اطبع هذه الصفحة


لما تبدو الإجازة مملة..؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رفع السماء بلا عمد،ومد الأرض وجعل الجبال لها وتد،وخلق الخلق وأحصاهم عدد،ورزقهم ولم ينس منهم أحد، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم عظيمة شملت الأهل والولد والبلد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداُ عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بتوفيق وسداد وتكفير للذنوب قال الله في محكم التنزيل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الأنفال:29)..لماذا يشعر أبناؤنا وبناتنا في الإجازة بالملل؟.لماذا يشتكي الآباء والأمهات من الإجازة وكثرة مشكلات الأولاد فيها؟.لماذا يشتكي المجتمع وتشتكي الأحياء من كثرة الظواهر الشبابية السلبية في الإجازة؟؛من تجمعات مزعجة تسهر بجوار البيوت حتى تباشير الصباح ..ونحوها؟.
لما تكثر تسكعات الفتيات في الأسواق بكامل زينتهن في الإجازة؟.لما يكثر في الإجازة من يعكس دورة الحياة فيقلب الليل نهاراً والنهار ليلاً؛يسهر طوال الليل ويبقى طول النهار في سبات حتى قد يضيع الصلوات المكتوبات؟.لماذا..لماذا؟.تساؤلات عديدة تبدأ وتتكرر مع كل إجازة..وقبل أن نفكر ونتمعن معاً في الأسئلة السابقة أريد منكم أن تشاركوني التفكير في الإجابة على سؤال:لما كانت الحياة الاجتماعية أيام الامتحانات منضبطة بشكل كبير،ولم تبرز للسطح التساؤلات السابقة؟.ولماذا بعد الامتحانات مباشرة حدث هذا التغير الكبير في نمط حياتنا الاجتماعية؟.
والإجابة التي أظن أن الجميع يوافقني عليها أنه كان في فترة الامتحانات هدف يسعى الطالب والطالبة والبيت والمجتمع لتحقيقه وهو اجتياز الامتحانات وتحقيق أفضل النتائج؛ثم خرج بعض أقراد المجتمع للإجازة بدون أهداف واضحة مبرمجة؛ فتاه من تاه في دهاليز الفراغ،وغرق من غرق في طوفان الفتن والشهوات العاتي،وهناك من يصبح ويمسي وهو لايدري ماذا سيفعل في يومه أو ليلته تاركاً الأمر للأحداث تسيره.عندما يكون للإنسان هدف واضح يسيطر على فكره تكون حياته منضبطة ومنظمة ويسخر كل ما يملك لتحقيق ذلك الهدف،والذي ينشغل بتحقيق الهدف لا يشعر بالملل ولا بالفراغ بل هو يعمل بكل جد مستمتعاً يحذوه الأمل أن يحقق هدفه،والمسلم لديه هدف عظيم وهو بلوغ الجنة عن طريق الاشتغال بمرضات الله وترك ما يغضبه؛وتندرج تحت هذا الهدف مجموعة كثيرة من الأهداف الجزئية والمرحلية، وإن في الانفكاك من النمط الروتيني والتخفف من أعباء الحياة فرصة لتحقيق أهداف أخرى،لا شك أن للحياة مطالب..لكن إذا وجد الإنسان فسحة من الوقت بما يشتغل؟.اسمع لربك جل في علاه يوجه خير الأمة صلى الله عليه وسلم بقوله:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ()وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }(الانشراح:7،8)؛ فالإنسان كما هو بحاجة لإشباع حاجاته البدنية فإنه بحاجة لإشباع حاجاته الروحية،قد يقول قائل: هل يعني هذا أن يكون اشتغالنا في الإجازة كلها بالبرامج الدينية ونترك الترفيه؟.أقول لا.فإن ديننا دين توازن ويحب البناء المتوازن للشخصية والسير على هدى،على أهداف واضحة مبرمجة؛فبعد التعب والجد في الامتحانات لابد من الترويح المباح عن النفس،بل ليكن هدفاً لنا أن نروح عن أبنائنا فالأولاد بطبيعتهم يحبون اللعب ألم تسمعوا لإخوة يوسف وهم يقولون لأبيهم في شأن يوسف:{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(يوسف:12). وتأملوا معي يرتع ويلعب حركة ونشاط وتنمية للعضلات لا كالألعاب الإلكترونية اليوم التي تورث الخمول والكسل وضعف البصر وتشوش الفكر،وفي ديننا فسحة؛أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْر ٍرضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ:((دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ)) وَتِلْكَ الْأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى،وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنه رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ-وتأملوا معي تنظر لا كما يحدث اليوم حيث تنغمس المرأة أو الفتاة بكليتها في ألعاب مشتركة بين الرجال والنساء وقد تكون محجبة فتمتطي لعبة خطرة وما هي إلا ثواني حتى يتعالى صراخها من الفزع وقد يتطاير عنها حجابها وتبدوا للرجال- فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ)) يَعْنِي مِنْ الْأَمْنِ (البخاري،الجمعة،ح(934)).وسابق صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وبين الإبل..وغيرها.فلابد للنفوس من الترويح بعد الجد فالنفوس إذا كلت عميت؛ شريطة أن يكون الترويح عنها بما أباحه الله وما أكثره؛بيد أن ذلك لا يعني أبداً أن تُضَيِّع الأمة ثلث عامها في اللهو واللعب بل هو التوازن،والاهتمام ببناء الشخصية الإسلامية المتوازنة وما أعظم نصيحة أصحاب قارون له بقولهم:{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(القصص:77).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من بهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداَ عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا معاشر الآباء والأمهات والمربين أن مهمتكم هي صناعة الرجال والنساء الذين يقودون الأمة نحو عزها ولا يكون ذلك إلا من خلال رسم أهداف واضحة؛فليجلس كل أب مع أبنائه ويضع لكل منهم الأهداف التي تناسبه فإذا وجد لدى الابن نقصاً في جانب العلاقات الاجتماعية من خجل أو نحوه فليدفع به للنوادي الصيفية،وإن لمس منه رغبة في الحاسب أدخله دورة في الحاسب،كم من أبنائنا لا يجيد أعمال الصيانة البسيطة من الكهرباء والسباكة وصيانة السيارة،فما المانع من أن يلتحقوا في الصيف بدورات أو ورش لاكتساب مهارات إضافية، أوتعلم لغة أجنبية،والإجازة الصيفية فرصة للبنات لإتقان فن الطبخ والعناية بالمنزل وترتيبه،كل ذلك مع جعل الأولوية للبناء الإيماني فكم عرفت ممن حفظ القرآن في فترة الإجازة الصيفية،نشجعهم على قيام الليل والتدرج معهم في زيادة عدد الركعات،نشجعهم على القراءة من خلال شراء المجلات والكتب التي يحبونها بشرط سلامتها مما يخالف تعاليم الدين،أوعمل مسابقة أسرية في كتيب أو شريط..وهكذا.المهم أيها الأحبة في الله ألا يعيش الأبناء الإجازة بغير هدف فيكونون عرضة للأفكار الهدامة والانحراف السلوكي والأخلاقي وتكون الإجازة مملة لهم وللبيت وللمجتمع.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية