اطبع هذه الصفحة


نداء من فلسطين

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله العزيز الجبار المقتدر،جعل كل شيء بقضاء وقدر، أحمده جل في علاه عدد ما أنعم وينعم على الخليقة والبشر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له لا يحاط بعلمه ولا يدركه البصر، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه عدد قطر المطر وشعر الوبر.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله سبب للمدد والنصر الإلهي قال تعالى في محكم التنزيل:{ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران:125).
معاشر المؤمنين مع تزايد الهجمة الشرسة واستمرار الحصار الآثم على إخواننا في أرض الإسراء والمعراج كأني بصوت خافت من تلك الأرض المباركة يناديكم يا أبناء أمة الإسلام العظيمة فيقول لك: أخي المسلم الحبيب هل تشعر بمعاناتي التي أعيشها؟.
هل علمت أن إخوانك هنا جيران الأقصى يعيشون في سجن كبير تحيط به الدبابات والآليات العسكرية من كل مكان؟.أخي الحبيب ما شعورك إذا قدمت متعباً للمنزل وأردت تشغيل جهاز التكييف فلم يستجب لك؟.
ما شعورك لو انقطع عنك تيار الكهرباء ليلاً فأصبحت في ظلام دامس لا ترى يدك وزوجتك وأولادك حولك يضجون يصرخون متشبتين بك من الخوف؟.ما شعورك لو فتحت باب ثلاجتك فوجدت أن طعامك جميعه قد فسد؟.
هذا الطعام الذي لم تحصل عليه إلا بشق الأنفس فكيف بإحضار بديل عنه؟.كيف ..وكيف..معاناة يومية لا كاشف لها إلا الله وحده..إنها معاناة شعب وليست معاناة فرد، أخي الحبيب استمع معي لآخر الإحصائيات عما ترتب على انقطاع الكهرباء لدينا هنا في قطاع غزة
(صباح محمد/ غزة : 200ألف أسرة فلسطينية تواجه الموت جوعاً،مجلة المجتمع،العدد(1709)،13-19/6/1427هـ،ص28)؛هنا في قطاع غزة أكثر من مائتي ألف أسرة تعيش بلا كهرباء وتكلفهم مصادر الإنارة البديلة أكثر من نصف مليون شيكل يومياً،هنا في قطاع غزة سبعة آلاف وأربعمائة وثمانية عشر منشأة عاملة معرضة لتلف جزء كبير من محتوياتها من المواد الغذائية والطبية جراء انقطاع التيار الكهربائي؛ هنا في قطاع غزة مئةٌ وعشرون طُناً من المواد الغذائية تفسد وإخوانكم بحاجة للقمة الطعام،هنا في قطاع غزة كمية هائلة من الأدوية المهمة تحتاج في تخزينها لدرجات حرارة معينة عن طريق التبريد ستفسد ويفقدها المرضى وهم في أمس الحاجة لها،هنا في قطاع غزة اثنان وعشرون مستشفى يعاني من انقطاع الكهرباء مما يعطل مائتي عملية جراحية ضرورية يومياً،علاوة على تهديد حياة مائتين وخمسين مصاباً بالفشل الكلوي نتيجة تعطل وحدات غسيل الكلى التي تعتمد في عملها على الكهرباء،نعم قد يستقبل بعض إخواننا خبر قصف اليهود لمحطة الكهرباء في غزة وتدميرها بالكامل بهدوء وأنه مجرد انقطاع للكهرباء ولم يستحضر ما ترتب على تلك العملية ألا إنسانية القذرة،إخوانكم هنا في قطاع غزة يصارعون الموت جوعاً،فعجباً لحضارة زائفة إذا حدثت مجاعة في بلد تنادى الناس باسم الإنسانية لإغاثة الشعب المنكوب بالأطعمة والأدوية،ونحن هنا في قطاع غزة نعيش تجويعاً متعمداً ولكن ضمير الإنسانية لا يهتز لنا ولا يشعر بنا وكأننا نعيش في عالم آخر،أوكأن الضمير العالمي والإنسانية العالمية تحرك بجهاز التحكم عن بعد (الريموت كنترول)الذي يديره الصهاينة؛قتل امرئ في غابةٍ جريمةٌ لا تغتفر..وقتلُ شعبٍ مسلمٍ مسألةٌ فيها نظر!!.
هنا في قطاع غزة المخزون الغذائي من السلع الأساسية (الدقيق والأرز ونحوها) المتوفر لدى الأسر لا يكفيها في أحسن الأحوال لأكثر من أسبوعين!!.
فهل شعر المسلم الذي يسرف في الطعام ويتلذذ بأنواعه أن إخوانه هنا في قطاع غزة لا يريدون إلا النوع الأساسي منه فقط ليعيشوا؟.هل علمت أخي أن هناك ما لا يقل عن ثلاثين ألف طفل فلسطيني يعانون من سوء التغذية المزمن؟.هل علمت أخي أنه خلال أسبوع واحد فقط ستفقد مئةٌ وسبعون ألف أسرة هنا في قطاع غزة مصدر الوقود للطبخ، هنا في قطاع غزة فقدت مائتان وأربعون أسرة مصدر دخلها الرئيس للطعام وهو صيد الأسماك نتيجة الحصار البحري المفروض على غزة كما يتكبد الصيادون خسائر يومية تقدر بحوالي نصف مليون شيكل،هنا يحرم قطاع غزة من التزود بما يعادل ثلاثين طُناً من الأسماك يومياً،إضافة لمخاوف الصيادين من فقدان مراكب الصيد الموجودة في عرض البحر وتقدر بحوالي ثلاثمائة مركباً،هنا في قطاع غزة ثمانية آلاف وثمانمائة أسرة لا يستطيعون التزود بالمياه الصالحة للشرب وقد ارتفعت نسبة الإسهال جراء تلوث المياه.
إخوة الإيمان أنتم في هذه الأيام تزفون أبناءكم في جو من الفرح،ونحن هنا إخوانكم في فلسطين نزف أبناءنا الشهداء إلى جنان ربهم في جو من الحزن واليتم والترمل،في هذه الأيام تعيش طائفةٌ من أمة الإسلام متعةَ الإجازة الصيفية ونحن نعيشها بين الخوف والفقر والجوع والقصف والقتل والدماء،ينامُ الغافلون ولاننامُ..وفي أفواهنا قتل الكلامُ..وفي اسماعنا ضجت خطوبٌ..وعن أبصارنا حجب الغمامُ..وموج الحادثات طغى علينا..فغاصت فيه أجسامٌ عظامُ..فمن ذا أجج الآهات فينا..وكيف توغلت فينا السهامُ؟..وكيف تمزقت أثوابُ عزٍ..وبُدلت المذلةُ والخصامُ..أجيبوا يابني الإسلام إني ..أرى قومي على الأحزان ناموا ..يؤرق مقلة الإسلامِ وغدٌ..ويذكي نار أمتنا اللئامُ.أتدرون بني قومي ما جريمتنا حتى رمتنا الأمم عن قوس واحدة هي والله كما قال ربي في كتابه { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .
أخي الحبيب كم يحزنني أن أعيش ما أنا فيه وإخوتي في الدين والعقيدة مشغولون بشهواتهم ودنياهم وكأن الأمر لا يعنيهم،أخي كل ما أرجوه منك أن تسعى لتعيش وصية نبيا وحبيبن صلى الله عليه وسلم التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ صلى الله عليه وسلم :((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))(مسلم،البروالصلة،ح(4685)).
ومع كل الآلام التي نعيشها فإني أقول لكم أبشروا فإن الله منتقم عظيم فهاهو الهالك شارون أفسد وقتل وهو معذب محبوس في جسده ملقى في زاوية مستشفى بسيط، أقول أبشروا فإن إخوانكم يضيئون ظلمة ليلهم بنور صلاتهم وبنور إيمانهم،أبشروا فإن إخوانكم يستمدون عزمهم وقوة صبرهم التي أذهلت العالم من ثقتهم بوعد من لا يخلف الميعاد بأن الفجر آت وأن النصر قريب ثقة بقول ربنا جل في علاه:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن نصرة المؤمن لأخيه المؤمن واجبة لقول سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))(البخاري،المظالم والغصب،ح(2262)).
وإني أدعوكم ونفسي لاستخدام السلاح لنصر إخواننا،نعم سلاح استهان به كثير من الناس ألا وهو الدعاء فلنتواصى يا أهل مكة يا جيران الحرام بأن نفزع في عصر هذا اليوم إلى بيت الله الحرام ابتغاء ساعة الإجابة لنضج إلى الله بالدعاء الخالص والبكاء أن يفرج الله القوي المقتدر عن إخواننا في فلسطين وفي غيرها وأن يعجل بنصرهم وقد وعد ربكم وربكم لا يخلف الميعاد بقوله:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).
وما يدريك أخي قد تكون دعوتك سبب سعادة الأمة ودفع البلاء عنها كما دفع الله بلاء التتار عن أمة الإسلام بدعوة القائد المسلم الملك المظفر قطز وما ذلك على الله بعزيز.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية