ماذا بعد الاعتداء على سفينة الحرية؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العزيز الجبار المتكبر،خلق كل شيء بقدرته وجعل للكون والخليقة نظاماً دقيقاً فقدر،أحمده جل شأنه وأشكره وعد بتدمير ومحق كل جبار في الأرض ظالم متكبر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند على نفع العباد يقدر،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله خير من عبد ربه وهلل وكبر،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهج الهدى بنور الإيمان يبصر.أما بعد: فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة واسمعوا لربكم إذ يقول: { ...قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } (النساء:77). أمة الإسلام العظيمة سمعنا وسمعتم كيف تأثرت جموع من غير المسلمين لحال إخواننا في غزة وما يعانونه في الحصار من شدة ألم الأمراض المتكالبة عليهم تنهش أجسادهم الضعيفة،وسعار الجوع الذي يلهب أجسادهم النحيلة،يرى الأب وترى الأم هناك أبناءهم يبكون من الجوع وهم لا يملكون لهم شيئاً،يرى الأب وترى الأم هناك أبناءهم يموتون من المرض أمام أعينهم وهم لا يملكون لهم الدواء ولا ثمن الدواء،فالحصار الظالم مطبق عليهم من كل مكان،ويشدد يوماً بعد يوم ولا يدخل لهم إلا ما يأذن به اليهود!.لا يدخل لهم إلا ما يأذن به الكيان الصهيوني الغاصب..!.هناك إخواننا في عزة لا يجدون الماء العذب النقي ليشربوه فا الآبار هناك ملوحتها عالية لا تطاق،ومنهم من يشرب المياه وقد خلطت بمياه المجاري أعزكم الله..!.هناك بيوت هدمها العدو الغاصب بطائراته وقنابله فأصبح أهلها يعيشون في العراء..!.لو رأى أحدنا اليوم رجلاً يعيش على الرصيف لرحمه وأشفق عليه، وهناك هناك إخواننا في غزة أسرٌ مسلمة بأكملها رجال ونساء وأطفال لا يجدون سقفاً يحميهم من البرد الشديد وأشعة الشمس المحرقة،أتدرون لماذا؟.لأن دولة الكيان الصيهوني المجرمة منعت عنهم دخول مواد البناء من الحديد والإسمنت وتبارت الدول في تنفيذ رغبتها فمنع عنهم أدوات البناء حتى ولو بالتهريب من تحت الأرض..!.الله أكبر أتعلو المصالح الدنيوية على رابطة الأخوة الإيمانية..؟.يا أمة الإسلام العظيمة يحدث هذا وأكبر منه يوم أن لا نتدبر كتاب ربنا.واسمعوا لربكم إذ يحذر من ذلك بقوله: { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ()قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران:28-29).فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وبحذرنا في موطن آخر من كتابه بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينً } (النساء:144).فمن أولى بالنصرة اليهود أم إخواننا في غزة..؟.أحبتي في الله حين تطغى الموازين والمصالح الدنيوية على حسابات أمة الإسلام يصيبها المرض،وتنحرف في تصرفاتها بناء على المعايير الخاطئة التي اعتمدتها واسمعوا لربنا يحذرنا من أن نبني قرارتنا على الحسابات الخاطئة بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ()فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } (المائدة:51-52).يا أمة الإسلام: رجال ونساء من أكثر من خمسين دولة بينهم عدد كبير لا يؤمن بالله ولا باليوم الأخر لا تربطهم بإخواننا في غزة سوى رابطة الإنسانية تحرقت قلوبهم على الظلم الواقع على إخواننا فحركوا أسطول الحرية لكسر الحصار عنهم وتقديم العون لهم فقام كيان الإرهاب بقتل عدد منهم وجرح آخرين بقوته العسكرية وهم مدنيون عزل فتحملوا ذلك في سبيل نصرة إخواننا نحن في غزة!.فقولوا لي بربكم من أولى بذلك منهم ..؟. أليس أمة المليار مسلم هي الأولى؟. أليست الأمة التي أوصاهم نبيهمبالتراحم والتواد بقوله: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))(مسلم،البر والصلة،ح(4685)).أولى بنصرة أخواننا في غزة؟.أليست الأمة التي قال لهم نبيهم:((لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ..))( مسلم،البر والصلة،ح(4650)).هي الأولى بنصرة أخواننا في عزة؟.يا أمة الإسلام اسمعوا لنبيكم إذ يقول:((مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ))(أبو داود ، الأدب،ح(4240)).أعوذ الله من الشيطان الرجيم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ() وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ()ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ() } (محمد7-9).

الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله وأعلموا رحمني الله وإياكم أن حكومتنا بفضل الله قامت ولا زالت تقوم ونسعى جهدها لنصرة أخواننا في عزة،بيد أن الشعوب تستطيع أن تقوم بما لا تستطيعه الدول أحياناً،فإن قصَّرنا في نصرة إخواننا في الأول فلا أقل من استثمار هذا التصرف الأحمق من اليهود في التعدي على قافلة الحرية وعلى متنها رعايا أكثر من خمسين دولة في كسر الحصار وإنهاؤه عن إخواننا هناك وحث تلك الدول على مقاضاة دولة الكيان اليهودي ومعاقبتها،وأفضل وسيلة للتحرك هي من خلال الانترنت، من خلال شن حملة شعبية دولية تهدف لكسر الحصار عن إخواننا في غزة والمطالبة بتطبيق النظام العالمي على دولة أصبحت تهدد السلم والسلام العالمي،وأن نظهر أن هذا الكيان لا يوفي ولا يحترم المعاهدات والمواثيق؛ فهم لم يحترموها مع ربهم وخالقهم فكيف يحترمونها مع الناس أخبرنا عن ذلك ربنا بقوله: { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا()فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء:154-155).ثم الدعاء والدعاء والدعاء فلا حول لنا ولا قوة لنا إلا بنصر من الله.