صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ )

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله يدبر الأمور بحكمته،وينصر دينه بقوته،ويحفظ نبيه وأتباعه الصالحين بحفظه ورعايته،أحمده جل شأنه وأشكره على عظيم فضله وجزيل نعمته،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في إلهيته ولا في ربوبيته، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله اصطفاه الله من بين خليقته فشرفه بتبليغ دينه وشريعته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:ف{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:120).{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(النساء:1).
أمة الإسلام العظيمة؛تسلط أعداء الإسلام على أجزاء من أراضي أمة الإسلام فاحتلوها ونهبوا خيراتها وعجزت الأمة عن الدفاع عنها،وتسلطوا على دماء طائفة من أمة الإسلام فسفكوها وعجزت الأمة عن الدفاع عنها،وتسلطوا على أعراض من أعراض المسلمين فهتكوها وعجزت الأمة عن الدفاع عنها،وتسلطوا على رمز من رموزنا الدينية المقدسة أرض القدس العزيزة فأسروها وعجزت الأمة عن فكاك أسرها،وكم هدموا في شبابنا وفتياتنا ومجتمعاتنا من قيم العفة والفضيلة، ثم أخذوا يتجرؤون على خير الورى صلى الله عليه وسلم بالرسوم والأفلام المسيئة وغيرها!.فهل كل ما يحدث هذا هو شر محض أم أن فيه خير للأمة..؟.كما قال الله تعالى في حادثة الإفك التي أودي فيها خير البشر صلى الله عليه وسلم في أعز ما يملك في عرضه في زوجه الطاهرة المبرأة من فوق سبع سموات:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.. } (النور:11).
وهل لنا أن نغضب لحبيبنا صلى الله عليه وسلم ؟. كيف لا نغضب وقد غضبت الأًرْضَّةُ لحصاره صلى الله عليه وسلم في الشعب فأكلت بإذن ربها الوثيقة الظالمة التي سطرت ظلم الحصار وكانت سبباً بفضل الله في فك الحصار،كيف لا نغضب وهذا مشرك سمع أن أبا جهل سب النبي صلى الله عليه وسلم فغضب لذلك وأتى أبا أجهل وهو في ناديه بجوار الكعبة فضربه على أم رأسه بقوس معه فشجه شجة منكرة وقال أتسبه وأنا على دينه؛فكانت تلك الغضبة سبب هدايته ودخوله في الإسلام، وأعز الله به الإسلام إنه أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب ،فتأملوا أحبتي معي كيف كانت تلك الإساءة من فرعون هذا الأمة سبب لعز الإسلام(ابن هشام،السيرة النبوية،ج1،ص292)؛وصدق الله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.. } (النور:11).
كيف لا نغضب لرسول الله وقد غضبت الملائكة الكرام له ؛ أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟. قَالَ: ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا))(البخاري،بدء الخلق،ح(2992)).
فماذا كانت النتيجة؟.أخرج الله من صلب فرعون هذه الأمة أبو جهل القائد المسلم البطل الذي أبلا في الجهاد في سبيل الله وإعزاز دين الله بلاء حسناً عكرمة أبن أبي جهل!. فسبحان الله ما أعظم الله:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (الأنعام:95).والأمثلة في هذا المجال كثيرة متعددة.أحبتي في الله إن من لم يغضب للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في حاجة لأن يراجع إيمانه،نقول لمثل هذا لما تغضب إذا أسيء لأبيك وأمك؟.لما تغضب ويفور الدم في عروقك إذا سبك أحد وتناول شخصك بسوء؟.رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون أحب إليك حتى من نفسك التي بين جنبيك؛أخرج الإمام البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه :يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :((لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه :فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ((الْآنَ يَا عُمَرُ))(البخاري،الإيمان والنذور،ح(6142)).فداك آباءنا وأمهاتنا وأرواحنا يا سيدي يارسول الله،عباد الله عاب الله على المنافقين تخلفهم عن نصرة رسول الله،فكيف يتخلف مؤمن موحد محب لرسول الله عن نصرته: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ()فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(التوبة:81-82).

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لاتكفي فيها مجرد النية الصالحة والمقصد الحسن بلا لابد أن تتقيد جميع أقوالنا وتصرفاتنا بشريعة ربنا،وإلا فإنَّا قد نسهم في تعظيم الإساءة لخير البشر فداه أبي وأمي والناس أجمعين؛ومن ذلك مع الأسف ما لوحظ في الفترة الأخيرة؛حيث نشر بعض المسلمين بحسن النية وبدافع الغيرة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر ممن صدرت عنهم الإساءة أنفسهم،فكانوا ينشرون الإساءة بكافة صورها وتفاصيلها من خلال البريد الإلكتروني أو رسائل الجوال،فنقول أن هذا لا يليق وكان الأولى قتل تلك الإساءات وعدم نشرها والاكتفاء بخبر الإساءة وحده،وقد يفكر أحدهم بالتفجير أو القتل أو تدمير مصالح لتلك البلدان التي حدثت فيها الإساءة فنقول أن هذا أيضاً ليس بالطريق المطلوب لأنها يعطي سمعة سيئة عن الإسلام وأهله ويستثمره القوم في التنفير من الإسلام؛ ولو كان هذا هو المطلوب لطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين،عباد الله نحن أمة منضبطة في جميع تصرفاتها فلا ينبغي لنا أن نتصرف أي تصرف قبل الرجوع لعلماء الشرع والأخذ عنهم، وأبشركم أحبتي بأن الله قد رد كيد المجرمين في نحورهم وقد أدت تلك الإساءات لأن يقبل الناس هناك للبحث عن الإسلام والقراءة عنه، وبفضل من الله بدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وصدق الله إذ يقول:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..}(النور:11).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية