اطبع هذه الصفحة


هل أنت مترف..؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واحذروا أن تفتنكم الدنيا بزينتها وبهرجها واسمعوا لربكم يعظكم بقوله:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(آل عمران:185).
داء اجتماعي عضال يبدأ من طبقة معينة في المجتمع ثم يستشرى في جسد الأمة فيكون سبباً في هلاكها وزوالها،أعرفتم ما الداء؟.إنه الترف..حذرنا منه ربنا بقوله:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرً}(الإسراء:16).ولاحظ معي أخي أنه لم يقل أغنياءها لأن هناك من هو غني ولكنه صالح عابد زاهد وليس بمترف،وقال تعالى:{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ()فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ()لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ }(الأنبياء:11-13)؛وقال في سورة الواقعة في أصحاب العذاب:{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ()وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}(الواقعة:45-46).وهنا قد يتساءل البعض من هو المترف؟."المُتْرَفُ المُتَنَعِّمُ المُتَوَسِّعُ في مَلاذِّ الدنيا وشَهواتِها"(لسان العرب،ج9،ص17). المترفون هم المنعمون الذين يَنْعَمُونَ بالدعة والراحة حتى تترهلَ نفوسهم،وترتعَ في الفسق والمِجَانة، وتستهترَ بالقيمِ والمقدساتِ والكراماتِ،وتَلَغَ في الأعراضِ والحرماتِ،وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها،وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها،ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي،وتفقد حيويتَها وعناصرَ قوتها،وأسباب بقائها،فَتَهْلِكُ وتطوى صفحتُها (أنظر:الظلال لسيد قطب،سورة الإسراء).الترف إتْبَاعُ النفس شهواتِها فتتوسع في المباحاتِ ثم تنتقل لدائرة المتشابهاتِ ثم تخطو نحو المحرماتِ،ثم تنحدر في المحرماتِ حتى تنحطَ عن مرتبةِ الحيواناتِ؛ أتريدون مثالاً حياً لذلك؟.انظروا معي لبعض الدولِ المترفةِ المعاصرةِ التي تسمى بالمتقدمةِ؛ نكحوا حتى ملوا النكاح فانحدروا للزنا حتى ملوا،فانحدروا نحو الشذوذ من اللواط والسحاق وهم يحاولون أن يجعلوه شِرعةً عالميةً من خلال المنظماتِ الدوليةِ وأصبح للشواذِ والشاذاتِ جمعياتٌ بل أصبح يفاخر بعض مسؤوليهم بأنه شاذٌ والعياذُ بالله!.فهل اكتفوا بذلك؟.لا.بل انحدروا بعد أن ملوا من الفاحشة مع الكبار لينتقلوا للأطفال الأبرياء ويعتدوا عليهم! فهل اكتفوا بذلك؟.لا.بل انتقلوا لممارسة الرذيلة مع الحيوانات والبهائم فأصبحت المرأةُ يعتليها كلبٌ أعزكم الله!.فماذا بقي؟.ملوا الغرف المغلقة فأخذ ينزوا الرجالُ على النساءِ في الشوارع وعلى الأرصفة!.وأصبحت هناك أنديةٌ للعراة!.أخذوا يصورون قذاراتهم ونتنهم وينشرونها على القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية!.ومن المسلمين مع الأسف من يتابعها ويحرص عليها ويدخلها على أهله ونسائه!.غنوا ورقصوا حتى ملوا فانحدروا وأصبح الغناء لديهم أشبه بمستشفى للمجانين أصوات عالية وصراخ وحركات هستيرية!.شربوا الخمر حتى ملوا منها فأصبحوا يضيفون في كل يوم نوعاً جديدا من المخدرات!.هذه كلها مؤشرات على أن نهايتهم قد اقتربت.لكن دعونا منهم وللنظر لحال أمتنا الإسلامية فإن هذه الأمة ما أن تُغْرِقَ في الترفِ حتى يسلط الله عليها؛فالترفُ كان سبباً لسقوط الدولة الأموية ذكر ابن خلدون في تاريخه قصةَ عبدِ اللهِ بن مروانَ مع ملكِ النوبةِ (قال أقمت ملياً ثم أتاني ملكهم فقعد على الأرض و قد بسطت لي فراشاً ذات قيمة،فقلت:مامنعك عن القعود على ثيابنا؟.فقال إني ملك و حق لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه الله،ثم قال لي:لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت :اجترأ على ذلك عبيدنا و أتباعنا،قال:فلم تطئون الزرع بدوابكم و الفساد محرم عليكم؟ قلت:فعل ذلك عبيدنا و أتباعنا بجهلهم،قال:فلم تلبسون الديباج و الذهب و الحرير و هو محرم عليكم في كتابكم؟ قلت:ذهب منا الملك و انتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا،فأطرق ينكث بيده في الأرض ويقول عبيدَنا وأتباعَنا وأعاجَم دخلوا في ديننا ثم رفع رأسه إليَّ وقال:ليس كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم اللهُ عليكم،وأتيتم ما عنه نهيِتُم،وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم الله العزَّ وألبسَكُم الذُلَّ بذنوبكم،ولله نقمةٌ لم تبلغ غايتَها فيكم و أنا خائف أن يحل بكم العذاب و أنتم ببلدي فينالني معكم و إنما الضيافة ثلاث فتزود ما احتجت إليه و ارتحل عن أرضي(تاريخ ابن خلدون،ج1،ص253)).ويوم أن غَرِقَتْ الدولةُ العباسيةُ في الترف والنعيم تمزقت وتحولت إلى دويلات ثم انتهى الأمر بسقوط الخلافة الإسلامية..فهل اعتبرنا؟. فلنتدبر أحبتي قول ربنا:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }.(الإسراء:16).

الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وجنبوا أنفسكم وأولادكم حياة المترفين؛بأن تلبوا لهم جميع شهواتهم وعودوهم حياة الخشونة،فإن الأمة الناعمة المترفة لا تستطيع أن تقوم بأمرها فضلاَ عن أن تدعوا لدينها أو تدفع عدوها؛ للنظر أحبتي لأنفسنا هل من شبابنا من يستطيع حمل أسطوانة الغاز و يبحث عن سائق أو حارس ليحملها له؟.هل من أبنائنا من لا يستطيع صعود درج المنزل برجليه إذا تعطل المصعد؟.هل من شبابنا من أطال شعره وتشبه بالنساء ووضع المساحيق على وجهه وتأنث في كلامه ومشيته،حتى إذا رأيته في السوق قلت هذا يحتاج لمحرم؟.هل من شبابنا من أصبحوا عبيداً لشهواتهم يجوبون الأسواق والمنتزهات بحثاً عن لذة عابرة؟. هل نحن نسعى لأن نؤمن لأولادنا كل ما يطلبون من تغيير مستمر لأنواع الجوالات أو الملابس المترفة،أونوفر لهم غرفاً خاصة بها القنواتُ الفضائيةُ واتصالاتُ الشبكةِ العنكبوتيةِ والهواتفُ الخاصةُ؟.هل..وهل؟.وما قيل في حق الشباب يصدق في حق الفتيات بما يناسبهن..أسئلة كثيرة ومعايير عِدًةٌ نبحث من خلالها هل تسلل الترف إلى بيوتنا؟.هل نحن أمة مترفة؟.وهل نسعى للعلاج قبل أن يصعب؟.تساؤلات أثيرها وأترك لكم الإجابة عليها.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية