اطبع هذه الصفحة


مناسك الحج

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله الذي شرع لنا وهو الغني عنا وعن عبادتنا وعن الخلق أجمعين ما نتقرب به إليه ، ومانعلن فيه العبودية لجلاله ، أحمده سبحانه أن جعل موسم الحج من مواسم كرمه ونفحات جوده فكان موسماً يتفضل فيه على عباده بالرحمة والغفران ، وأشكره جل شأنه على جوده وفضله والإحسان ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له خالق الجنان ومدبر الأكوان المتفرد بالوحدانية فلا شركاء ولا أعوان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى الثقلين الإنس والجان ، والداعي إلى الرضوان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مالبى ملبٍ لله بصدق جنان ، وماتعلقت قلوب بنعيم الجنان .أما بعد : فأوصيكم ونفسي بوصية الله لعباده المؤمنين حيث يقول جل شأنه :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.،

عباد الله هذه شعائر الحج على الأبواب ومما يلزم العبد المؤمن حيالها أن يعرف كيفية الحج،وقد حاولت تلخيصها لكم في هذه الخطبة على النحو التالي:يحرم الحاج إن كان متمتعاً أو من أهل مكة من بيته ضحى يوم الثامن أما إن كان قارناً أو مفرداً فإنه يكون على إحرامه ثم يخرج من بيته إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم التاسع يقصر فيها الصلاة الرباعية بغير جمع ، فإذا طلعت شمس يوم التاسع سار من منى إلى عرفة فينزل بنمرة إن تيسر له ذلك وإلا فلا حرج ويأخذ قسطاً من الراحة، فإذا زالت الشمس يوم التاسع صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً ليطول وقت الدعاء،ثم يتفرغ بعدها للذكر و الدعاء والتضرع إلى الله عزوجل ويدعوا بما أحب رافعاً يديه مستقبلاً القبله ولو كان جبل الرحمة خلفه لأن السنة في الدعاء استقبال القبلة لا استقبال الجبل،وأي مكان وقف فيه بعرفة أجزأه لقوله صلى الله عليه وسلم :((وقفت هنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة) وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: (لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .ويوم عرفة أيها الأحبة في الله يوم عظيم عند ربكم ؛أخرج ابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم يُرى أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))، والذي سن صيام يوم عرفة لغير الحاج وورد أنه يكفر السنة الماضية والباقية.
فإن حصل له ملل أو أراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ماتيسر له من الكتب المفيدة خصوصاً فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان حسناً ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة،وحذار أحبتي من أن ينشغل الحاج في ذاك اليوم بالمعاصي والمنكرات او الملهيات فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة ولايدفع قبل الغروب،فإذا وصلها صلى بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين،وإن كان يخشى أن لايصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فإنه يصلي ولو قبل الوصول إليها ، ولايجوز أن يؤخر الصلاة إلى مابعد منتصف الليل،ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكراً بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جداً،وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقوله صلى الله عليه وسلم : ((وَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ)) ويكون حال الدعاء والذكر مستقبلاً القبلة رافعاً يديه ،قال تعالى:{ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ}،فإذا أسفقر جداً دفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى ويُسرع في وادي محسر فإذا وصل منى رمى جمرة العقبة -وهي الأخيرة مما يلي مكة- بسبع حصيات متتابعات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر نواة التمر تقريباً ، يكبر مع كل حصاة فإذا فرغ ذبح هديه ثم حلق رأسه إن كان ذكراً وأما الأنثى فحقها التقصير ويكون بذلك قد تحلل التحلل الأول،وحل له كل شيء إلا النساء،ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى للحج إن كان متمتعاً أما إن كان مفرداً أو قارناً فليس عليه إلا الطواف لأنه سعى سعي الحج بعد طواف القدوم،والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت. ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى وقد تحلل التحلل الثاني وحل له كل شيء حتى النساء ، فيبيت بمنى اليوم الحادي عشر والثاني عشر،ويرمي الجمرات الثلاثة إذا زالت الشمس في اليومين،والأفضل أن يذهب للرمي ماشياً وإن ركب فلا بأس،فيرمي الجمرة الصغرى وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى ويرفع يده ويكبر مع كل حصاة وهنا يجدر التنبيه إلى أنه ليس المقصود بالرمي هو الشاخص وإنما أن تقع الحصاة داخل الحوض،فعلى الحاج أن يتابع حصاته التي يرميها فإذا ضربت في الشاخص ثم خرجت خارج الحوض فعليه أن يرمي بدلاً عنها،كما أن على الحاج أن لايزاحم الناس بقوته وجسده،بل عليه أن يترفق بإخوانه المسلمين من الحجيج وبالذات النساء والشيوخ،ثم بعدها يتقدم ويأخذ قليلاً نحو اليمين ويدعو دعاء طويلاً بما أحب فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما سهل عليه ولو قليلاً ليصيب السنة ، ثم يرمي الجمرة الوسطى كما رمى الصغرى ويتقدم قليلاً ويأخذ ناحية اليسار ويدعو،ثم يرمي جمرة العقبة ولايقف عتدها.
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى ويشترط له الخروج من مى قبل الغروب فإن تأخر حتى غربت الشمس لزمه المبيت،أما إن تأخر بغير إختيار مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكت تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فلا يلزمه المبيت ، أما إن لزمه المبيت أو شاء أن يتأخر ويبيت بمزدلفة ليلة الثالث عشر فعليه رمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال،قال تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}،فإذا أراد الخروج من مكة إلى بلاده لم يخرج حتى يطوف بالبيت طواف الوداع ،لقول النبي صلى الله عليه وسلم :((لاينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت)) إلا أنه خُفف عن الحائض والنفساء فإنه ليس عليهم وداع ، فإن بقي الحاج بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رَحَلَهُ أو اشترى حاجة في الطريق فإنه لايعيد الطواف إلا إذا نوى تأخير السفر مثل أن يريد السفر في أول النهار فيطوف للوداع ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلاً فيلزمه إعادة الطواف.

أيها الأحبة في الله بقي مما يهم الحاج محظورات الإحرام،ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام،
القسم الأول: وهو مايحرم على الذكور والإناث ويشمل إزالة الشعر من الرأس أو من بقية الجسد،إلا ما كان بالعين مؤذياً أو سقط نتيجة حك الرأس أو الجسد،وتقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين إلا ظفر انكسر وتأذى به صاحبه فإنه يقص منه بمقدار ما يُذهب عنه الأذى،استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما،أما ما كان باقياً من آثار طيب قبل الإحرام فلا بأس به،والمباشرة لشهوة،ولبس القفازين وهما شراب اليدين،وقتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب ونحوها أما صيد البحر فحلال،وعقد النكاح فإن عقد فلا يصح العقد ويأثم.
القسم الثاني: وهو مايحرم على الذكور دون الإناث ويشمل لبس المخيط أي أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة ،ولابأس أن يلبس إزاراً أو رداءً مرقعاً،كما يجوز لبس ساعة اليد والنظارة وعقد رداءه وإزاره بمشبك أو نحوه،وتغطية الرأس ومنه الأذنان بملاصق كالعمامة والغترة ونحوهما،أما غير المتصل كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به
القسم الثالث: مايحرم على الإناث دون الذكور:ويشمل النقاب والبرقع ونحوها وهو أن تستر المرأة وجهها بشيء وتفتح لعينيها ماتنظر به،والأصل في المرأة في حال الإحرام أن تكشف وجهها إلا أن يراها الرجال الأجانب فإنه يجب عليه تغطيته ولافدية عليها سواء مس الغطاء وجهها أم لا.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ}

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي يسر لنا سبل عبادته ، وشرع للعبد مايكفر به خطيئته ، أحمده سبحانه وأشكره أن جعل اليسر شعار شريعته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسماءه وصفاته ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:
فاعلموا رحمني الله وإياكم أن من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام فله ثلاث حالات،
الحالة الأولى أن يفعل المحظور وهو معذور إما بالجهل أو النسيان أو النوم أو الإكراه،فهذا لا لإثم عليه ولا فدية لقوله تعالى:{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك ؛مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر فيجوز أن يفعل ذلك وعليه الفدية كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه،
الحالة الثالثة: وهي أن يفعل المحظور بلا حاجة ولا عذر فيكون آثماً وعليه الفدية،ومقدار الفدية في إزالة الشعر والظفر والطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس للرجل أو الوجه للمرأة ، في كل واحدة من تلك المحظورات التخيير بين ثلاثة أمور:ذبح شاة مما يجزيء في الأضحية،أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع،أو صيام ثلاثة أيام، وأي هذه الثلاث فعل أجزأته لقوله تعالى:{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أما المباشرة فيما دون الفرج فإن أنزل فعليه بدنة،وإن لا فعليه شاة وحجه صحيح في الحالتين،أما الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول فقد فسد حجه وعليه المضي فيه والحج في العام القابل وذبح بدنة،وإن كان بعد التحلل الأول فعليه شاة ويُحرم من التنعيم ليطوف محرماً،وإن وطء في عمرة أفسدها ولا يفسد النسك بغي الوطء في الفرج . ويكون التحلل الأول بعمل اثنين من ثلاثة رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصي والطواف أو السعي .أما في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل فإنه يخير بين ثلاثة أمور إما أن يذبح المثل ويفرق لحمه على فقراء الحرم،وإما أن يتصدق بقيمته طعاماً، وإما أن يصوم عن كل مسكين يوماً،فإن لم يكن للصيد مثل خير بين أمرين أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماُ لمساكين الحرم أو أن يصوم عن كل مسكين يوماً والله أعلم .
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية