صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الغيرة على الأعراض

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله خالق السموات والأرض ، والذي بث فيهما من آيات وحدانيته وألوهيته وربوبيته وعظمته وجلاله وأكثر من العرض، أحمده سبحانه وأشكره جعل من تمام دين المرء ومروءته الغيرة على العرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد العباد المؤمنين المتقين النجاة يوم العرض، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفلحوا في دنياكم وأخراكم وعدكم بذلك من لا يخلف الميعاد جل جلاله بقوله : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}([1]) .
نزلت آيات حد الزنا وطرق إثباته على رسول الله  صلى الله عليه وسلم   وأخذ يتناقلها ويبلغها أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم   بعضهم لبعض فتلقوها بالقبول إلا رجلاً واحداً قال كلمات. ما هي تلك الكلمات ؟ استمعوا للقصة :أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت " لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الرَّجْم قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا " الْحَدِيث وَفِيهِ " فَقَالَ أُنَاس لِسَعْدِ بْن عُبَادَةَ : يَا أَبَا ثَابِت قَدْ نَزَلَتْ الْحُدُود , أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت مَعَ اِمْرَأَتك رَجُلًا كَيْف كُنْت صَانِعًا ؟ قَالَ : كُنْت ضَارِبَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَسْكُنَا , فَأَنَا أَذْهَب وَأَجْمَع أَرْبَعَة ؟ فَإِلَى ذَلِكَ قَدْ قَضَى الْخَائِبُ حَاجَتَهُ فَأَنْطَلِقُ , وَأَقُولُ : رَأَيْت فُلَانًا فَيَجْلِدُونِي وَلَا يَقْبَلُونَ لِي شَهَادَة أَبَدًا , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)فَقَالَ كما في صحيح البخاري L( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ…))(3). أرأيتم أيها الأحبة في الله كيف أثنى خير الورى على موقف سعد فهو لم يكن يوماً معارضاً لشريعة الله أو غير متقبل لها ولكن مقالته تلك أنبعثت من قلب حي ملؤه الغيرة على عرضه ولذلك امتدحه المصطفى  صلى الله عليه وسلم   لأن الغيرة على الأعراض هي حياة القلوب وقلب ليس فيه غيرة قلب ميت لا إيمان فيه ؛ ومن هنا كان ذم الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه لصاحب القلب البارد الذي لا غيرة فيه على عرضه وأهله أخرج الإمام أحمد والنسائي واللفظ عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ..))(4). وقد فسر الديوث بأنه الذي يقر السوء في أهله والعياذ بالله ولا يقر رجل في قلبه مثقال ذرة من الغيرة السوء في أهله. أيها الأحبة في الله لقد أصبح الواحد منا في هذا الزمان يرى ويسمع عجباً ؛ فهناك فئة من الناس ترتبط غيرتهم بالنواحي الجغرافية فهو مادام في بلاده أو في مدينته تجده شديد الغيرة على أهله وحرماته ولكنه إذا خرج خارج البلاد وجدته يرخي الحبل على الغارب لزوجته وبناته فقد يتساهلن في الحجاب فلا يضيره ذلك شيئاً ولا يحرك غيرته بل قد يكون هو الذي يأمرهن بالتخفف من الحجاب إن لم يكن تركه بالكلية،وقد يكون ذلك بمجرد إقلاع الطائرة حيث يوضع الحجاب في الحقيبة وتوضع مساحيق التجميل على الوجه، وتجد منهم من يتجاوز لما هو أعظم من ذلك حيث يأخذ أهله لمواطن الفسق والفجور من دور السينما والمسارح والملاهي ونحوها من الأماكن التي تذبح فيها الفضيلة وتهيج فيها الغرائز ، ومنهم من إذا ترك مدينته إلى مدينة أخرى ترك لأهله الحبل على الغارب في التخفف من الحجاب بحجة أنهم في نزهة ؛ فكم يرى المرء فتيات في عمر الزهور يحملن أجهزة المسجلات تصدح بالأغاني يتجولن على الشواطئ أو في المنتزهات، كم يرى المرء من فتيات يمشين وحدهن وهن يتضاحكن ويتمايلن في صورة مزرية بعيدين عن أهلهن ، كم يرى المرء من نساء يركبن بعض الألعاب الخطرة ثم ما أن تبدأ تلك الألعاب بالحركة حتى تسمع صراخهن وعويلهن وقد لا تثبت الحجب عليهن فيتكشفن ويكون هناك جمع من الرجال والشباب ينظرون إليهن، فهل مثل تلك التصرفات تتفق مع الغيرة على الأعراض ؟. من الناس من ترتبط غيرته بالزمان فهو طوال العام ذو غيرة على أهله ولكنه في الإجازة رجل متساهل في هذه القضية فهو يترك زوجته وبناته يجبن الأسواق بشكل شبه يومي إما مع سائق العائلة أو مع سيارات الأجرة أو مع ابن الجيران وقد يكون مع النساء أطفال صغار لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئاً فضلاً عن حماية الأعراض،أو قد تسافر النساء من مدينة إلى مدينة وهن على تلك الحال ليس معهن من يدفع عن هن الشر إذا نزل بهن،ومنهم من يترك بناته يبتن خارج المنزل عند القريبات أو الصديقات وهو لا يدري ما يحدث هناك؟ وقد يفعل ذلك بحجة الثقة في أهله ، فنقول له إن الأصل في علاقة الإنسان بأهله الثقة الكاملة لكن هل تثق في جميع الرجال الذين في الأسواق؟ هل تثق فيمن يذهب بهن ويأتي بهن ؟ هل تأمن على نسائك الفتنة وقد ألقيت بهن في مواطن الخطر؟ ومن الناس من يتساهل في موضوع الأفراح فتجده يسمح لأهله بلباس يعري معظم جسدهن ويبرز بشكل مغري مواطن الفتنة منهن! وقد يضيف إلى ذلك أن تخرج من هي تحت مسؤوليته من زوجة أو ابنة في الهزيع الأخير من الليل في ظلمة الليل وهي بكامل زينتها والعطر يفوح من ثيابها، فيقوم السائق بإيصالها أو تذهب مع من تذهب ، وتذهب إلى أفراح قد ترقص فيها وقد تصور وهي بتلك الحالة من خلال كمرات الفيديو التي أصبح الناس يوثقون فيها أفراحهم ثم تكون بعدها صورة تعرض على الشاشات ويتشهى الرجال عليها عياذاً بالله،ثم ينتهي الفرح في ساعات الفجر الأخيرة فيا ترى مع من تعود تلك المتجملة المتعطرة المتعرية قد لا تجد أمامها خياراً إلا شاباً متبرعاً لإيصال النساء وقد يذهب بها يمنة ويسرة وصاحبنا مسترخ في سريره يغط في نومه ! معاشر الغيورين على أعراضهم هي دعوة من قلب محب لكم أن نراجع بعض القضايا والمفاهيم التي أصبحت من المسلمات لدى بعض فئات الناس وهي قضايا ومفاهيم خطرة تنتهك العفة وتنشر الرذيلة وتصيب المجتمع في مقتل ، فقولوا رحمكم الله لكل من يتساهل في الغيرة على عرضه أفق قبل أن تقع بك لا قدر الله مصيبة تحمل ذلها وعارها أبد الدهر ، وتسأل عنها يوم  الفزع الأكبر فرسولنا  صلى الله عليه وسلم  يقول : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..))(). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا  مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(5).    

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و  صحبه وسلم .أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه من المفروض في المسلم أن يغار على أعراض المسلمين عامة كما يغار على عرضه خاصة؛ فبسبب تعرض تاجر من اليهود لامرأة من المسلمين حيث عقد طرف ثوبها دون أن تشعر إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوؤتها ، فصرخت فتنبه لذلك رجل من المسلمين فأخذته الغيرة على المرأة المسلمة فقتل اليهودي فتجمع اليهود وقتلوا المسلم كانت تلك الغيرة سبب غزوة بني قينقاع ، فأين بعض تجار الملابس الجاهزة من غيرتهم على أعراض المسلمين ؟ ما بال الرجل المسلم يبحث لأهله عن ثوب ساتر للمناسبات فلا يكاد يجد إلا ما يكشف مفاتنهن ؟يبحث الرجل عن حجاب ساتر لأهله فلا يجد إلا المطرزة والضيقة والسيئة! أيرضون لزوجاتهم وبناتهم أن يلبسن تلك الملابس؟فأن كانوا يرضون ذلك فهم بحاجة إلى إحياء الغيرة في قلوبهم على أعراضهم قبل أعراض المسلمين ؟ أين الغيرة على أعراض المسلمين في قلوب أصحاب الملاهي والمنتزهات والكبائن الذين يفسحون المجال للاختلاط بين الرجال والنساء بحجة أنها عائلية ؟ لم لم يصمموا تلك الأماكن بطريقة تراعي خصوصية الأسرة المسلمة وتحافظ على الأعراض ؟ أين الشباب المتسكعون في تلك المنتزهات والشواطئ والأسواق من الغيرة على أعراض المسلمين ؟ أيرضى أحدهم أن يسمع رجل لأهلهم ونسائهم ما يسمعونه من الكلمات البذيئة لنساء المسلمين ؟ أيسر أحدهم أن ينجح ذئب بشري من فصيلتهم في إغواء زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم كما يسرون هم بالفريسة التي تقع في حبائلهم؟ .تساؤلات عدة لفئات عدة في المجتمع يتألم المرء لفقدها الغيرة على أعراض المسلمين والله يقول {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(6). أيها الأحبة في الله الغيرة لا تعني الشك والتجسس ، بل تعني حفظ الأعراض من مواطن الشبه والريبة حتى لا تنزلق إلى الرذيلة ، كما أن الثقة لا تعني البلادة وعدم إدراك الرجل لما يدور حوله وما يفعله أهله.

------------------------
([1]) الطلاق:2،3.(2)فتح الباري،شرح حديث غيرةسعد في كتابالحدود.(3)البخاري،التوحيد،ح(6866)،(4)النسائي،الزكاة،ح(2515).(5)التحريم:6.(6)الأعراف:33.(7)البخاري،الجمعة،ح(844).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية