اطبع هذه الصفحة


نحن أشعلنا نارها

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله جعل الزواج حصناً حصيناً وركناً من الفتنة ركيناً،أحمده جل شأنه وأشكره على نعم متتابعة بها يُصَبِّحُنَا وبها يُمَسِِّينا،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة إخلاص ويقيناً،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين هادياً وبشيراَ،اللهم صلِ على هذا النبي الكريم وعلى الآل والصحب ومن سار على النهج وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:ف{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}(النساء:1).
أمة الإسلام ظاهرة تفشت في مجتمعنا الطاهر،تأثرت منها نفوس فئة عزيزة على قلوبنا تعيش بيننا،وكم تعاني تلك الفئة وتجاهد لكبت ما تعانيه من آلام نفسية واضطرابات عاطفية خشية أن تفهم خطئاً ،أو لأن أعرافنا الاجتماعية لا تتقبل منهم البوح بمثل تلك المشاعر؛لأنها تصنفه في خانة قلة الحياء، وسوء الأدب،ومع الإجازة الصيفية وانتشار حُمى الأفراح والزواجات ، تزداد تلك المشاعر فورة وحدة في قلوب تلك الفئة حتى تُزلزل أركانها وتتحول إلى بركان يوشك أن ينفجر. أعرفتم معاشر الأحباب ما تلك الظاهرة..؟. إنها ظاهرة العنوسة، نعم ظاهرة العنوسة بكل أبعادها وآلامها. إنها ظاهرة نحن الذين صنعنها وما زلنا نأجج نارها دون الشعور بفتياتنا اللواتي يكتوين بل يحترقن بلهيبها..!.ولو قدر لأحدكم أن يجلس لفتاة فاتها قطار الزواج ويسألها بالله أن تحدثه بكل صراحة عما تعانيه لسمع عجباً.أتريدون أن أنقل لكم طرفاً من تلك المعاناة..؟.إذاً تعالوا واسمعوا معي.. تقول أحد المتخصصات في مجال علم النفس: (إن العانس إنسانة قلقة نفسياً وعاطفياً،خاصَّةً إذا عوملت ممن حولها معاملةً فيها نوع من الإحساس بالنقص أو الشفقة،وأحست بأن وضعها معيبٌ اجتماعياً،والمؤكد أن الزواج وما يتبعه من الأنس والعاطفة وإشباع الحاجات الغريزية والنفسية من أهم أسباب السلامة النفسية والعصبية،فنحن النساء صعبٌ علينا أن نعيش بلا رجال) (هي الدكتورة منال زكريا:انظر :عبد الودود حنيف،العنوسة داء يتفشى،ص45،46.)، ويقول أحد كبار السن ممن يعملون في مجال تأجير البيوت: (دخلنا بيوتاً فيها نساء أبكاراً في الستين والسبعين،يشتمن المجتمع والأقارب ويلعن من كان السبب في بقائهن عوانس،لا يجدن من يخدمهن ومن يقدم لهن الطعام والشراب والدواء،ولا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر،لأن الآباء والأمهات غير موجودين وإن وجدوا فهم كبار يحتاجون العون والمساعدة،والإخوة مشغولون بأنفسهم وأبنائهم وزوجاتهم) (المرجع السابق،ص55.)،وكم من عانس ضغط عليها الواقع واشتعلت في صدرها عاطفة الأمومة الجياشة فأخذت تصرِّح وتقول أعطوني زوجاً أنجب منه ولداً أكرس له كل حياتي وليطلقني بعد ذلك،ومنهم من تتمنى ربع زوج تعيش معه..!.نعم نحن أججنا تلك النار يوم أن جارينا شبابنا الذين تغيرت أذواقهم ومفاهيمهم ومقاييس ومواصفات زوجة المستقبل عندهم في غفلة من الدين،وصنعت تلك المفاهيم والمواصفات صور الفاتنات التي تظهر على شاشات القنوات أو مواقع الشبكة العنكبوتية؛ وأصبح الأب والأم حينما يبحثون لأولادهم عن زوجات وفي بيوتهم بنات متوسطات الجمال يبحثن عن الجمال الساطع والبياض الفاقع،يريدونها زوجة حمراء فاقع لونها تسر الناظرين،فأقول لهم إذا كان هذا هو المعيار فانظروا لبناتكم في البيوت من يتزوجهنَّ إذا كرسنا هذا المفهوم، أقول للأم أنظري لنفسك في المرآة لوكان هذا هو معيار الزواج في زمانك هل كان زوجك سيرضى بك، ياقوم ..ياقوم..هذا نبيكم هذا نبيكم وحبيبكم يخاطبكم محذرا فارعوا سمعكم له إذ يقول: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))(البخاري،النكاح،ح(4700)). نحن أججنا تلك النار يوم أن فتحنا لشبابنا مجال الزواج من الخارج، وإذا تقدم شاب غير سعودي لبناتنا أو حتى غير قبلي منعناه بحجة الكفاءة في النسب بينما رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))(الترمذي،النكاح،ح(1004)).نحن أججنا تلك النار يوم أن أصبحنا نبحث عن الغني وصاحب المنصب والوجاهة والوسامة، نحن أججنا تلك النار يوم أن اهتممنا بتوظيف الفتيات على حساب الشباب، فأصبح الشاب لا يملك وظيفة ولا دخلاً فكيف يتزوج؟. وأصبح من الموظفات من تسعى لأن تشتري زوجاً بمالها..!. نحن أججنا تلك النار يوم بالغنا في المهور والإسراف في حفلات الزواج،نحن أججنا تلك النار يوم أن منعنا زواج الفتاة الصغرى قبل الكبرى فبدلاً من أن يكون في البيت عانس واحدة أصبحنَّ أربع أو خمس،نحن أشعلنا تلك النار يوم أن منعنا بناتنا من البروز ومخالطة البيئات النظيفة الطاهرة، والناس لا يعلمون الغيب ولا يعلمون أن في هذا البيت بنات في سن الزواج فيتقدمون لخطبتهن. عباد الله إن فتياتنا أمانة في أعناقنا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:((أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..))(مسلم،الإمارة،ح(3408)).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:فاتقوا الله عباد الله ولينظر كل منا،ولتنظر كل أسرة من أسرنا،هل هي تشعل من نار العنوسة في المجتمع أم تطفئها..؟. إن العلاج معاشر المؤمنين والماء البارد الذي يطفأ تلك النار هو عرض عاداتنا وقيمنا الاجتماعية على دين الله لننظر هل هي متوافقة معه أم أنها أفكار وقيم تسللت للمجتمع خلسة في حال غفلة وجهل بالدين، وقد وعد من لا يخلف الميعاد من اتبع دينه أن يضمن له السعادة في الدنيا والآخرة بما في ذلك السعادة الاجتماعية بقوله:{ ..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه:123).فهل اعتبار التعدد جريمة اجتماعية وخيانة زوجية من الإسلام؟.هل النظر للأرملة والمطلقة بأنها امرأة انتهت صلاحيتها كزوجة في الحياة الاجتماعية من الإسلام؟.هل تقديم الشهادة والوظيفة على الزواج في حياة الفتاة متوافق مع شريعة الله؟.هل استبعاد الفتاة السمراء من قائمة الصالحات للزوج متوافق مع الشريعة؟.هل الفتاة التي تربت على الأدب والحشمة ولا تعرف كيف تتعامل مع الرجال تعد ناقصة معيبة وصاحبة الخبرة هي الأفضل؟هل؟وهل؟.والأسئلة كثيرة حسبي منها الإشارة لبعضها كنموذج نعيد بعده تقييم حياتنا ومعاملتنا لفتيات مجتمعنا الكريمات في ظل شريعة الإسلام العادلة المكرمة للمرأة ، الحريصة على أن تسود الحياة الاجتماعية المطمئنة الهانئة المجتمع المسلم.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية