اطبع هذه الصفحة


في بداية عام 1426هـ

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الرحيم الرحمان ، خالق الإنس والجان ، مقلب الدهور والأزمان،أحمده سبحانه وأشكره على كل نعمة أنعم بها علينا في زمان أومكان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم القيامة بإحسان.أما بعد:فهذا خطاب رباني عظيم يناديكم به ربكم وخالقكم فارعوه سمعكم وافتحوا له أبواب قلوبكم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(الحشر :18).أمة الإسلام هذا العام الماضي قد ركب دابته مرتحلاً وحل بكم عام جديد ، فالله أكبر ما أسرع ما تمضي الأعوام والأيام:
نسيرُ إلى الآجال في كل لحظةٍ..وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحلُ.
ترحَّلْ من الدنيا بزادٍ من التقى..فعمرك أيـامٌ وهنَّ قلائــلُ.
أخي الحبيب كأني بالعام المنصرم ينظر إليك بوجه متهللٍ بشراً وبابتسامة عريضة يشد على يديك بكل حرارة،هل شعرت بدفء حرارته؟.يودعك قائلاً نِعْمَ العبد كنت فيَّ: أنت الذي شغلت نفسك بذكر الله والناس غافلون،أنت الذي تصدقت والناس يبخلون،أنت الذي تصل رحمك والناس لأرحامهم يقطعون،أنت الذي تبرُّ والديك والناس لأبآئهم وأمهاتهم يَعُّقون،أنت الذي ترحم الضعيف والمسكين والناس للضعفاء والمساكين يظلمون،أنت الذي صمت والناس يفطرون،أنت الذي عمَّرت وقتك بطاعة الله والناس لأوقاتهم مضيِّعون،أنت الذي تصلي مع الجماعة والناس لصلاتهم مضيعون،أنت الذي تلذذت بالقرآن والناس بالغناء يتلذذون،أنت الذي قمت الليل لربك راكعاً ساجداً والناس نائمون،أنت الذي بكيت من خشية الله والناس يضحكون،أنت الذي تفزع إلى ربك والناس إلى غير الله يفزعون،أنت الذي ربيت أولادك على الطاعة والهدى والتقى والناس على الفجور والمجون لأبنائهم يربون،أنت الذي ربيت نساءك وبناتك على الحجاب والعفاف فحفظت عرضك والناس لأعراضهم مُضِّيعون،أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والناس لا يأمرون،أنت..وأنت..وأنت فما أسعدك.
أخي ارعي سمعك..ثم ارعي سمعك هل تسمع معي هدير أنهارك تجري من تحتك في الجنة، هل تسمع معي تغريد تلك الطيور الغناءة الملونة الجميلة التي ملأت حديقة قصرك في الجنة،انظر..ثم انظرمعي أخي هل ترى سريرك الناعم المترف وقد صفت عليه وسائده ينتظر جسدك المؤمن الطاهر ليضمه بين جنباته.انظر..انظر هناك يا إلهي ما أجملها إنها فتاةٌ جدُّ جميلة جدُّ رائعة جدُّ فاتنة وجهها يضيء كالشمس،رائحتها تعبق كأجمل حديقة ورود عطرة ،بشرتها بيضاء ناعمة مذهلة،هاهي تنظر إليك بعينها الحوراء ويالاسحر عينيها أنها تخطف القلوب من أول نظرة ،هاهي تشكرك فاستمع لكلماتها العذبة الدافئة الحبيبة فتقول لك: شكراً لك أَنْ عملت لمرضاة ربك فكنت لي ومعي في الجنة؛ عندها أخي نسيت ما أصابك من تعب أو نصب في سبيل ربك الذي أعد لك هذا النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول،وإني أخي الحبيب أبشرك بأنك كلما ازددت طاعة لله ومِنْهُ قرباً،كلما ارتفعت في الجنان وازددت نعيماً وعظمت لك البشرى من رب العالمين فاصغ سمعك لها:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(الأحزاب 35).
أتدري ماذا وعدك به من لا يخلف الميعاد استمع لذاك الوعد:{وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة :72).وكأني بالعام الماضي أخذٌ بيدك يودعك ثم التفتَ ذات اليسار فدمعت عيناه وهو يقول لك: كم يتفطر قلبي ألماً على الذين قضوا أيامي بين سحب الدخان والشيش وبين فحش القنوات وعظائم المنكرات،وأردف قائلاً:أين أولئك مما أخبرنابه النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض عذاب المفرِّطين الساهين اللاهين؛فاستمع أخي معي إلى طرف من ذلك وعشه كأنك من اليقين تبصره رأي العين: فهذا الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أنظر ما يفعل به كأنك تبصره ياإلهي إنه مُضْطَجِعٌ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَيعود رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَيعود إِلَيْهِ فَيضَرَبَه وهكذا،فكيف بالله بمن ينام عن صلاة الفجر؟.أنظر إلى أهل الزنا ياللهول كأنك ترى ثَقْباً مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ-هم أهل الزنا-فَإِذَا اقْتَرَبَت النار ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَوا أَنْ يَخْرُجُوا ولهم صريخ وعويل فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا،فكيف بحال أهل اللواط؟.انظر إلى أكلة الربا كأنك تشهد حال أحدهم يسبح في نَهَرٍ مِنْ دَمٍ وعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ كلما أَقْبَلَ آكل الربا يرَيدَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ القائم على شط النهربِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ(البخاري،التعبير،ح(6525)).وهكذا يظلون في ذلك العذاب إلى قيام الساعة ثم يأتي ما بعدها،كأني بالعام المنصرم يقول لك تصور النار التي وصفها الله بحرها وزمهريرها؛وأهلها فيها طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم،كأنك تنظر إليها من مكانك هذا يحطم بعضها بعضاً وهي تفور بأهلها وهم يصطرخون فيها،فبكيت من قلبك،فسألك العام أترضى أن يكون في تلك النار زوجُك أو أبنُك أو بنتُك أو أبوك أو أو أمُك أو قريبُك أو جارُك أو حبيبُك أو مسلمٌ من المسلمين؟.فإن لم ترض فإني أحملك أمانة حملك إياها من قبل ربك وستسأل عنها يوم القيامة ألا وهي تبليغ دين الله والسعي في إنقاذ أمة الإسلام من النار والعذاب،ثم رحل عنك العام وتركك وما حُمَّلت من أمانة فما أنت فاعل؟.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(73)} الأحزاب.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الحبيب المجتبى والنبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واحسنوا توديع عامكم الذي مضى واستقبال العام الجديد؛فمن الناس من يستقبل العام الجديد بفرحة لأن مع بداية العام يحل موعد الإيجارات العقارية فيجدُّ في جمعها بلا هوادة أو رحمة،ومنهم من يفرح بالعام الجديد لأجل الترقية أو الدرجة الوظيفية،والسجين يفرح لأن مدة عقوبته قد مضى منها عام واقترب إطلاق سراحه وهكذا؛ لكن الأمر أعظم من ذلك فالفرح بقطع الأيام والأعوام دون اعتبار وحساب لما كان فيها ويكون بعدها من البيع المغبون.
إنا لنفرحُ بالأيام نقطعها..وكل يوم مضى يدني من الأجلِ.
فاعمل لنفسك قبل الموتِ مجتهداً..فإنما الربح والخسران في العملِ
فالعاقل من اتعظ بأمسه،واجتهد في يومه،واستعدَّ لغده.وإني من هذا المكان أناديكم أحبتي وأرجوكم ..ثم أرجوكم أن تجعلوا من عامكم القادم خيراً من العام الذي مضى فمن كان محسناً فليزدد إحساناً ومن كان مقصراً فليسارع للتوبة والندم قبل أن لا يستطيع ذلك ولنحمد الله على ما أنعم به علينا من فسحة الأجل.ألا واعلموا رحمني الله وإياكم أن خير ما يفتتح المسلم به عامه الصيام فصيام يوم العاشر كفارة بإذن الله للسنة الماضية ومن السُنَّةِ صيام يوم قبله أو يوم بعده ومن جمع بينهما أي صام الأيام الثلاثة خرج من حرج الفلك ودخول الشهر وكان كمن صام الشهر.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية