طريق الشقاء المستمر

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الملك الديان،الرحيم الرحمان،خالق الأكوان،الذي لا يخرج عن تدبيره وقهره إنس ولا جان،أحمده سبحانه وأشكره فهو الحنان المنان ذي الجود والإحسان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفضل على ما خلق الله على مر الزمان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله في السر والعلن فهي العاصمة بإذن الله من القواصم يقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([1]) أيها الأحبة في الله ما من عاقل إلى وهو يسعى جهده أن يبتعد عن لحظة شقاء واحدة ، أو موقف محرج حينما يسأل عن عمل عمله ليس له فيه مبرر،معاشر المؤمنين لو قيل أن هناك نظاماً للمرور يقضي بأن أول من يقطع إشارة المرور في صباح اليوم يجازى بجزائه وبجزاء كل من يقطع الإشارة في ذلك اليوم فمن من الناس يحرص على أن يكون هو أول من يقطع الإشارة في ذلك اليوم ؟ ثم الذي وقع في ذلك المحظور وقطع الإشارة كيف يكون حاله؟تجده واقفاً بجوار تلك الإشارة طوال اليوم ويده على قلبه يذب الناس عن قطع الإشارة حتى لا يزداد نصيبه من الجزاءات وكلما قطع سائق الإشارة تجده يزداد حزناً وكمداً لأن المبلغ الذي سيدفعه سيزداد؛وقد يحتج أول قاطع للإشارة المرورية في ذلك اليوم على هذا النظام ويقول نحن في دولة تطبق الإسلام وهذا نظام يخالف الإسلام فلا أقبل به فكيف أتحمل وزر غيري والله يقول:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2)،فنقول له إن الإسلام قد وضع لك في حياتك إشارات حمراء كثيرة ألا وهي النواهي والمحرمات وحذرك من تجاوزها أو التشجيع على تجاوزها وإنك إن تجاوزتها ودللت غيرك وشجعته على تجاوزها فإن عليك إثمك وإثم كل من تبعك إلى يوم القيامة ألم تسمع قول الصادق المصدوق في صحيح مسلم يوم أن قال: ((..وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))(3)، نقول له أتريد أمثلة على ذلك فهذا قابيل يوم أن قتل أخاه هابيل كان أول من سن القتل فما من نفس بشرية تقتل ظلماً إلا وله نصيب من إثمها لأنه كان أول من سن القتل أخبرك بذلك نبيك وحبيبكe فيما أخرجه البخاري حيث قال : ((لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلًا))(4)،وهذا عمرو بن عامركان أول من أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب أخبر عنه الصادق المصدوق فيما أخرجه الإمام أحمد بقوله: ((إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ أَبُو خُزَاعَةَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَإِنِّي رَأَيْتُهُ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ))(5)،وهكذا يقاس عليهم كل من دعا إلى ضلالة من بعدهم فقاسم أمين وهدى شعراوي وغيرهم ممن تزعموا حركة تحرير المرأة في بلد إسلامي مجاور عليهم إثمهم وإثم كل امرأة تخرج متبرجة متكشفة في ذلك البلد إلى يوم القيامة؟ومن أخطر المجالات التي يخطئ أو يفرط فيها بعض الناس فتتراكم عليهم نتيجة لذلك الذنوب العظيمة تربية الأبناء فمن ربى أولاده على الفحش والفجور والخنى والغناء وترك الصلوات كان عليه إثمهم وإثم من تبعهم من أبنائهم إلى يوم القيامة؛وقد نشرت صحيفة يومية محلية في خلال الأيام الماضية مثال لذلك قصة تهز الوجدان وتزلزل الكيان لتجربة واقعية مريرة حدثت في مجتمعنا فاسمعوها تقول صاحبة القصة: (فقدت ابنة من بين أربعة أبناء..رحلت عني في ظروف غامضة لا أعرف بدايتها ولكنها تركت لي ضميراً مثقوباً ومشروخاً.. أتذكر يوم أن طلبت مني ببراءة الأطفال أن تتحجب وأن تكون مختلفة بعض الشيء عن فتيات اليوم فنهرتها ورفضت ذلك بشدة وحتى أحاول إشغالها وتغيير فكرها المعقد خالطتها بأبناء أخي المنفتحين…أحضرت لها القصير وشبه الشفاف واشتريت لها مسجلاً خاصاً مع أشرطة شبابية…حرضتها على والدها وإخوانها…حرضتها بإرادتي على معصية ربها!!وهذا نتيجة ما تربيت عليه تربيت على العصيان فورثته لا شعورياً لها!! فأنا لم أقرأ القرآن و لا أتذكر أنني قمت رمضان…كنت أهوى مشاهدة الأفلام وسماع التسجيلات وأرقص على الأغاني وأسهر الليالي على رشاقة جسمي،جافيت زوجي وأبنائي جميعهم وتنكرت لجميع واجباتي قائلة لهم:إن المال هو الذي يحدد كرامة الإنسان،والعبادات يمكن قضاؤها مستقبلاً،كنت أعتقد أن ملك الموت سيمهلني إلى أن يصل عمري ستين عاماً ويصل عمرها ثلاثين،وآخر مرة جمعنا فيها القدر كانت في لندن،كنت أسير على غير مسلك زوجي فهو ذو أفكار محافظة وأنا صاحبة أفكار منحلة!!.قصرت من ملابس ابنتي هناك اكثر وأكثر حتى أن الجميع يتلفتون بعجب إليها فأهمس في أذنها إن كرامة الفتاة لا تنال إلا بالإعجاب من قبل الأشخاص.قضينا أسبوعاً كاملاً في لندن يشهد على إجرامي ويشهد على عدم استحقاقي لشرف الأمومة..!! لم أتخيل أن يصيبها مرض بسيط أكل كل جزء من جسدها رآه كل غريب،ابنتي فقدتها على فراش الموت وكانت تردد لم أكن من المصلين ولا ممن يحضون على طعام المسكين فأسكتها وأقول لها ستعيشين..والدها كان يحاول تلقينها الشهادة…يقول لها بدمعة حارقة قولي لا إله إلا الله محمد رسول الله فلا تردد إلا لا.لا.لالم أكن من المصلين.واعترف أن هذا عقاباً لنفسي قبل أن يكون عقاباً لها..،حياتي بعدها ألم وأشعر أحياناً كثيرة أنني امرأة نصف شريفة لم تحافظ على عاداتها الإسلامية فأصابها الله بسيل من الهموم )(6).هذه هي القصة أيها الأحبة في الله نقلتها لكم كما نشرتها الصحيفة بتصرف بسيط،وانظر أخي كيف أن هذه المرأة رباها أهلها على قلة الدين وقلة الحياء فأرادت أن تربي ابنتها على ما تربت عليه فأهلكتها وأوبقت دينها ودنياها،وانظر إلى هذا الزوج الذي تخلى عن مسئوليته وقوامته وأعطى الحبل لزوجته تجرجره وبناته في مستنقع الرذيله وهو تابع لها فهل يخليه هذا من مسئوليته غداً يوم أن يقف بين يدي الملك الجبار فيقول له أعطيتك القوامة فماذا فعلت في أسرتك؟أتكون له حجة أن يقول كنت تبعاً لزوجتي؟وكم من الأباء اليوم تساهلوا في حجاب زوجاتهم وبناتهم وفي حضهم على التزام طريق الدين برغبة منهم أو تحت ضغط من زوجاتهم وغفلوا عن العاقبة المرة التي تنتظرهم.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}(7).    

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واحرصوا أن تكونوا دعاة لطريق الخير واحذروا أن تدلوا على معصية أو تحببوها إلى أحد من الناس أيها الأحبة في الله كم من الناس من يقع في شراك الشيطان بغير علم فيحبب لأولاده ولزوجته معصية الله دون أن يشعر،فذاك الذي أدخل القنوات على أهله وترك لهم الحبل على الغارب،نسأله ماذا تعرض تلك القنوات أتعرض ما يشجع على الفضيلة والدين أم أنها تهدم الأخلاق والدين؟فإذا كانت الأخرى فتصور كم من نفس مؤمنة لديك في بيتك هل تخيلت وأنت تجلس معهم أمام تلك الشاشات أنك ستأتي بصحائف ذنوبهم أجمعين وليسوا هم فقط بل ومن تشرب حب تلك المفسدات من أبنائهم وأبناء أبنائهم إلى قيام الساعة،هل تصورت حالك وأنت تأتي يوم القيامة تحمل على ظهرك لا قدر الله أوزاراً كجبال تهامة فتسأل هذه لم أعملها فيقال لك هذه نظرات محرمة نظرها أهلك وأولادك في القنوات التي أدخلتها وتلك أغنيات سمعها أهلك وأولادك من تلك القنوات التي أدخلتها،وأخرى سلوكيات محرمة في اللباس أو التصرفات اكتسبها أهلك وأولادك من القنوات التي أدخلتها،وغيرها…وغيرها فكيف سيكون حالك؟ألا تندم بأنك قد سلكت طريقاً للشقاء المستمر فمتى تنتهي من سلسلة تلك الذنوب التي بدأت صناعتها بنفسك وقد انتقلت إلى دار جزاء لا عمل فيها ، فهلا عملت لنجاة نفسك من الآن قبل أن تندم ولا ينفع الندم؟وهناك مع الأسف من لم يقتصر على إثم أهله وأولاده بل تعداهم إلى جيرانه فهو يتبرع لهم بكل طيب نفس بسلك من لاقط الفضائيات الذي اشتراه بنقوده والذي سوف يسأل عنه وعما ينظر فيه يتبرع بذلك السلك إلى جار أو أكثر وبقدر ما يفسد في عباد الله بقدر ما تطول حسرته وندمه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وليست القضية أيها الأحبة قصراً على القنوات وفسادها بل  هي تشمل جميع المنكرات بأنواعها تشمل المجلة الخليعة والشريط الماجن والسيجارة ونحوها،ومن الناس من قام يشيع في عباد الله أفكار تدعوا إلى الفاحشة وإلى إفساد المرأة ونحوها فكم من الإثم سيصيب أولئك القوم وكم من الحسرات والعبرات ستمر بهم في يوم يجعل الولدان شيباً،وإن الذنب ليعظم في الحرم عن غيره فيما سواه وكل على نفسه بصير.

------------------------------
([1]) الأنفال:29 (2) الأنعام:164.(3)مسلم،كتاب الزكاة،ح1691.(4)البخاري،كتاب الاعتصام..،ح6776.(5)أحمد،مسند ابن مسعود،ح4038.(6)جريدة المدينة، العدد12863السنة (66) السبت 12/محرم/1422هـ،ص30،العمود الثاني،بعنوان: (أم تدفع ابنتها إلى طريق المعصية).(7)النحل:25.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية