اطبع هذه الصفحة


هل أنت من الثابتين..؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله إله الأولين والآخرين،جامع الناس ليوم الدين،وناصر عباده المؤمنين ولو بعد حين، أحمده جل في علاه وأشكره على نعمة الثبات على الهدى والدعوة إلى الدين،وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريق الهدى والدعوة إليه إلى يوم الدين.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن التقوى متى ما خالطها الصبر كانت سبباً لحسن العاقبة في الدنيا والآخرة؛فهذا نبي الله يوسف عليه السلام تعرض لما لو تعرض له جبل أشم لانهار وتحطم؛فمن ظلم إخوته،لظلم امرأة العزيز،لسجنه حتى بعد ما ظهرت براءته كالشمس في رابعة النهار،فاتقى وصبر فكانت العاقبة له؛اعترفت امرأة العزيز بظلمها له، ومكَّن الله له في الأرض،واعترف إخوته بظلمهم له،فقال تلك المقولة الخالدة التي خلدها الله في كتابه إلى يوم الدين:{..إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(يوسف:90).
أخي في الله معي اليوم رسالة خاصة لك بوصفك فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ رسالة خاصة لك بوصفك مؤمن أدرك دوره الرئيس في الحياة، أدرك أنه رسول للبشرية أجمعين، فكما تعلم أخي الحبيب كانت الأمم من قبلنا إذا مات فيها نبي بعث نبي آخر يحمل الدعوة، ولكن بعد موت سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي والناس أجمعين،أصبحت أمانة الدعوة إلى الله طوق في عنقك أنت وفي عنقي أنا وفي عنقه هو وفي عنقها هي وفي أعناق أفراد الأمة أجمعين ذكوراً وإناثاً شيباً وشباناً كل على قدر علمه وجهده وطاقته لا يعفى منها أحد؛واسمع معي لنبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم وهو يقلدك ويقلد أفراد الأمة جميعاً تلك الأمانة بقوله فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))(البخاري،أحاديث الأنبياء،ج(3202)).
فلا إله إلا الله كم من أمة خير الورى صلى الله عليه وسلم خلعوا قلادة نبيهم وحبيبهم ولبسوا قلادة عدو الله وعدوهم؛اتخذوا الطريق المعاكس فقاموا يبلغون عن عدو الله وعدو الإنسانية إبليس أجارنا الله وإياكم من مكره؛ فتجدهم يدعون الناس إلى العلمانية بكل قذرها ونتنها:إلى إفساد المرأة،إلى التعري،إلى الفجور،إلى القنوات الماجنة،إلى مسلسلات وأفلام الحب والخنى،إلى الغناء،إلى المخدرات والمسكرات،إلى التدخين، إلى الإرهاب وسفك الدماء المعصومة،إلى بدع في الدين ما أنزل الله بها من سلطان، يدعون لكل ما يضعف الأمة ويبعدها عن ربها ودينها وسبل قوتها وعزتها،وأمام ذلك التيار الجارف من تلك الدعوات الهدامة،ألقى قوم من أمة الإسلام سلاحهم الإيماني واكتفى الواحد منهم بصلاح نفسه وبيته، فنقول لمثل هذا الصنف من الناس إن هذا من تخذيل إبليس؛
أخي الحبيب أليس لك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟؛فهذا أنس بن النضر رضي الله عنه يرى بعض أفراد الجيش الإسلامي يوم أحد ألقى سلاحه وجلس مهموماً قد أصابه اليأس بعد أن سمع إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فصرخ فيهم صرخة أعادت فيهم الأمل صرخ قائلاً:إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل فما تنتظرون..؟.قوموا فموتوا على ما مات عليه.وهذا الصديق رضي الله عنه يوم أن مات النبي صلى الله عليه وسلم وكاد يتسرب اليأس لنفوس أفراد الأمة وتنتهي الدعوة الإسلامية صرخ بالأمة صرخة نزعت عنها دثار اليأس والقنوط والإحباط وأشعلت فيها جذوة الأمل والعمل؛صرخ فيها قائلاً:من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت؛فأخذت الأمة ترتب صفوفها من جديد وتختار خليفة لنبيها. ويوم أن أرتد من أرتد من العرب وأحدقت الأخطار بالمدينة وكاد يتسرب اليأس لنفوس أفراد الأمة وتنتهي الدعوة الإسلامية صرخ بالأمة صرخته الثانية قائلاً: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه؛فانطلقت جيوش قتال المرتدين فهزمتهم وثبتت دولة الإسلام، ثم أخذت تفتح فارس والروم وتنشر النور والضياء في الأرض.نعم هكذا هو ديننا، هكذا هي دعوتنا،لا ينبغي لمن حملها أن يسمح لخاطرة يأس واحدة تدب إلى قلبه؛لاشك أن المعوقات والمثبطات في طريق الدعوة إلى الله كثيرة ولكن أكبر وأعظم منها إصرار وثبات على الحق يستمد قوته من الاتصال برب الأرض والسموات جل في علاه. فإلى كل من بدأ اليأس يدب في قلبه من صلاح الأمة نقول له إن قدوتك في هذا المجال هم الأنبياء والرسل فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه تسعمائة وخمسين عاما ويصف لك ربك من آمن معه بقوله:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}(هود:40).فهل لبثت أخي تدعو إلى الله كما لبث نوح في قومه..؟.فما بالك إذاً قد بدأ اليأس يتسلل إلى نفسك..؟.
أخي الحبيب استمع إلى ربك وهو يقص عليك خبر نبي الله ذا النون عليه السلام وكيف أنه يئس من قومه فكان أن رُمي في البحر والتقمه الحوت فلما عاد إلى ربه وتاب أنجاه الله وكلفه بالرسالة مرة أخرى قال الله جل جلاله في سورة الأنبياء:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (الأنبياء:87). وقال في سورة الصافات(147-148) :{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ()فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.
أخي الحبيب أليس لك قدوة في نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم..؟.فقد كان يدعو لدين ربه حتى أخر نفس من أنفاسه؛أخرج الإمام ابن ماجة في سننه بسند صحيح عَنْ أُمِّنا أم المؤمنين أم سَلَمَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ:((الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ(ابن ماجة،الجنائز،ح(1614)). وعلى ذلك النهج سار أصحابه فهذا الفاروق رضي الله عنه وهو في سكرات موته يتدفق الدم من جسده أثر طعنات ذلك الج وسي اللعين إذ جاءه شاب أطال ثوبه فقال الفاروقرضي الله عنه ناصحاً: يا ابن أخي أرفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك.
أخي الحبيب إن طريق الدعوة إلى الله ليس فيه إشارات حمراء ولا خط نهاية ولا إجازة عرضية أو مرضية ما دام في الجسد عقل يعقل وقلب ينبض وعين تطرف.أمة الإيمان استمعوا لربكم وهو يوصيكم بقوله:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}(الحج:78).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الدنيا دار زراعة وأن الآخرة دار حصاد فطوبى لمن جاء يوم القيامة وقد ثقلت موازينه بأعمال غيره، دلهم على هدى فعملوه فكسب أجرهم وأجر من بعدهم إلى يوم القيامة؛ أخبرنا بذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلمفيما أخرجه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا))(مسلم،العلم،ح(4831)).
الله أكبر كم من الحسنات تصب عليك وأنت نائم على سريريك من أناس دللتهم وحببت إليهم صلاة الليل،وكم تصب الحسنات على قبرك وأنت ميت لآية أو حديث أودعاء علمته فأخذه من يعمل به ويعلمه..وهكذا.أمة الإسلام لنغرس في أنفسنا وأهلينا وأولادنا الصبر على الدعوة إلى الله وأن ديننا دين عمل لآخر لحظة في الحياة فذلك ما أمرنا به نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه:((إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))(الإمام أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(12512)).
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية