اطبع هذه الصفحة


استثمار الأنوثة في التجارة

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الذي يعلم كل ما هو ظاهر وخاف ، المتصف بالحكمة والعدل والإنصاف أحمده سبحانه وتعالى وأشكره أن شرع لأمة الإسلام شريعة الطهر والعفاف ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته ولا في ربوبيته ولا في الأسماء والأوصاف وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله دعا إلى حفظ المرأة ورعايتها من غير غلو ولا إجحاف صلىالله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما سجد ساجد بالبيت أو طاف.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله فالتقوى سبب للأمان النفسي والمعيشي يقول الرب جل جلاله في ذلك :}وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا{ ([1]).
أمة الطهر والعفاف المرأة في المجتمع المسلم قلب المجتمع ، وهي العمود المركزي لبنائه ، فقولوا لي بربكم لو مرض ذلك القلب أو تصدع ذلك العمود كيف يكون حال المجتمع ؟ لذا جاء الإسلام بكل ما من شأنه الحفاظ على صحة ذلك القلب ومتانة ذلك العمود ؛ فطالب المرأة بالحجاب الكامل في وجهها وبدنها }يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{(2) ،وطالبها بالقرار في بيتها:} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى..{ (3) .وطالب الرجل بأن يكون ذا غيرة على أهله وعرضه وأن لا يتساهل معهم في أمور العرض والشرف ؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ))(4) .
الإسلام لم يجعل دور المرأة في الحياة صناعة الحذاء والزنبيل . لا . وإنما جعل دورها صناعة الرجال الذين يقوم على أكتافهم بعد الله عز الأمة ومجدها والنصوص في ذلك كثيرة منها ما أخرجه الإمام البخاري أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((...وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا..))(5) .ووفر لها الجو المناسب لذلك فلم يكلفها بالعمل وطلب الرزق وإنما كلف الرجل بالإنفاق عليها ولو كانت غنية؛ أخرج الإمام أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  : ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))(6) . ومجال تكريم الإسلام للمرأة يضيق حصره في هذه العجالة؛ وقد يسأل سائل لماذا هذا القول؟ فنحن في بلد الإسلام ونعرف الإسلام ، فأقول أيها الأحبة في الله إن وضع المرأة بصفة عامة ووضعها مع العمل بصفة خاصة غدا مقلقاً لكل عاقل بصير ولكل مسلم لديه غيرة على أعراض المسلمين ؛ فالمرأة في بلادنا خرجت للعمل وقد وفرت لها حكومة هذه البلاد الرشيدة مجالات تتناسب مع فطرتها وأنوثتها ، فتسابق النساء عليها حتى امتلأت ، ومع مرور الزمن وفي غفلة من الدين وبعد عن الأخلاق الفاضلة أصيبت فئة من الناس بسعار طلب المال فأصبح تفكير الأب والأم والبنات والأولاد والأزواج أنه لا بد للمرأة أن تعمل وكأن العمل هو وظيفتها الأولى في الحياة ، فبدأت المرأة تطلب أي عمل مهما كان المهم أنها تعمل ، ويبارك عملها من حولها من الرجال،حتى يقول أحدهم :تخرجت قريبتي وظللنا نبحث لها عن عمل أكثر من سنتين فلم نجد وأخيراً وجدنا لها عملاً بحمد الله في مستشفاً خاص في المختبر! ولا أدري ألم يحسبوا أنه قد يكون لها زميلاً من الرجال تضطر إلى الحديث معه وما يتبع ذلك الحديث ؟ ألم يعلموا بأنه لابد أن يكون رئيسها في العمل يقيناً من الرجال وأنه قد يبتزها ترغيباً أو ترهيباً ؟ أما تصوروا أنها ستطالب يوماً بالعمل في فترة المساء حيث تقضي الليل كله هناك وحيدة أو مع زميلها وما يمكن أن تتعرض له؟؛ وفي ظل هذا السعار على المال استغل بعض ضعاف النفوس من رجال الأعمال ذلك فأخذوا يستغلون أنوثة المرأة لترويج سلعهم ففي بعض المستشفيات الخاصة يرى المرء في الاستقبال فتيات من بلاد الحرمين وقد لبسن البنطال وليس عليهن من الستر إلا قطعة قماش سوداء وضعت على بعض الرأس لا تسمن ولا تغني من جوع،والوجه قد غطي بالمساحيق وتتحدث إلى العميل كما تتحدث إلى أحد محارمها،حتى أن المرء يقف مشدوهاً متسائلاً إذا لم يكن هناك رادع من دين،فأين حياء العذراء الذي يضرب به المثل؟ أين الأدب؟ أين الأخلاق؟ أم أنه يضحى بكل ذلك في سبيل المال،أقول لهذا الصنف من رجال المال أين أنتم من دينكم ؟ أين أنتم من دوركم الوطني في أن تكونوا عوناً لحكومتكم المباركة فتوظفوا الشباب الذين امتلأت بهم الشوارع فتخففوا من عبء الضغط على الوظائف الحكومية، ثم أنتم بتوظيفكم الشباب تساهموا في نشر العفة في المجتمع؛ حيث أن الشاب متى ما وجد دخلاً سعى للزواج فيعف نفسه ويعف فتاة من أهل البلد، وبتوظيف الشاب نكون قد وفرنا الدخل لأكثر من شخص وهما الشاب وزوجته ومن يأتي بعدهما من الذرية،أما إذا وضعنا المال في يد فتاة ماذا تفعل به ؟ أيها الأحبة في الله ولم يعد الأمر قصراً على مجال معين بل بدأ ينجرف إلى ما هو أخطر فهناك من تعترف علانية على صفحات الجرائد أنها تعمل سكرتيرة لرجل،وهناك من أصبحن يعملن مندوبات تسويق وأنقل لكم قصة إحداهن ذكرت اسمها وتجربتها في مقابلة صحفية قائلة:(تبدأ حكايتي عندما تعرفت على امرأة (سبور وشيك) في أحد فنادق خمس نجوم استطاعت بنظرة خبيرة وفاحصة أن تقرأ أفكاري اقتربت مني وأشادت بهيئتي وجمالي وعرضت علي أن أسوق العطور والبرفانات وسوف تكون العمولة على قدر اجتهادي وغمزت مشيرة إلى أن إمكانياتي سوف تساعدني كثيراً في ترويج البضاعة ، وافقت دون تردد، وتم الاتصال بصاحب الشركة وبدأت العمل ونجحت بسهولة كما أشارت الخبيرة ، وقدمت تنازلات كثيرة في حدود الممكن؛وأنا أعتقد أن الابتسامة لرجل غريب تعد تنازلاً يفقد المرأة كثيراً من كرامتها ولكن الحاجة للعمل كانت تدفع دائماً لتقديم مثل هذه التنازلات وأولها كشف الوجه،بعد فترة شعرت بأنني تمرست وأصبحت جريئة فتوجهت إلى أحد الفنادق والتقيت بمسؤول الحفلات وعرضت عليه فكرة الاتصال بالشركات وبالآخرين على طريقتي وأنا متأكدة من أنني سوف أنجح وأثبت جدارتي وكان مسؤول الحفلات سعيداً بالعرض وبدأت العمل وبعد فترة لم تطل كنت أعمل معهم في الإدارة وكانت التنازلات هذه المرة أكبر، ثم تقول في ختام لقائها نسيت أن أقول لك (للصحفية) أنني كنت متزوجة في هذه البدايات وكان زوجي في البداية موافقاً ولكنه بدأ يعترض ويشك ويثور ، أنا بالطبع لم أفرط في شئ ولكن كنت أعود في ساعة متأخرة من الليل وكان المتصل دائماً زميل ، وبهدوء خرج زوجي من حياتي،مازلت أمارس المهنة وأحافظ على نفسي مع التنازلات اللازمة للعمل ولكن أشعر في قرارة نفسي بأن أنوثتي قد تبخرت)(7) .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ (8) . 

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن كل رجل مسؤول عن زوجته وكل أب مسؤول عن أبنته ولا يضع الشيطان على أعينكم غمامة ضمان مستقبل البنت ، أو الثقة في تربيتها وسلوكها ودينها فترموا بها في مواقع الفتن ، فإن نار الفتنة قادرة على حرق كل تلك التربية والسلوك وقد حذركم ربكم من خطوات الشيطان التي تبدوا في أول الأمر سليمة خالصة ثم لا تلبث أن تنحرف ولا يمكن السيطرة عليها فقال العليم الحكيم سبحانه : }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{(9).فهاهو زوج المرأة سابقة الذكر شجعها في البداية على العمل ثم تمردت عليه ولم يعد قادراً على ضبطها حتى انتهى الأمر بهدم البيت في النهاية،فربوا بناتكم على أن الأصل في المرأة قرارها في بيتها واهتمامها بزوجها وأولادها وليس مزاحمة الرجال في ميادين العمل.

--------------------------
([1])الطلاق:2،3.(2)الأحزاب:59.(3) الأحزاب:33.(4)الإمام أحمد ، مسند المكثرين، ح(5117).(5) البخاري،الجمعة،ح(844).(6)أبو داود،الزكاة،ح(1442).(7)المدينة،عدد(34501)في الأحد2/11/1423هـ،ص18. (8)النور:19.(9)النور:21.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية