اطبع هذه الصفحة


هذه آثار رحمته فكيف بآثار غضبه..؟
25/1/1432

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ينشر على العباد رحمته،ويسوق للغافلين دلائل عظمته،ويغرس في القلوب محبته وهيبته،أحمده جل شأنه وأشكره على كريم فضله وجزيل نعمته،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ربوبيته ولا في إلهيته،ولا في أسمائه وصفاته،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه ورسالته صلى الله عليه وعلى آله وصحابته.أما بعد:فـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102).أمة الشكر والتقوى مُطرنا يوم أمس بفضل الله ورحمته،فمن منا تأمل في هذا الحدث الكريم؟.نعم قد يكثر الكلام في المجالس والإعلام عما تسببت فيه تلك الأمطار في المنشآت والطرقات ونحو ذلك!.بيد أني أرجو منكم أن تسمحوا لي بأن أتحدث عن ذلك الحدث من زاوية أخرى؛ألا وهي تأثير ذلك الحدث في القلوب.وهذا ليس من عندي بل هو دأب من يريد الخير والصلاح لأمة الإسلام ؛خرج عمر بن عبد العزيز مع الخليفة سليمان بن عبد الملك في رحلة أو حج فأدركهم المطر وصدر صوت رعد اهتزت له القلوب فمال عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وقال:يا أمير المؤمنين من كانت هذه آثار رحمته فكيف تكون آثار غضبه؟.يا من آمن بقدرة الله وقوته نحن منذ أيام متخوفون من آثار رحمة الله فالهيئة العامة للأرصاد حذرت مشكورة من احتمال سقوط الأمطار الغزيرة،وتوالت تحذيرات الدفاع المدني ونحوه من الجهات ذات العلاقة،ومع بدأ نزول المطر هرعنا لبيوتنا لنحتمي في الكتل الخراسانية،أحبتي في الله إذا كان كل هذا الهلع والخوف والتحذيرات واتخاذ الحيطة من رحمة الله،فإنا بحاجة أكبر لمن يحذرنا ويصرخ فينا ـ بحاجة أكبر لخوف من سخط الله،من غضب الله،من انتقام الله..فمن يقوم بذلك؟.هل لنا أن نتنادى لإنشاء محطة إنذار مبكر من غضب الله وسخطه؟.ومتى يغضب الله؟.يغضب الله إذا انتهكت محارمه علانية،يغضب الجبار إذا قُدِّمت الشهوات وأُخرت الطاعات،يغضب العظيم إذا تفشى الظلم والربا وأكل أموال الناس بالباطل.يغضب الله متى ما أعرضت الأمة عن سبيله،ويرضى سبحانه متى ما استقامت وتمسكت بدينه أخبرنا عن ذلك بقوله جل في علاه : { ..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ()وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }(البقرة:38-39).أيها المعظمون لربكم هل تأملتم الرياح التي هبت قبيل هطول الأمطار وكيف كان فيها من الشدة فاقتلعت بعض الأشجار وتسببت في سقوط بعض اللوحات ونحوها تلكم الرياح يصفها لنا الله الخلاق العظيم بقوله: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (الأعراف:57). أسمعتم يا عباد الله تلك آثار البشرى فكيف بآثار العذاب عياذاً بالله؟.أحبتي في الله من الذي صنع من ذرات الهواء اللطيفة تلك القوة التي اقتلعت الأشجار وعملت ما عملت؟.بل من الذي يجعل منها قوة مدمرة تدمر مدناً وأمماً بأكملها كما نرى في الأعاصير التي تصيب بعض البلدان في زماننا،والتي دمرت قوم عاد فأخبرنا الله عنها بقوله:{ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ()إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ()تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ()فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ()وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } (القمر:18-22).إن الذي خلق ذلك كله ودبره هو الله ، فهل يعظم في قلبنا سواه؟. يقول الله في كتابه الكريم :{ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(النمل:63). يا من امتلأت قلوبهم من عظمة الله من الذي جعل من قطرات الماء السائلة اللطيفة سحاباً مظلماً مسوداً يبرق ويرعد أليس هو الله؟.بلى والله ..فلا إله إلا الله ما أعظم قدرة الله،ثم من الذي أنزل من ذلك السحاب ماء تحيا به الأرض وتزهو بالخضرة والحياة أليس هو الله،فسبحان الله ما أجمل وأكرم صنيع الله؛وهذا ربكم يخبر بقوله:{ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } (النمل:60).أحبتي في الله تأملوا كيف تنبت الأرض بعد هذه الأمطار حتى التي لم تمتد لها يد البشر وتضع فيها بذرة،ثم تذكروا أنني وإياكم وجميع الخلائق سيعيدنا الله بعد الموت للحساب والجزاء ويخرجنا من قبورنا تماماً كما أخرج تلك النبتات؛يقول القدير المقتدر جل في علاه:{ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }.(الزخرف:11).أحبتي في الله من الذي حدد كمية المطر التي نزلت علينا يوم أمس،ولم يترك لها العنان لتُغْرِقَ وتُدمر كما فعلت بقوم نوح أليس هو الله،بلى والله؛ فتأملوا معي أحبتي كيف يطيع المطر ربه وينزل بعدد القطرات الذي حددها له، وكم من الإنس والجن يعرضون عن طاعة ربهم ويعصونه والجبار العظيم يتوعدهم بقوله :{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ()وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } (النساء:13-14).

الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه،والشكر له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله وعظِّموا الله في قلوبكم وقلوب أزواجكم وأبنائكم وكل من حولكم تسعدوا في الدنيا والآخرة.أحبتي في الله من بعد انتهاء الصلاة سينظم كل واحد منا لمجلس إما في بيته أو مع أقربائه أو حتى غداً مع زملائه وأصدقائه في العمل أو في المدرسة،وأخشى أن يكون معظم الحديث عن الأمطار فيما تسببت فيه من سلبيات وتلفيات،وقد يكون هذا من الشيطان فبدلاً من أن تشتغل الناس بحمد الله على النعمة قد تنصرف للعكس عياذاً بالله في صورة تذمر واستياء من المطر،فأرجو من كل واحد منكم أن ينقل الحديث لجوانب النعمة في الموضوع والحديث عن رحمة الله بنا فلم يجعلها عذاباً علينا كما جعل الريح على قوم عاد،والأمطار والفيضانات على قوم نوح،مع أن في مجتمعنا من البلايا والذنوب والتقصير والجرأة على الله ومحارمه عياذاً بالله ما فيه،ولنتحدث معهم عن جوانب عظمة الله في المطر،ولنذكرهم بسعة رحمة الله الذي وصفها لنا بقوله:{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }(النحل:61).ولنخوفهم من غضب الله ونطلب منهم العودة إلى الله والاستقامة على دينه مذكرين لهم بقول الله:{ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقً } (الجن:16).

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية