اطبع هذه الصفحة


يوميات مسلم (22) البكاء ثمرة الصيام

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله ذي الجود والفضل والسخاء،الحمدلله ذي المهابة والعظمة والكبرياء أحمده سبحانه وأشكره ملأ قلوب العارفين من خشيته ففاضت أعينهم بالبكاء، وأشهدأن نبيناوحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على الطريق حباً ووفاء.أمابعد:فأوصيكم أحبتي ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً فهي ثمرة الصيام المرجوة أخبركم بذلكم ربكم بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(البقرة:183).معاشر الصائمين القائمين جئت اليوم بين أيديكم مهنئاً مبشراً،جئت أهنئك أخي الصائم فها أنت بعد أن انتصف هذا الشهر الكريم ها أنت تجني ثمارالصيام وإن من أعظم ما جنيته ما تولد في قلبك من خشية لله فترجمتها عيونك في صورة دموع طاهرة تسيل على وجنتيك ابشر فقد فزت ورب الكعبة بجائزة عظيمة واسمع لجائزتك يخبرك بها نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الأمام الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(الترمذي،فضائل الجهاد،ح(1563) حَسَنٌ غَرِيبٌ).قال خالد بن معدان:إن الدمعة لتطفئ البحور من النيران فإذا سالت على خد باكيها لم ير ذلك الوجه النار،وما بكى عبد من خشية الله إلا خشعت لذلك جوارحه،وكان مكتوبا في الملأ الأعلى باسمه واسم أبيه،منوراً قلبه بذكر الله.[ابن أبي الدنيا:15].كأني بك أخي الحبيب بعد أن تكشفت سحب الذنوب والمعاصي السوداء عن قلبك بعد سبعة عشرة يوماً من الصيام والقيام والتقوى والدعاء وترك الذنوب والتخفف من المأكل والمشرب،وبعد أن أخذ نور الإيمان يشرق على قلبك جلست يوماً وحدك في ثلث الليل الأخير وتذكرت ذنوبك وما أسلفت فقلت ياويلي كيف أقابل ربي بتلك الذنوب العظيمة فانهمرت من عينيك دموعاً من خشية الله وفرقاً من لقاء الله، فالله أكبر ما أعظمها من دموع تعدل الدنيا وما عليها أتدري لماذا أخي؟. لأنك بتلك القطرات الطاهرات التي انهملت من خشية الله قد حجزت مكاناً لك تحت ظل عرش الرحمن جل جلاله بشرك بذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى بقوله فيما أخرجه الأمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه :(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )(البخاري،الأذان،ح(620)).ابشر..ابشر أخي فهنيئاً لك نجاة من نار وقودها الناس والحجارة زف لك تلك البشرى نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الأمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ)(الترمذي،فضائل الجهاد،ح(1557)حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).قال صالح المري:"سمعت يزيد الرقاشي يقول:إذا أنت لم تبك على ذنبك فمن يبكي لك بعدك؟.ثم بكىصالح وقال:ياإخوتاه ابكوا على الذنوب،فإنها ترين القلب حتى ينطمس،فلا يصل إليه من خير الموعظة شيء ".[ابن أبي الدنيا:186].عن مالك بن دينار قال:البكاء على الخطيئة يحط الذنوب كما تحط الريح الورق اليابس.[ابن أبي الدنيا:25].أبشر أخي فما أظنك إلا قد صدقت مع الله قال أبو معاوية الأسود:"من أكثر لله الصدق ندِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما".[ابن أبي الدنيا:71].ابشر أخي فما أخالك إلا أن ذنوبك فد قلت فسح دمعك فعن مكحول قال:"أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً".[ابن أبي الدنيا:66].كأني بك أخي قد تملكت خشية الله من قلبك فها أنت..نعم أنت وأنت تستعد لصلاتك وبعد الوضوء انهمرت عيناك بالبكاء لاستشعارك عظمة من ستقف بين يديه؛حدث أبو سعيد قال:رأيت منصوراً (هو ابن زاذان) توضأ يوماً،فلما فرغ دمعت عيناه،ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته،فقلت:رحمك الله ما شأنك؟. قال:وأي شيء أعظم من شأني؟.إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم.[ابن أبي الدنيا:149].كأني بك وقد بكيت في وقوفك وركوعك وسجودك، فهذا عمر بن عبد العزيز لما رفع رأسه من السجود خلف المقام،نظروا إلى موضع سجوده مبتلاً من دموع عينيه!.[ابن أبي الدنيا:128].وقال محمد الزراد:صليت إلى جنب رياح القيسي،فكنت أسمع وقع دموعه على البواري أمثال الوكف:طق طق.[ابن أبي الدنيا:131].وصلى يوماً مالك بن دينار العصر،فلما سلم عضّ على إصبعه،فلم تزل عيناه تدمعان حتى غابت الشمس.[ابن أبي الدنيا:244].أخي الحبيب انظر بما فزت انظر بما خرجت من رمضان فوالله ثم والله ثم والله لو لم تخرج من رمضان إلا بتلك الخشية وتلك الدموع الطاهرة لكفى.ولتعرف نعمة الله عليك انظر أخي لذاك الذي ما تأثر من رمضان ولا بشعرة واحدة عسكرت الدنيا على قلبه فملكت عليه مجامعه فهاهو القرآن يتلى في صلاة التراويح وقلبه في غفلة يتفكر في المسلسلات أو يسيح في أودية الدنيا العميقة فما يفيق إلا والإمام يكبر للركوع،بل ها هو يفتح المصحف بين يديه يتلوا آياته وقلبه مشغول بمشاغل من الدنيا وهكذا عياذاً بالله،فقولوا لمثل هذا متى..متى يا أخي يرق قلبك إن لم يرق في رمضان؟.متى..متى يا أخي يغزر دمعك أن لم يغزر في رمضان؟.أما آن بالله عليك أن ترعي سمعك فهذا ربك..نعم هذا ربك وحبيبك وخالقك يناديك نداء المحب المشفق الراحم بك بل والله يناديني وينادي كل غافل بقوله:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }(الحديد:16).
أخي الحبيب إني أرجوك ثم أرجوك ثم أرجوك أن تغتنم الدعوة المستجابة للصائم في رمضان فتدعو لنفسك ولي وللمسلمين أن يلين الله ما قسى من قلوبنا و أن يرطب ما جف من عيوننا بدمع الخشية؛أقبل أخي على ربك وناجيه مبتهلاً قائلاً:إلهي بقلبـي يطيف العناء...ونفسي غدت مسرحاً للشقاء..أتمضي الحياة كذا مـرة...فلا من خشوع ولا من بكاء...وألمح حولي ألوف العباد...وأدمعهم من سنا وسناء !!!!؛{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ()سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }(الحديد:20-21).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد : فأبشركم يا أحباب الله بقدوم موسم هو من أفضل مواسم العمل الصالح في العام ألا وهي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله فيها : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ()وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ()لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ()تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ()سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }(سورة القدر).فليلة واحدة خير من عبادة ما يزيد على ثلاث وثمانين عاماً، هذه الليلة كان يتحراها نبيكم وقدوتكم صلى الله عليه وسلم فكان يترك الدنيا كلها وراء ظهره ويتفرغ العشر كاملة معتكفاً في المسجد وقد أخبرتكم أمكم أم المؤمنين الطاهرة المبرئة من فوق سبع سموات عن حاله بقوله (إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)(البخاري،التراويح،ح(1884)).فالله الله في العشر فإن المحروم من حرم خيرها.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية