اطبع هذه الصفحة


ما بين غزوة الخندق ومذبحة غزة

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله معز الإسلام بنصره،ومذل الشرك بقهره،ومصرف الأمور بأمره،ومزيد النعم بشكره، أحمده سبحانه فهو القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلايراجع،والحاكم بمايريد فلا يدافع،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوءاً أحد ،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الكفر اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحابتهم وتابيعهم ومن والاه. أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}(النساء:1).
معاشر المؤمنين مازال إخواننا في غزة يعانون من القتل والتدمير في سجنهم الكبير،ولا يزالون يواجهون الآلة العسكرية الصهيونية المتوحشة القذرة بصدورهم العارية، وأقدامهم الحافية وشعارهم إحد الحسنيين النصر أو الشهادة،يعانون ما يعانون من خذلان أمة الإسلام لهم وتحزب الأحزاب عليهم ومبدأهم نموت ولا ننحني،وما أشبه الليلة بالبارحة قبل الغزو خرجت وزيرة خارجية العدو الصهيوني في جولة عالمية لحشد الأحزاب لاسئصال شأفة الإسلاميين من غزة ولما نجحت في ذلك بدأ العدو في قتل أهلنا بكل برود واطمئنان،وفي زمن الحبيبصلى الله عليه وسلمخرج عشرون رجلاً من زعماء وسادات يهود بني النضير لحشد الأحزاب لاستئصال شأفة الإسلام من المدينة؛ولما نجح ذلك الوفد في إقناع قريش وغطفان وكنانة وغيرهم من العرب وسارت جيوش الأحزاب للمدينة،وحاصرت المدينة نقض بنوا قريضة العهد الذي بينهم وبين النبيصلى الله عليه وسلملتقع المدينة بين حجري الرحى قريش والأحزاب من الخارج و اليهود من الداخل،وقد واجههم النبيصلى الله عليه وسلم بأمر ما كانوا يتوقعونه بناء على مشورة سلمان الفارسي رضي الله عنهوهو الخندق،وإخواننا اليوم في غزة يواجهون العدو الصهيوني بما لا يتوقعه من أنفاق وكمائن،غزوة الخندق كانت في أيام شديدة البرودة،وإخواننا في غزة اليوم يعانون من شدة البرد القارس،عانى خير البشر فداه أبي وأمي والناس أجمعين وصحبه الكرام يوم الخندق من الجوع ؛أخرج الترمذي في سننه عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ:(شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم عَنْ حَجَرَيْنِ)(الترمذي،الزهد،ح(2293)).
وكم يعاني إخواننا اليوم من الجوع في غزة،كان الموقف في يوم الخندق غاية في الشدة والخطورة والصعوبة وصفه الله لنا في كتابه لنعتبر به فيما أصابنا بقوله جل في علاه:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا()هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً}(الأحزاب:10 -11).
وغزة الصمود اليوم تقصف من الجو ومن البر ومن البحر، ولو استطاع أحفاد القردة والخنازير أن يقصفوهم من تحت الأرض لفعلوا،فإخواننا والله في كرب وحال شديد،في غزوة الأحزاب لم يستطع المنافقون التمسك بأرديتهم التي كانوا يخفون بها نفاقهم ونطقت ألسنتهم بما في قلوبهم من نفاق؛أخبرنا الله عن ذلك في كتابه بقوله:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورً}(الأحزاب:12).
وكم كشفت أحداث غزة اليوم من أقنعة،وكم بدا في الأمة من منافقين كانوا يدَّعون نصرة الإسلام ونصرة القدس، وفي المقابل اسمعوا معي أحبتي لحال المؤمنين مع ما رأوه من شده،خلده الله لنا في آيات تتلى إلى يوم القيامة بقوله:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمً}(الأحزاب:22).
ولما أراد النبيصلى الله عليه وسلمأن يصالح قادة غطفان على ثلث ثمار المدينة مقابل أن يرجعوا عنهم رأفة بأصحابه،واستشار في ذلك قادة الأنصار أبوا ذلك، وقالوا والله لا نعطيهم إلا السيف على الرغم من كل ما يعانون فصوب النبيصلى الله عليه وسلم رأيهم،والآن هناك مساع لهدنة ولكن إخواننا في غزة يرفضون إلا أن تكون على عزة لاذل فيها ولا خنوع للإسلام والمسلمين،خرج عمرو بن ود من المشركين واقتحم الخندق في نفر معه وهو مقاتل شرس عنيد معروف بقوته فبرز إليه أبو الحسن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه فجندله واساح دمه ترتوي منه أرض المدينة فلما رأى أصحاب ود ذلك فروا واقتحموا الخندق فارين مذعورين،عندها نُسِبَ إلى علي رضي الله عنه عنه أبيات قال فيها:نَصَر الحِجارةَ من سفاهةِ رأيهِ..ونَصَرتُ ربَّ محمدٍ بصوابي..فصددتُ حين تركته متجدلاً.. كالجذعِ بين دكادكٍ وروابي..وعففتُ عن أثوابهِ ولو أنني..كنتُ المُقَطَّرُ بَزَّني أثوابي..لا تحسبن اللهَ خاذلَ دِينِهِ.. ونَبيِّهِ يا معشر الأحزابِ.وإخواننا اليوم في غزة ينصرون دين الله ودين محمدصلى الله عليه وسلمويبادرون للشهادة بكل جرأة وشعارهم:{...وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}(طه:84).
فلا إله إلا الله ما أعظم مِنَّة الله علينا أن جعل هذه الأمة ولود كلما ذهبت أجيال صادقة خلفهم الله بأجيال أخرى وصدق الله إذ يقول:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا()لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمً}(الأحزاب:23-24).

الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداَ عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم,أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه إن كتب الله النصر لإخواننا في غزة فالحمد لله،وإن استشهدوا فنشهد أنهم قد أدوا ما عليهم،وثقوا بأن الله لن يترك اليهود وأعوانهم بلا عقاب،ففي غزو الخندق قيض الله نعيم بن مسعود وجعله سبباً في تفرق كلمة الأحزاب وانخذالهم وكشف الكرب عن المسلمين وهو رجل واحد؛ وقد يرد الله البأس عن الأمة برجل واحد ،يمكن أن يكون هذا الرجل هو أنت،سلط الله الريح الباردة على الأحزاب خارج الخندق حتى تفرقوا وعادوا لديارهم خائبين،وجنود ربنا لايعلمها إلاهو،وبعد تفرق الأحزاب وعودة النبيصلى الله عليه وسلم لبيته وضع السلاح فأتاه جبريل عليه السلام والغبار قد علا جبينه فقال: أوضعت السلاح يارسول الله؟. قالصلى الله عليه وسلم:نعم.قال جبريل عليه السلام:فما وضعت الملائكة السلاح بعد.إن الله عزوجل يأمرك بالمسير إلى بني قريظة،فإني عامد إليهم فمزلزل بهم،فكانت غزوة بني قريظة التي انتهت بإبادة اليهود المعاندين من المدينة، فانظروا أحبتي لنصر الله لدينه وكيف نزلت الملائكة تقاتل مع المؤمنين،وإنا لنرجوا أن ينصر الله إخواننا في غزة بملائكة تقاتل معهم وتنصرهم وأن يجعل خاتمة يهود كخاتمة بني قريظة بعد الخندق.وإنا لنخاطب إخواننا في غزة ونذكرهم بقول الله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمً}(النساء:104).

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية