اطبع هذه الصفحة


الاستعداد للنوازل

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الذي له القوة جميعاً،وبيده الأمر جميعاً،وإليه يعود الأمر جميعاً ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وآلائه جميعاً،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا في حكمه ولا في ربوبيته ولا في إلهيته تفرد سبحانه بالأسماء الحسنى والصفات العلا جميعاً ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله وخير الثقلين جميعاً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان جميعاً.أما بعد:ف { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (1)
جالس في غرفته مشغول بشهواته وقنواته ولعبه وشيشته أو سيجارته وبطبله ومزماره ، والحريق يلتهم الغرف المجاورة وهو لا يلقي له بالاً يقول في الغرفة المجاورة ولم يصلني بعد إذا وصلني فسوف أتصرف ،دخل عليه الدخان وأزكم أنفه وهو يقول : هذا دخان أما النار فلم تصل بعد،فقولوا لي بربكم إذا دخلت عليه النار كيف سينجو؟ وإن نجا فهل ينجو سليماً أم يصيبه من الأذى ما يصيبه ؟
هذه القصة قصة خيالية ولكنها تصور حال بعض الناس في المجتمع ؛ فهذه فلسطين الحبيبة تشتعل بأبطالها المجاهدين ناراً،وهذه طبول الحرب تقرع من حولنا ، وهذه أعين الحقد والحسد ترمي بلادنا بنظراتها الكريهة ، وهذه ألسنة وأقلام السوء تفرغ ما يدور على بلادنا من مكر وخطط في الخفاء ، وتعبر عما تحتويه القلوب الخبيثة الرعناء ، فأين من حس بخطورة الأمر ؟ وأين من استشعر فداحة الخطب؟ . عشنا حرب الخليج الأولى وأصابنا فيها ما أصابنا وصرف الله عنا شرها ، وعشنا حرب الخليج الثانية وكانت وطأتها على الناس أشد من الأولى وعانا فيها الناس ما عانوا ثم صرف الله عنا بكرمه وفضله شرها وشررها ، وهاهي حرب الخليج الثالثة تطل برأسها وقد تكون أشد وأدهى وأمر والسؤال : لم لا نسع لدفع شرها عنا وعن المسلمين ؟ كيف يكون ذلك ؟ .
الحرب بلاء ومصيبة وكرب وشدة ؛ والمصائب والبلايا لا تنزل إلا بالذنوب والخطايا قرر ذلك رب العالمين بقوله { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (2) . فهل استيقظ أهل الذنوب والخطايا وعادوا إلى رشدهم وتابوا من ذنبهم من قبل أن تحل بنا البلايا والمحن لا قدر الله فالله يقول في محكم التنزيل : { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } (3) . فإن أول ما يستدفع به البلاء الإقلاع عن سببه وهو الذنوب والخطايا ، ومما يدفع به البلاء الدعاء أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه فيما أخرجه الإمام الترمذي عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ ))(4) . ومن دعائه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ)(7) .ولكن أي دعاء ؟ دعاء من قلب خالص ، دعاء من يد نظيفة لم تمتد إلى الربا أو الحرام ، دعاء من قوم كانوا يذكرون الله في الرخاء فيذكرهم الله في الشدة؛ أخرج الإمام الترمذي في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ))(5) . ومما يرفع به البلاء بعد وقوعه أيضاً الدعاء ولكن يؤثر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين ذلك لنا نبينا وحبيبنا صلوات ربي وسلامه عليه بقوله : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ))(6) .فما بال أقوام يخجلون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ بل مابال أقوام يحاربون من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ ماذا بالقوم اينتظرون أن يحل بنا لا قدر الله عقاباً من الله ثم ندعو فلا يستجاب لنا ؟ . ومما يدفع به البلاء الاستغفار فقد قال الرحيم الرحمن : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (8) . قال ابن عباس رضي الله عنهما كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار ، وقد تنزل البلايا والمحن بالفئة المؤمنة والدولة المسلمة ابتلاء واختباراً وتمحيصاً للمؤمنين قال العليم الخبير : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ()وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ()أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } (9). بل قد يشتد عليها الامتحان والبلاء كما اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدولة الإسلامية الأولى وقد ضرب الله لنا في كتابه أمثلة على ذلك منها قوله عز شأنه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } (10) . فينظر الله إلى حال عباده فإن صبروا واتقوا جعل لهم فرجاً ومخرجاً ورد عنهم كيد الكائدين كما وعدهم بقوله : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (11) .

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ...أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وليكن دور كل واحد منا تنبيه من غفل من أهله وجيرانه ومن حوله إلى ما يدبر لأمة الإسلام عامة ولهذه البلاد المباركة خاصة ، أيها الأحبة في الله لنأخذ أنفسنا وأولادنا وأزواجنا بكل ما يدفع البلاء والفتنة عنا وعن بلادنا ؛ ولنعتبر بأمم ودول أخرى أصابتها الحروب والبلايا فأصبح حالها في شر حال ؛ خوف وفقر وجوع وغيرها من المصائب والمحن، كما أن على المدرسين والمدرسات أن يوجهوا أبناء المسلمين نحو الطاعة والاستغفار والدعاء على الله أن يجنبنا البلايا والمحن.


-------------
(1) آ ل عمران:102.(2)آل عمران:165.(3)الرعد:31.(4)الترمذي،القدر،ح(2065).(5)الترمذي،الدعوات،ح(3304) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.(6)الترمذي،الفتن،ح(2095) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. (7)مسلم،كتاب الذكر والدعاء،ح(4880)..(8) الأنفال:33. (9) آل عمران:140-142.(10)البقرة:214.(11)آل عمران:120.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية