اطبع هذه الصفحة


الكسب الحرام

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد،الحمد لله الذي خلق الخلق وأحصاهم عدد،الحمد لله الذي رزق الخلق ولم ينس منهم أحد، أحمده سبحانه وأشكره حمداً وشكراً كثيراً بلا عدد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فأوصيكم معاشر المؤمنين ونفسي بطريق الرزق الحلال والكسب الطيب ألا وهو التقوى يقول ربكم جل وعلا:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}([1]) .
يا أتباع خير رسالة عرفتها البشرية أمر الكسب والدخل المالي من أكبر الأمور التي ينشغل بني البشر علىجهة العموم بها فلو نظرت إلى حياة الفرد من صغره إلى كبره فهو يدخل المدرسة ويختبر ويحرص على الدرجات العلى وأبواه يحثانه على المزيد من الجهد والدافع والمبرر لذلك هو الوصول إلى مكانة مرموقة ودخل أكبر ، فهاهو يبذل جهده من صغره إلى كبره من أجل هدف واحد هو تحقيق الدخل ، ولو نظر أحدنا إلى يومه فإنه يجد أن أغلب ساعات اليوم بل قد يكون أغلب حديث اليوم عن هذا الموضوع! واكتسبت عملية الكسب هذه الأهمية في حياة البشر لأنها ترتبط بتوفير أساسيات حياة الإنسان من طعام وشراب ولباس ونكاح وسكن ونحوها ، وقد علم العليم الخبير الذي خلقنا وصورنا والذي هو أعلم بنا منا هذا التعلق البشري بالمال وحب بني الإنسان له فبين لنا في كتابه الخالد هذه القضية واستمعوا حينما يحدثكم الخلاق العليم عن ذلك فيقول : {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}(2).وقال :{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}(3). ويقول الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه عن هذه الخصلة في بني آدم فيما أخرجه البخاري في صحيحه ((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ))(4).ولذلك وضع لنا الكريم سبحانه تطمينات تطمئن الإنسان على هذا الجانب فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ()فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}(6).ويقول سبحانه:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(7). أيها الأحبة في الله ولأن ديننا دين الفطرة دين وضعه لنا الذي خلقنا وسوانا سبحانه وهو أعلم بما يصلحنا وما يفسدنا فلم يحرم علينا طلب الرزق ، لم يطالبنا بالجلوس في الزوايا وترك الرزق بل حثنا على العمل والضرب في الأرض طلباً للرزق يقول الرزاق الكريم:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(5).وفي سنن ابن ماجة جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  : ((أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ  وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ))(8).هل سمعتم أيها الأحبة دعانا حبيبنا  صلى الله عليه وسلم  للعمل ولكن بشرط (خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ) هذا الشرط مع الأسف غفل عنه من سيطر حب الكسب والمال على قلوبهم فما عادوا ينظرون هل يكسبون من حل أم من حرام هذا الشرط ناداكم الله به نداءً خالداً يوم أن قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(9).أسمعوا وتأملوا أيها الأحبة قال طيبات فهل الرزق الحرام من الطيبات ؟ فهل علم من يكسب من حرام أنه عصى من بيده رزقه ورزق الخلق أجمعين؟ فعجباً نرى في أمة الإسلام نرى موظفين يعرقلون مصالح المسلمين حتى يحصلوا على رشوة دراهم معدودة يقبضونها ويحصلون معها في نفس اللحظة على لعنة من رسولهم  صلى الله عليه وسلم حيث قال كما عند الإمام الترمذي وابن ماجه وغيرهماL(لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي  وَالْمُرْتَشِي))(10).وعند الإمام أحمد: ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ  وَالرَّائِشَ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا))(11).من أمة الإسلام من يفتح مقاهي للأنترنت وحتى يكسب المزيد تجد أن العاملين في تلك المقاهي يدلون الشباب على المواقع الإباحية ومواقع الفسق والفجور،من أمة الإسلام من يفتح محلاً يبيع فيه أشرطة الغناء الماجنة التي تدعوا للزنا والرذيلة ، من أمة الإسلام من يفتح محلات لبيع اللواقط الفضائية(الدشات)ويعمل في مجال صيانتها وإصلاحها لتلتقط الفحش والفجور تبثه في أمة الإسلام فأين هؤلاء من قول الجبار العظيم:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(12).من أمة الإسلام من يفتح صوالين للحلاقة يزيل فيها لحاً أمر رسولنا بتوفيرها فعند البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ : ((خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ ))(13).فنقول لصاحب الصالون أطابت نفسك أن تزيل فريضة من وجه مؤمن؟ ثم نسائله كيف طابت نفسك أن تأخذ على عملك ذلك مالاً؟ ومع الأسف هناك من الصوالين من لم يكتف بعملته الشنيعة تلك بل قام ينشر بين شباب المسلمين أخر قصات حثالة الغرب فتجد عنده كتاباً يحتوي على صور آخر تلك القصات ليختار منها الشاب ما يعجبه! ومن أمة الإسلام خياطين يخيطون لرجال الإسلام ثياباً طويلة تتجاوز الكعبين ورسولنا وحبيبن صلى الله عليه وسلم  يقول: ((إِزْرَةُ الْمُؤْمَنِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَمَا كَانَ إِلَى الْكَعْبِ فَلَا بَأْسَ وَمَا كَانَ تَحْتَ الْكَعْبِ فَفِي النَّارِ))(14).ومنهم من أمسى يفصل للشباب ثياباً مماثلة لثياب النساء شديد الضيق من أعلى شديدة الوسع من أسفل.ومن أمة الإسلام صاحب البقالة الذي يبيع للمسلمين الدخان والمجلات الفاضحة فيهدم في صحتهم وفي أخلاقهم،ومن أمة الإسلام من يأكل الربا أو يكتب الربا أو ينشر الربا ويكسب مع كل خطوة في ذلك غضب الله وغضب رسوله فالنبي      صلى الله عليه وسلم   ((لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ))(15).وقال الجبار فيهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ()فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}(16).ومن أمة الإسلام من تقول زوجته أوابنته أو أخته بكل وقاحة وعلى رؤوس الأشهاد أخرج للعمل من بعد المغرب إلى الفجر ثم أعود وحقيبتي مملؤة بالنقود من الشباب ،ومن أمة الإسلام..ومن أمة الإسلام…ومن أمة الإسلام نماذج في مجتمعنا يتفطر القلب منها وعليها حسرات يوم أن بعدت عن هدي الإسلام في الكسب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(17).

الخطبة الثانية
الحمد لله{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واجتنبوا طرق الكسب المحرم تفلحوا . أيها الأحبة في الله هاأنتم قد سمعتم فهل أنتم منفذون فهذا دأب المؤمنين وصفهم الله بذلك بقوله:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(18).ولقد ذم الله قوماً قبلكم بقوله:{مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}(19).واعلموا رحمني الله وإياكم أنه قد يأتي الشيطان لأحدنا ممن عزم على التوبة فيقول له تخلي تلك التجارة الرابحة أنظر إلى فلان وفلان تركوا فافتقروا وأنت ليس لك مصدر رزق سواها فأقول لهم إن الله قد أخبرنا عن ذلك بقوله:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(20).وقد وعدكم من لا يخلف الميعاد بقوله:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(21).وفي مسند الإمام أحمد عنه  صلى الله عليه وسلم  : ((إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ))(22). هناك أيها الأحبة في الله من ترك الكسب الحرام ولم يسع في الكسب الحلال فافتقر فظن قوم أنه بسبب تركه للرزق الحلال ، أيها الأحبة في الله إني أخاطب كل من عصى الله في كسبه فأقول له أعلمت من عصيت؟ ماذا تفعل لو غضب الله عليك لا قدر الله وأمسك عنك رزقه؟من ذا الذي يرزقك؟من ذا الذي يعطيك؟{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}(23).  

---------------
([1]) الطلاق:2،3.(2)الفجر:20.(3)العاديات:8.(4)البخاري،الرقاق،ح(5958).(5)الملك:15.(6)الذاريات:22،23.
(7)هود:6. (7)ابن ماجة،التجارات،ح(2135).(9)البقرة:172.(10)ابن ماجة،الأحكام،ح(2304).(11)أحمد،باقي مسند الأنصار،ح(21365).(12)النور:19.(13)البخاري،اللباس،ح(5442).(14)أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(10826). (15)مسلم،المساقاه،ح(2995).(16)البقرة:278،279.(17)الأنفال:25.(18)النور:51.(19)النساء:46.(20)البقرة:286.(21)الطلاق:2،3.(23)يونس:31.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية