اطبع هذه الصفحة


يوميات مسلم (31) كيف يقضي الموظفون أوقاتهم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدالله تفرد بالأسماء الحسنى والصفات العلى ماضره من كذَّب رسله أو على جنابه افترى احمده جل شأنه وأشكره أمر بشغل الأوقات والنفوس بالقضايا العلى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتغى ولا ند له يرتجى وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً صاحب الشفاعة التي ترتجى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولى الأبصار والنهى.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بالأمان النفسي والأمان المعيشي وعدكم بذلك ربكم وربكم لا يخلف الميعاد بقوله: { ...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً } (الطلاق2-3).
أيها الأحبة في الله ويتجدد اللقاء مع هذه السلسلة المباركة سلسلة يوميات مسلم وقد توقفنا في الخطبة الماضية مع المسلم والمسلمة وهم في أعمالهم وواجبهم تجاه المراجعين والطلاب واليوم بإذن الله سيكون الحديث عن كيف تُقضى الأوقات؟.
الموظف أحبتي يقضي من ساعات يومه جالساً مع زملاء العمل أكثر من ساعات اليوم التي يقضيها مع زوجته وأولاده،وكذا المدرس والمدرسة يمضون من ساعات يومهم مع طلاب مدرستهم وزملائهم من المعلمين والمعلمات ساعات أكثر من تلك التي يمضونها مع أهليهم في بيوتهم،وكذا كافة فئات العمل من تاجر وحرفي وصانع وغيرهم ؛ فهم في بيوتهم يقضون الساعات بين النوم أو قراءة الصحيفة اليومية أو الانشغال خارج المنزل لقضاء حوائج المنزل أو للقيام ببعض الواجبات الاجتماعية وكذا المرأة مشغولة في البيت بإعداد الطعام وتنظيف المنزل والتحضير لعمل اليوم التالي وهكذا.. إذاً دعونا نتفق بأن أغلب ساعات اليوم يمضيها كل واحد منَّا في تجمع بشري صغير كان أم كبير وهو في كامل اليقظة والقدرة على الحديث والتأثير ، فقولوا لي بربكم فيما يقضي الموظفون والمعلمون والمعلمات وغيرهم من فئات المجتمع تلك الساعات الطويلة؟.
مع الأسف هناك فئات تمضيها في اغتياب المدير وتنقصه إما من باب الحسد لما يحقق من نجاحات وإما لتنفيس غيظ عليه لا يستطيعون مواجهته به،أو حتى أحياناً تُمضى في اغتياب زملاء لهم وهكذا يجتمعون على كبيرة عظيمة فهم كقوم اجتمعوا على جثة أخ مسلم لهم مطروحة بين أيديهم يقطعون من لحمه ليضعوه في بطونهم!! هكذا شبههم الله بقوله موجهاً ومحذراً : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } (الحجرات:12).فنقول لأولئك القوم قولوا لنا بربكم كيف تستطيبون أكل لحم الأموات؟.كيف ترضون بمشابهة صاحب الخسارة والإفلاس يوم القيامة وقد حذركم نبيكم ورسولكم سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بقوله:(أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)(مسلم،البر والصلة..،ح(4678)).ومن تلك الفئات من اتخذوا من أحد زملائهم مجالاً للسخرية فيجتمعون عليه يتنقصونه ويزدرونه ويتضاحكون ويتمايل بعضهم على بعض وهكذا في كل يوم حتى إن أحدهم قد يمضي يومه السابق يفكر ويخترع النكات ووسائل السخرية بذاك الزميل وقد يكون ذالك منهم لضعف شخصيته أو عقله أو نحو ذلك فنقول لهم الحذار ..الحذار فقد حذركم ربكم من ذلك بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الحجرات:11).
فقد حذر الله من تلك السخرية الرجل والمرأة سواء في المنظر أو الكلام أو المِشيَّة أو نحوها وقال كما في ختام الآية { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فهيا أخي يا من وقعت في مثل ذلك عن جهل أو مجاراة لأصدقائك،هي قم واقرع باب التوبة قبل أن يصدق عليك وصف ربك فتكون من الظالمين.
أخي الحبيب يا من وقعت في ذلك أما علمت أنه يُحْزِنُ أخاك المسلم؟.وقد يولد في قلبه الضغينة والحقد على إخوانه المؤمنين.فهل يسهم هذا في وحدة الأمة أم في فرقتها؟.فإن قلت أنه يسهم في فرقتها فقلي بربك لما تكون أنت معول هدم في الأمة؟. هل تسمح لي أن أدعوك لأن تكون من اليوم أداة بناء؟.قد تقول لي لا أستطيع كل زملاء العمل يفعلون ذلك!!.فأقول لك أما سمعت نبيك وحبيبك سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وهو يقول لك ناصحاً فيما أخرجه الإمام الترمذي عن حُذَيْفَةَ:(لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا)(الترمذي،البر والصلة،ح(1930)[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ]).
أخي الحبيب قل لي بربك صادقاً كيف هو شعورك لو كنت أنت من اجتمع عليه القوم واختاروه ليكون مادة للسخرية والاستهزاء؟.لا شك أن مجرد هذا السؤال قد استثارك وغضبت كيف نفكر مجرد التفكير أن تكون أنت مكانه فكيف كيف أخي الحبيب ترضى لأخيك ما لا ترضاه لنفسك؟. وحبيبك صلى الله عليه وسلم يضع لك قاعدة ذهبية عظيمة في جميع التعاملات المالية والأخلاقية يرويها الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ عَنْ سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)(البخاري،الإيمان،ح(12)).
أرجوك أخي الحبيب ثم أرجوك أن تجعل هذه القاعدة العظيمة نصب عينيك دائماً أبداً وفي كل تعاملاتك.أخي الحبيب أختي الحبيبة هل يرضيكم أن تأتوا يوم القيامة وقد حَمْلَّتُمْ تلك الساعات الكثيرة النفيسة بذنوب عظيمة.أيها الأحبة في الله أعطوني آذانكم لأسكب فيها من نور الوحي الإلهي ودعوا ذلك النور يسري إلى قلوبكم لتشعروا بلذته فتنعكس سلوكاً في حياتكم اسمعوا لربكم الرؤوف الرحيم وهو يخاطبكم ناصحاً مشفقاً بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ()وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (الحشر:18-19).

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن من تلك الفئات من يمضي وقته دالاً أو داعياً إلى فساد فيدل على قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية تنشر الرذيلة عياذاً بالله ونحو ذلك فمثل هذا قد تضاعفت خسارته أخبر عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سيدي أبا القاسم رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(.. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)(مسلم،العلم،ح(4831)).ومنهم من يشغل وقته بالانغماس في الدنيا كالحديث عن الكرة أو الأسهم أو العقارات ونحوها مما يعمق غفلة الأمة عن دينها وربها وشريعتها!. وهنا قد يسأل البعض ذكرت ما ذكرت فأين الحل؟. فأقول له موعدي معك بإذن الله في الجمعة القادمة

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية