اطبع هذه الصفحة


هل قمت بالمهمة..؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى أحمده جل جلاله وتقدست أ سماؤه على جميع نعمه الآخرة منها والأولى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له خلقنا لغاية عظمى ومهمة كبرى،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:
فيامن يريد العزة والتكريم عند رب العالمين هاك الطريق يدلك عليه ربك جل في علاه بقوله:{..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(الحجرات :13).
أخي الحبيب اليوم أود أن أحدثك عن قصتك وقصة أبيك بعد أن توفرت المعلومات الدقيقة التفصيلية عنها؛ أين كان أبوك آدم عليه السلام قبل أن يخلقه الله ؟.كنت أنت وأبوك عدماً كنتما هملاً ؛أخبرك عن ذلك ربك بقوله:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا }(الإنسان:1).ثم أكرم الله أباك بأن أخرجه من حال العدم إلى حال الوجود،وكان القوي المقتدر قادر على أن يقول لأبيك أدم كن فيكون،وكان القوي المقتدر قادر على أن يعهد بتصويرك لملك من ملائكته،لكن تأمل معي عظم التكريم الإلهي لك ولأبيك،ذلك التكريم العظيم الذي لا تملك إلا أن تقف أمامه خاشعاً مطأطأ رأسك عاجزاً عن شكر ذلك التكريم ..أتدري ما هو اسمع لربك وهو يخبرك عن ذلك بقوله:{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}(ص:75).
تأمل معي أخي لهذه العبارة العظيمة (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) خلقك الله على أحسن هيئة وصورة فلا إله إلا الله ما أعظم فضل الله عليك وعلينا وعلى الناس أجمعين ..فيا ابن أدم قل لي بربك كيف واجهت هذا التكريم هل استخدمت جمال الصورة وحسن الهيئة وكمال الخلقة فما يرضي من خلقك أم أنك غيرت وبدلت؟.اسمع أخي لربك يخاطبك بقوله:{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ()الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ()فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }(الانفطار:8).قال عكرمة في قوله تعالى:(في أي صورة ما شاء ركبك)إن شاء في صورة قرد وإن شاء في صورة خنزير(تفسير ابن كثير)..نداء ..نداء ..نوجهه لكل من أعرض عن ذكر الله لكل من أعرض عن شريعة الله ..لكل من أسرف على نفسه في الذنوب والخطايا فنقول: يابن آدم إن كنت غفلت عن قدرة الله عليك..إن كنت غفلت عن نعم الله عليك..أن كنت غفلت عن عظمة ربك وخالقك..فهذه خِلْقَتُك هذه صورتك تحملها معك دائماَ وتنظر إليها تذكرك بكل ذلك فقلي بربك وأجب على السؤال العظيم (يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ..؟).
هل انتهى التكريم الإلهي عند هذا الحد؟ لا بل تواصل الكرم من الكريم فقد كان أبوك آدم عليه السلام حتى هذه اللحظة لا يستطيع الحراك ولا السمع ولا الإبصار ولا غيرها فقد كان مجرد صورة فكان التكريم العظيم الذي أحدث نقلة في خلقك وخلق أبيك يخبرك عنه ربك بقوله:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي..}(الحجر:29). نفخ في أبيك من روحه فدبت فيه الحياة،نعم أخي إذا أردت أن تعرف قيمة الروح التي بين جنبيك فانظر إلى أخيك من بني آدم مهما كانت مكانته ومهما كان ملكه ومهما كان ماله ومهما كانت هيبته إذا فارقت الروح الجسد تحول لجثة هامدة لا تملك من أمرها شيئاً.تنزع عنه ثيابه التي كان يتنعم بها ولا يملك من أمره شيئاً،يقلب على خشبة الغسل ولا يملك من أمره شيئاً.{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ..} (النحل:70).
أخي الحبيب أختي الفاضلة هذه أرواحنا في أجسادنا تصرخ فينا صباح مساء في كل لحظة وفي كل ثانية مذكرة،إنما أنتم خلق الله،إنما أنتم صنعة الله،إنما أنتم في قبضة الله،فأين أنتم من الخالق؟.أين أنتم من الصانع؟.أين أنتم من الله؟.معاشرالمؤمنين لنقف مع أنفسنا وقفة صادقة ولننظر كم أنفقنا من أوقاتنا؟.وكم أنفقنا من أموالنا؟.وكم أنفقنا من جهودنا وطاقاتنا لخدمة الجسد المخلوق من طين فاهتممنا بالملبس والمأكل والمشرب والمنكح ونحوها..وكم أنفقنا في المقابل للرقي بأرواحنا؟.وهل توقف الكرم الإلهي لأبيك عند هذا الحد؟.لا.بل أكرمك وأكرمه الله بسجود الملائكة يخبرك عن ذلك ربك بقوله:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ()فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ()فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ()إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}(الحجر:31). أسجد لأبيكم ملائكته المسبحة بقدسه،ثم تواصل الكرم الرباني بأن أسكن أبانا وأمنا الجنة:{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا..}(البقرة:35).ثم أتعرفون لماذا أٌخرج أبونا من الجنة؟.بذنب عصى الله فيه؟. فلا إله إلا الله كم من الذنوب ارتكبنا؟.أتدري أخي أين كنت أنت حينما وقعت هذه القصة لأبيك وأمك.؟ كنت في ظهر أبيك:{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (الأعراف:172).معاشر المؤمنين اسمعوا لربكم يخاطبكم بقوله:{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115).


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأِشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنما خُلقنا لغاية عظيمة نبيلة أخبرنا عنها ربنا بقوله:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56).فهل أدينا المهمة التي خلقنا من أجلها..؟.هل كانت هذه المهمة هي محور حياتنا واهتمامنا؟.أخي الحبيب اعلم يارعاك الله أن مما يعينك على أداء العبادة لله أن تستحضر فضل الله عليك بإيجادك من العدم،وبغناك بعد الفقر،وبقوتك بعد الضعف،تتذكر نعمة الله عليك كلما نظرت لصورتك في المرآة وكيف أحسن الله خلقك، تتذكر فضل الله عليك كلما تَحَرَّكْتَ في الروح العظيمة التي تذب في أوصال جسدك،تتذكر نعمة الله عليك يوم أن ترى غيرك غارق في ظلمات الذنوب والبعد عن الله وأنت تتنعم بنور الإيمان، أخي الحبيب أتظن أن الذي خلقك من قبل أن تسأله،وأحسن صورتك من قبل أن تسأله، ورزقك الطعام والشراب وأنت في بطن أمك من قبل أن تسأله أتظن أن يضيعك وأنت تسأله؟.أخي الحبيب إن مجال العبادة واسع فأنت تستطيع أن تحول كل عاداتك المحمودة لعبادات فتستطيع أن تحول نومك وأكلك وشربك وحتى إتيان شهوتك بالحلال لعبادة فقط بالنية الصالحة..!. فهلموا عباد الله لنتواصى بأداء المهمة التي من أجلها خلقنا الله..هلموا لنضرع إلى الله بعد كل صلاة قائلين بكل خشوع ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية