اطبع هذه الصفحة


سلسلة يوميات مسلم (14) وقفة مع الرحمن الرحيم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الملك الديان الرحيم الرحمن،خالق الإنس والجان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التترى علينا في كل زمان ومكان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تفرد بالصفات العلى والأسماء الحسان،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم القيامة بإحسان.أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله في السر والعلن تفوزوا بالسعادة في الدنيا وفي الآخرة بالرضوان قال ربكم في محكم التنزيل:{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (الطلاق :5).أمة الإسلام في الحلقة الرابعة عشر من هذه السلسلة نقف مع قول العظيم جل جلاله {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة :3).
فهل تأملت أخي الحبيب يا من تقرأ الفاتحة صباح مساء في كل ركعة من ركعات صلاتك في هاذين الاسمين العظيمين لربك جل جلاله ؟. هل تأملت في دلالاتها على سعة رحمة الله ؟. نعم والله إن رحمة الله واسعة أخبرنا عن ذلك ربنا بقوله:{...وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف :156). أسمعت أخي إلى سعة رحمة الله؟. ولكن تأمل من يستحقها من ينالها:{...فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.فماذا تنتظر أخي هيا لتتصف بتلك الصفات التي استحقت بفضل الله أن تدخل ضمن رحمة الله الواسعة. هيا لتدخل ضمن من يستغفر لهم حملة عرش الرحمن كما أخبر بذلك ربك بقوله : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(غافر :7).فهيا بنا لتوبة نصوح ولنسلك سبيل النجاة سبيل الرحمن.أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ الزُّهْرِيِّ قال أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ)(البخاري،الأدب،ح(5541)).فالله أكبر إذا كانت هذه الرحمة التي نراها بين الناس وبين الخلائق هي جزء واحد من مئة فلك أن تتخيل أخي الحبيب إلى عظم رحمة الله.الله..نعم الله أرحم بك أخي الحبيب من ولدك ومن زوجك ومن أبيك ومن نفسك بل هو أرحم بك من أمك التي ولدتك؛أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال:قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا )(البخاري،الأدب،ح(5540)).فالله خلقك رحمة بك،وكبرك رحمة بك،وآواك رحمة بك، وجعلك قوياً سميعاً بصيراً رحمة بك،وأرسل رسله رحمة بك،وأنزل كتبه رحمة بك،وأنزل الأمطار رحمة بك، ورزقك رحمة بك،وخلق لك الشمس والقمر والنجوم والدواب والجبال والبحار والأنهار رحمة بك،ويمرضك رحمة بك،ويفقرك رحمة بك،ويميتك رحمة بك،ويبعثك رحمة بك،ويحاسبك رحمة بك،ويدخلك الجنة رحمة بك.ولك أن تسبح في بحر تلك الرحمات منذ خلقت حتى تلقى ربك.أيها الأحبة في الله لعل كل واحد الآن في شوق وتختلج في صدره كلمات يتمنى أن يصرخ بها سائلاً قائلاً دلنا رحمك الله على طريق نيل رحمة الله.فأقول أحبتي قد بينت طريقاً من طرق نيل تلك الرحمة عند ذكر قول الله تعالى:{...وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف :156).أخي الحبيب استمع معي لمن أوتي جوامع الكلم الحبيب صلى الله عليه وسلم يلخص لك الأمر بقوله فيما أخرجه الإمام البخاري في كتاب الأدب أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)).نعم من لا يرحم خلائق الله لا يرحم لأن الجزاء من جنس العمل؛فرب رحمة تحرك به قلب رحيم تجاه إنسان أو بهيمة من خلق الله كانت سبباً لغفران ذنوب عظيمة ارتكبها وبالتالي سعادة في الدنيا والآخرة وهاهو خير البرية صلى الله عليه وسلم يقص عليك أخي قصة فاستمع إليها كأنك تنظر لذاك الوجه الأنور والجبين الأزهر كأنك تستمع لها من الفم الطاهر؛أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :((أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا)). الله أكبر زانية بغي غفر الله لها زناها لرحمتها كلب!.فكيف بمن يرحم عبداً مؤمناً موحداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟.كيف بمن ترحم زوجها؟.كيف بمن يرحم زوجه؟.كيف بمن يرحم أولاده بنين وبنات؟.كيف بمن يرحم الأيتام والأرامل وذا الحاجة؟.وإلى من يدَّعون أن الإسلام لم يرحم المرأة وظلم المرأة نقول لهم خبتم وخسئتم والله،فليست رحمة المرأة في خروجها متبذلة متعطرة تزاحم الرجال لتكسب عيشها فتتعرض لنظرات الفساق،والكمات التي تخدش حيائها،أو لابتزازها من قبل رئيسها،وليست رحمتها في أن تخرج قائدة للسيارة في الشوارع فتزحم الشوارع وتتعرض للحوادث المؤلمة والعاهات المستديمة،ويعترضها الفجار من الشباب المتسكعين بسياراتهم يتحرشون بها وقد يصدمونها عنوة لتخرج للتفاهم معهم، المرأة في الإسلام درة مكنونة وجوهرة غالية محفوظة أوصى الإسلام بحفظها ورحمتها وجعل على ذلك أجراً عظيماً فاسمعوا يادعاة تفسيق وإفساد المرأة إلى ما أخرجه الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَرَحِمَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ)(أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(11488)).أسمعتم جعل المؤونة على الرجل ولم يكلف المرأة أو الفتاة أن تعول نفسها ووجه لتربيتها وتأديبيها ولكن مع رحمة، فالله أكبر ما أعظمها من بشرى لمن رزقه الله ثلاث من البنات.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}( الأعراف :56).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:فاتقوا الله عباد الله و ليكتب كل منا تلك القاعدة النبوية ويجعلها أمام ناظريه في البيت وفي العمل وفي كل مكان ولنعلمها لأولادنا بنين وبنات ألا وهي:((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ))؛نداء..نداء ..أوجهه من هذا المكان للأبناء والبنات ارحموا آباءكم وأمهاتكم بطاعتهم وأن تكونوا عوناً لهم على شدائد الدنيا، وللأزواج فأقول أرحموا زوجاتكم وقدروا لهن ما يبذلنه في البيت لراحتكم وتربية أبنائكم،وللزوجات أرحموا أزواجكم وقدروا تعبهم ولا تثقلوا كواهلهم بالطلبات المبالغ فيها،وللآباء والأمهات أرحموا أولادكم بأن تشغلوهم وبالذات في فترة الإجازة بما يقربهم من الله، وإلى كل من لديه خادمة أو عامل أو مكفول نقول له اتق الله وارحمه.معاشر المؤمنين هناك من اتكل على رحمة الله الواسعة وأخذ يعب من معاصي الله وإذا تم نصحه قال:الله غفور رحيم، ورحمة الله واسعة!.فنقول له ألم تسمع إلى قول جبار السماوات والأرض حين قال:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}( الحجر :50).نعم ربنا ذو رحمة واسعة ولكن لا يرد بأسه عن القوم المجرمين قال الله في محكم التنزيل:{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام :147).

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية