اطبع هذه الصفحة


يوميات مسلم (25) دخول المنزل والإفطار

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله الملك القدوس السلام،أكرمنا بخير منهج للحياة وأعظم دين إنه الإسلام،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يدعى ولا ند له يرام،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين الإنس والجان،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة سرمدية على الدوام.أمابعد:فاعلموا رحمني الله وإياكم أن التقوى سبب النجاح والفلاح قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(الحديد: 28). أيها الأحبة في الله تحدثنا في الحلقات الماضية من سلسلة يوميات مسلم عن حال المسلم منذ استيقاظه وحتى انتهائه من أذكار الصباح،خلال ثمانية عشرة خطبة ثم أدركنا موسم رمضان فانتقلنا لحال المسلم في رمضان وبعد رمضان، واليوم ننتقل للحديث عن أعمالك أخي الحبيب من لحظة خروجك من المسجد؛ حيث تخرج وأنت متحسر على ذلك متشوف متى تعود إليه لما وجدته من لذة في بيت الله وحينما تكون كذلك تبشر بوعد الصادق المصدوق لك بقوله كما في الصحيح (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )(البخاري،الأذان،ح(620)).ثم عند الخروج يسن لك أن تتأسى بما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ )(احمد،باقي مسند الأنصار،ح(25213)).وتَحْتَسبُ خطواتك وأنت عائد لبيتك كما احتسبتها عند ذهابك للمسجد لما أخرجه الإمام مسلم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ:كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ قَالَ فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ)(مسلم،المساجد،ح(1065)).وهنا ينبغي عليك ألا تكدر الطاعة التي أنت فيها وترتكب ما يخالفها كأن تتحدث-لا قدر الله- في طريق العودة بغيبة أو نميمة،وبعض الناس يشعل سيجارته مع أول خطوة يضع فيها رجله خارج المسجد!.فنقول له ضيعت على نفسك فرصة أجر الخطوات للمسجد فلو شغلت نفسك بذكر الله لكان أولى وأجمل بك؛وكما أن بعض الناس يظن أن عبوديته لله تنتهي بانتهاء رمضان فإن منهم من يظن أن عبوديته لله تنتهي بانتهاء الصلاة وخروجه من المسجد،ثم إذا وصل بيته وفتح الباب سن له أن يقول دعاء الدخول للمنزل لما أخرجه أبوداود عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ)(أبوداود،الأدب،ح(4432)).وقد جاء التسليم على الأهل في قوله تعالى {..فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(النور:61)؛ "قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والزهري:يعني فليسلم بعضكم على بعض.وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير, سمعت جابر بن عبد الله يقول:إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة, قال:ما رأيته إلا يوجبه. وروى الثوري عن عبد الكريم الجزري عن مجاهدقال:إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: بسم الله والحمد لله, السلام علينا من ربنا, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين,وقال قتادة:إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم, وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين,فإنه كان يُؤمر بذلك,وحُدِثنا أن الملائكة ترد عليه."(انظرتفسير ابن كثير للآية).وأخرج الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ)(الترمذي،الاستئذان،ح(2622[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ])).الله أكبر فما أعظمها من سنة غفل عنها كثير من الناس السلام على أهله حال الدخول.ثم ليحرص على أن يتناول الإفطار مع أولاده وزوجته أما إن كانت الأم مريضة أو متعبة من السهر مع الأولاد أو أعمال البيت فلتعده أحد البنيات في الثانوية أو الجامعة بدلاً عنها،فإن لم يكن هناك بنيات كبيرات يجهز الأب الطعام لأولاده أو حتى أحد الأولاد ويفطرون سوياً يتجاذبون أطراف الحديث فهذا مما يهيئ الأولاد نفسياً لاستقبال يومهم بنشاط وحيوية ووجبة الإفطار كما يقرر الأطباء من أهم وجبات الإنسان،وكم من الناس اليوم يتهاون فيها فيذهب ليفطر مع زملاء العمل والأولاد يظلون بلا طعام لثلاث أو أربع حصص دراسية وفي الغالب تكون حصص المواد الصعبة في بداية اليوم فكيف يستوعبون ما يدرَّس فيها!.وقد يقول قائل لا يوجد وقت لما تقول. فأقول له بلى والله إن هناك وقتاً لو رتبنا أنفسنا بأن نعود الأبناء النوم مبكرين وأن يرتبوا جميع احتياجاتهم من الليل بحيث لا يبقى لهم في الصباح سوى تبديل الملابس والإفطار، وإذا استيقظوا مع أذان الفجر أو قبيله فبإمكانهم الاستعداد الجيد،و مع ما يضفيه الاجتماع على طعام الإفطار من جو التماسك الأسري والراحة النفسية للأولاد فإنه فرصة أيضاً لمتابعة الأولاد في أذكار الصباح وبعض أمور المدرسة،واكتشاف ما يحتاجونه من آداب الطعام فيتم توجيههم فيها ونحو ذلك،وعلى الأب أن يعود الأولاد على افتتاح يومهم بقراءة شيئٍ من القرآن ولو سورة صغيرة ،ثم بعد تناول الطعام يتوجه الأبناء لتوديع أمهم والسلام على يدها ورأسها ويطلبون منها الدعاء بالتوفيق قبل الخروج ففي دعائها لهم بركة كبيرة وعلى الأم أن تتجاوب مع ذلك وتودعهم بالابتسامة والدعاء وتشيعهم حتى الباب هكذا حياة الأسرة المسلمة حب وتآخي و احترام ومودة ورحمة كما وصفها ربنا بقوله:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(الروم:21).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن ما تتحملونه وتبذلونه اليوم في تربية أبنائكم وإشاعة جو التماسك الأسري بينهم ستجنون ثماره غداً يانعة طيبة في صورة بر من الأبناء وشدة حب واحترام لكم،أما تلك الأسرة التي لا تهتم بأبنائها فالزوجة كل يوم نائمة والأطفال إما أن تعد لهم الخادمة طعام الإفطار أو قد لا يفطرون فتمضي عليهم الحصص الأولى وهم في قلة تركيز لانخفاض نسبة السكريات في الدم والبنات الكبيرات لا يشعرن بالمسؤولية تجاه إخوانهم وأسرتهم فلا يهتمون بهم،أو تكون الأم عاملة مما يقتضي الأمر خروج الأسرة من الصباح الباكر سريعاً وهم في حالة استنفار كجنود الطوارئ فتلك الأسرة وما شاكلها يخشى أن تجني غداً ثماراً مرة لنمط تربيتها الخاطئ في صورة تفكك أسري وعقوق وغيرها حفظنا الله وإياكم من السوء .

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية