صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







يوميات مسلم (17) السجود

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الذي خلق بقدرته كلَّ مافي الوجود،مامن هارب منه إلا إليه يعود،لايستحق العبادة بحق سواه ولا التذلل بالسجود أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وجوده فليس فوق عطائه عطاء وليس وراء جوده جود.وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة أرجو بها التنعم في بيت الوحشة والدود،والفوز بجنات الخلود مع المقربين الشهود الركع السجود الموفين بالعهود،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله حث أمته على الإكثار من عبادة السجود،وبين لهم أن فيها العزَّ المنشود،والنصرَ الموعود،فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما اتصلت جبهة بالأرض لله في السجود،ومافاح عطر بعود أما بعد:ف{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (الحشر:18-19).أمة العبودية لله الواحد الأحد في الحلقة السابعة عشر من هذه السلسلة أقف اليوم مع أخص مظاهر العبودية للواحد الأحد ألا وهي عبادة السجود تلك العبادة التي تدرك جميع الخلائق بما فيها الطيور أنها للواحد الأحد لا تصرف لغيره فهذا الهدهد يوم أن رأى بلقيس وقومها يسجدون للشمس من دون الله جاء مسرعاً فزعاً غاضباً لنبي الله سليمان عليه السلام قائلاً:{..أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ(24)أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25)اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }(النمل:22-26).فحرك نبي الله سليمان لذلك الجيوش ولم يرض بالهدية والمهادنة.السجود هذه العبادة العظيمة يقوم بها كل من حولك يا عبد الله فتعال معي واستمع إلى الباري جلت قدرته يخبرك بذلك في آيات تتلى إلى يوم القيامة يقول سبحانه:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ ومَنْ فِي الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنَّجُومُ والجِبالُ والشجرُ والدوابُ وكثيرٌ مِنْ الناسِ وكثيرٌحَقَّ عليهِ العذابُ ومن يُهنِ اللهُ فمالهُ من مُكرمٍ إنَّ اللهَ يفعلُ ما يشاءُ}.فهل استشعرت أخي أن تلك الشمس العظيمة تسجد لله؟.هل استشعرت سجود القمر لله؟,أخي الحبيب إني أدعوك إذا خرجت من المسجد أن تتأمل في الجبال المحيطة بك وفي سجودها لربها.فقولوا أحبتي لذاك الذي ولد في ديار الإسلام ونشأ فيها وهو لا يعرف طعم السجود متى تتحرك فيك مشاعر العبودية لله ربك الذي خلقك وصورك وكبرك ورزقك وعافاك؟. قولوا له أيكون جلمود صخر أعبد لله منك وأنت الذي ميزك الله بالعقل والإدراك؟.أيسرك أن تكون ممن أهانه الله؟.فلا إله إلا الله صدق الله{وكثيرٌحَقَّ عليهِ العذابُ ومن يُهنِ اللهُ فمالهُ من مُكرمٍ إنَّ اللهَ يفعلُ ما يشاءُ }.
أخي الحبيب إني أدعوك أن تتأمل فيما حولك من الشجر وفي سجوده لله؛ يقول سبحانه{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}(الرحمن:6).وعن ابن عباس رضي الله عنه قال:كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى شجرة فقرأت السجدة فسجدتُ فسجدت الشجرة لسجودي،فسمعتها تقول:اللهم أحطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا قال ابن عباس فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة.(والحديث في صحيح ابن ماجة).
أخي الحبيب ألاتحب أن ترفع درجاتك عند خالقك وبارئك؟. ألا تحب أن تُحط عنك خطاياك؟.ألا تريد معيناً على نفسك التي بين جنبيك؟.فإليك هذه القصةعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَأَجْلِسَ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ أَقُولُ لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَةٌ فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ قَالَ فَقَالَ لِي يَوْمًا لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ سَلْنِي يَا رَبِيعَةُ أُعْطِكَ قَالَ فَقُلْتُ أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ قَالَ فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي قَالَ فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ قَالَ فَجِئْتُ فَقَالَ مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ قَالَ فَقَالَ مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ قَالَ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَلْنِي أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ نَظَرْتُ فِي أَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي قَالَ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ لِي إِنِّي فَاعِلٌ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ))أخرجه الإمام أحمد،وفي رواية مسلم أسألك مرافقتك في الجنة.همم عالية عرفت قيمة الدنيا فقامت تعلن عبوديتها لله ورغبتها فيما عنده،لم تتعلق قلوبهم بالدنيا وزخرفها وإنما تعلقت بمن عنده من نعيم سرمدي لايزول ولايحول. أخي الحبيب هل علمت أن السجود هو موطن إجابة الدعوة؟؛ أخرج الإمام مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((...وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ))(مسلم،الصلاة،ح(738)). وكم لدعوة السجود يا عباد الله من دور في تاريخ هذه الأمة فهذا صلى الله عليه وسلم يخرج يوم بدر يريد عيراً لقريش فيفجأ بدلاً من العير بالنفير!.وإذا به يواجه جيشاً أضعاف جيشه فماذا يعمل؟.لجأ للسجود والتذلل لله الواحد الأحد،فأمضى ليلته تلك كلها يصلي ويمرغ وجهه الشريف في التراب ذلاً لربه وخالقه بعد أن أخذ بالأسباب،فما كانت النتيجة؟كانت مدداً من السماء ملائكة من مختلف السموات جبريل من السابعة وحيزوم من الرابعة وهكذا،وكتب الله النصر لعباده المؤمنين وما النصر إلا من عند الله.وفي عصر المماليك اجتاح التتار الدولة الإسلامية من شرقها إلى غربها ودخلوا بغداد وقتلوا الخليفة واستولوا على الشام ووقفوا على حدود مصر بقيادة طاغيتهم هولاكو،وأرسلوا يطلبون من حاكم مصر في ذلك الوقت الملك المظفر قطز التسليم أو أن يحل به ما حل بمن قبله،فاستشار من حوله فأشاروا بالتسليم،لكن الله قذف في قلبه يقيناً بخالقه،فأبى وجمع الجيوش وأخذ بأسباب النصر المادية وكان في يوم جمعة من رمضان،ثم بعد ذلك وقبل المعركة سجد لله وأخذ يعفر وجهه ذلاً لربه ويقول:اللهم انصر عبدك قطز،اللهم انصر عبدك قطز،فكانت عين جالوت وانتصر العباد المؤمنون وأهلك الله هولاكو،وعاد التتار الغزاة الذين أتوا لمحق الإسلام وأهله يدخلون في دين الله أفواجاً،كل ذلك بسبب سجدة صادقة ملؤها الذل لله رب العالمين.فقلي بربك أخي هل سجدت لله مثل تلك السجدة لمواجهة صعوبة من صعوبات الدنيا؟.يقول العظيم جل شأنه ممجداً للساجدين{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ الليلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الأَخِرَةَ ويرجو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذينَ يَعْلَمُونَ والذينَ لايعلمونَ إنما يتذكرُ أُوْلُوا الأَلبابِ }.

(الخطبة الثانية)إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فكم من الناس يا عباد الله يسجد في هذا الزمان وقد حرم والله لذة عظيمة كم منا يسجد وهو في غفلة ساه،كم من الناس تجده واضعاً جبهته على الأرض لكن قلبه مشتت بأفكار الدنيا،فما يعقل عمله وعبادته التي هو فيها؛وإن مما يعين على التلذذ بالسجود أن يستحضر الإنسان حال الناس كيف يتذلل بعضهم للمدير أو الوزير أو الأمير من أجل دنيا فانية وعرض زائل فيقول لنفسه يا نفس هذا ربي ورب الكون كله،يانفس هذا الذي خلقني ورزقني وعافاني وأعطاني،يانفس هذا الذي بيده أجلي ورزقي وسعادتي متى ما رضي عني سعدت في الدنيا والآخرة فهو والله أحق بالتذلل له،أن يستشعر أن أثر السجود هو العلامة التي يعرفه به نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرٌّ مِنْ السُّجُودِ مُحَجَّلُونَ مِنْ الْوُضُوءِ))أخرجه الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ(الترمذي،الجمعة،ح(552)).أن يستشعر أن النار لا تأكل موضع السحود؛جاء في حديث أبي هريرة الطويل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :((حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ..))(البخاري، الرقاق،ح(6088)).أيها الأحبة في الله لنربي أنفسنا وأزواجنا وأولادنا على تعظيم أمر السجود،ولنعودهم أنه مهما نزل بهم من الهموم والغموم فإن الحل في السجود والتذلل لله،وأن هذا هو منهج خير الورى صلى الله عليه وسلم حيث كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.أخي الحبيب استمع لربك يخبرك عن حال المعرضين عن السجود في الدنيا بقوله:{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ(42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }(الحاقة:42-43).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية