اطبع هذه الصفحة


واجبنا نحو الحجيج موسم حج

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الذي رفع السماء بلاعمد ، الحمدلله الذي خلق الخلق وأحصاهم عدد ، الحمدلله الذي رزق الخلق ولم ينسى منهم أحد ، الحمدلله الذي لايرجى من سواه العون والمدد ، أحمده سبحانه وأشكره فهو لعباده المتقين نعم المعين والسند ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له أكرم حجاج بيته فحرم الشهر والبلد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من حج بيت ربه وعبد فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مالبى ملبىٍ للبيت وقصد ، وماركع راكع لله أو سجد .

أما بعد : فاتقوا الله عباد الله فإنكم غداً بين يدي ربكم موقوفون وعن أعمالكم وأقوالكم مسئولون وبما كسبتم مجزيون وعلى تفريطكم نادمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره }
أخي الحبيب هلا تأملت في بعض نعم الله عليك ، هلا تأملت كيف يكون حالك لوكنت من أبوين كافرين ؟ فمن الذي جعلك من أبوين مسلمين أليس هو الله ؟ من الذي أنار بصيرتك وهداك إلىالإسلام أليس هو الله ؟ من الذي اصطفاك من بين ملايين المسلمين لتسكن البلد الحرام ولتجاور البيت الحرام أليس هو الله ؟

فها هي أخي الحبيب مواكبُ ضيوفِ الذي خلقك وصورك وهداك وأسكنك بلده الحرام تتوافد عليك فما أنت فاعل ؟ لو أن رجلا عهد إليه ملك من الملوك أو أمير أو وزير أو مدير العناية بضيوفه كيف يكون حاله ؟ ستجده بلاشك فرحٌ بتلك الثقة الغالية ويبذل جهده لإرضاء ضيوف سيده حتى لايًحدثُ ما يغضبه . هذا مع ضيوف رجل مثله من البشر يأكل وينام ويموت، فهلا استشعرنا أهمية خدمة ضيوف ملك الملوك الذي بيده خزائن السموات والأرض من لاراد لقضائه ولامعقب لحكمه ؟

أخي الحبيب إحذر من عدوك اللدود إبليس ، لاتكن كذلك الذي أوهمه عدوه بأن موسم الحج موسم كسب مادي فقط فجعل على عينه غشاوة المال فذهب يجمعه من حل أو حرام وأخذ يحتال على ضيوف الرحمن ليستخرج أكبر قدر من المال منهم ، فأنساه أن رزقه قد كتب له منذ أن كان في بطن أمه أخرج البخاري عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نطفة ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ)) فرزق الإنسان مكتوب له فهو إما أن يأخذه من حلال أو يأخذه من حرام يحكى أن رجلا من السلف أراد الدخول إلى المسجد لحاجة في غير وقت الصلاة فعهد عند باب المسجد بدابته إلى رجل ليحفظها له حتى يخرج وكان ينوي أن يعطيه بعد الخروج درهمين لقاء حفظه للدابة ، فلما خرج وجد أن الرجل قد سرق لجام الدابة وفرَّ به فعاد إلى بيته وأرسل غلامه إلى السوق ليشتري له بالدرهمين لجاما آخر فجاءه الغلام باللجام فنظر إليه فإذا هو نفس لجام دابته الذي سُرق فقال سبحان الله كتبت له فأخذها من حرام بدل من أن يأخذها من حلال ، ولا أقصد أخي الحبيب أن لا تطلب الرزق من العمل أو الاتجار في الحج فهذا مما أباحه الله في قرآن يتلى إلى يوم القيامة حيث يقول الباري جلت قدرته في سياق آيات الحج : { ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم ..} ، لكن ابتعد عن الغش والمغالاة في الأسعار وسوء الخدمة ونحوها وليكن ضابط ذلك عندك قول نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم :((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )) أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه .

أخي الحبيب إن أكثر الحجاج كما تعلم يأتون من كبار السن فاحرص على رحمتهم فالراحمون يرحمهم الله ، ومن لايرحم لايرحم ، واستمع معي إلى هذه القصة التي يحكيها لنا خير لورى صلوات ربي وسلامه عليه حيث يقول : ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا فَقَالَ نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) فإذا غُفر لهذا الرجل برحمته لكلب فكيف بك وقد رحمت إنسان وهذا لإنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو ضيف للرحمن فتخيل كما هو الأجر الذي سوف تناله برحمتك لضيف الملك الديان.

أخي الحبيب أنت ليس كغيرك من المسلمين في البلدان الأخرى فأنت تعيش في قلب العالم الإسلامي الذي يصدر النور والهدى للعالم أجمعين ، أنت في البلد التي نزل القرآن أول مانزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ترابها ، فكم من الحجيج يأتي وهو يمني نفسه بأن يرى أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ، فإياك حفظك الله أن يرى منك جرأة على المعصية أو مقارفة لمنكر فيُصدم ، وينقل غداً أن قلب أمة الإسلام فيه من يرتكب المنكرات فيهون ذلك عليه وعلى أهل بلده فتكون عياذاً بالله داعية سوء للأسلام ، واحرص أخي الحبيب أن تجعل الحاج يخرج من عندك وقد عاد إلى بلاده بشيء أفدته فيه من أمور الدين ، وإن لم تستطع أن تجعله يقتدي بك عملياً فلا أقل من كتاب أو شريط فيه دلالة على الهدى تعطيه إياه قال خير الورى صلى الله عليه وسلم :((مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)).

أخي الحبيب لقد أكرم الله هذه البلاد واختار للإشراف على خدمة الحرمين حكومة تبذل ما في وسعها لتيسير أمور الحج وراحة الحجيج انطلاقاً من تعاليم الإسلام الذي آمنت به وقامت عليه ، فهاهي تبذل جهدها لتكون لك عوناً على أداء مهمتك في خدمة الحجيج فضع يدك في يدها لتكتمل الصورة ويجد ضيف الرحمن مايريحه ويعينه على أداء نسكه ، وذلك من خلال تقيدك بتعليمات الحج التي تصدرها حكومة هذه البلاد ، واعلم أخي الحبيب أنك مسؤول عن أمن الحجيج فإذا رأيت مايريب من منشورات أو تصرفات مريبة تخشى أن تخل بأمن الحجيج فأبلغ عنها أقرب مركز للأمن ، أخي الحاج الحبيب اعلم رحمني الله وإياك أنك بين أهلك ومحبيك وبين من يسعون لخدمتك وراحتك فأعنهم على تقديم الخدمات لك ولإخوانك الحجاج من خلال تقيدك بتعليمات الحج .

أخي الحبيب إذا كان أهل الجاهلية في جاهليتهم كانوا يفتخرون بخدمة الحجيج فحق لك أنت أن تفتخر بذلك لأنك حينما تخدمهم إنما تؤدي عبادة جليلة فاستشعر دائماً نية الإخلاص لله تعالى وأنك تخدم هؤلاء الحجيج رغبة في الثواب من الله يعطيك الكريم أجزل المثوبة والعطاء ، ومايدريك قد تحسن إلى ضيف من ضيوف الرحمن فيرفع يده فيوم عرفه يوم الموقف الأكبر يدعو لك فتكون تلك الدعوة سبب لرحمة تهبط عليك من ربك ومولاك ، واعلم أخي أنك سوف تسأل غداً فأعد الجواب حينما يسألك ربك ياعبدي أسكنتك بجوار بيتي واخترتك من بين عبادي لخدمة ضيوفي فماذا فعلت ؟ واعلم أن الذي يسألك لاتخفى عليه خافية في الأرض ولافي السماء ، فقبل أن تتكلم بأي كلمة أو تتصرف أي تصرف أعد الجواب ماذا أقول لربي غداً إذا سألني ؟

أخي الحبيب ماهي إلا أيام معدودة فاحرص أن تكون فيها ممن فاز بخدمة ضيوف رب العالمين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { وأذِّن في الناسِ بالحجِ يأتوك رجالاً وعلى كُلِ ضامرٍ يأتينَ من كُلِ فجٍ عميقٍ لِيَشْهدوا منافع لهم ويذكروا اسمَ اللهِ في أيامٍ معلوماتٍ على مارزقهم من بهيمة الأنعامِ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حُرُمَاتِ اللهِ فهو خيرٌ له عند ربه } .

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد : فعليكم عباد الله بتقوى الله في السر والعلن فهي سبب تيسير الأمور يقول جلَّ شأنه : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} . عباد الله لنربي أولادنا على أن خدمة الحجيج هي واجب علينا وشرف لنا ، ولانربيهم على كم هو المال الذي يستطيع الإنسان كسبه في الحج ، لنعلمهم بالقول والعمل أن أهل هذه البلد الحرام يجب عليهم أكثر من غيرهم التمسك بتعاليم هذا الدين في المظهر والمخبر لأنهم قدوة لملايين المسلمين . ألا واعلموا أن بين يديكم أيام عظيمة هي أيام العشر الأول من ذي الحجة والتي يقول فيها رسولن صلى الله عليه وسلم : ((ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُ إلى الله من هذه الأيامِ)) -يعني أيام العشر - قالوا : يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: (( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرجَ بنفسهِ ومالهِ فلم يرجع من ذلك بشيء)). فاحرص أخي الحبيب على اغتنامها واكثر فيها من الصيام وتلاوة القرآن والذكر ، ومن كان في خدمة الحجيج فليستحضر النية بأنه إنما يخدمهم لكونهم ضيوف الرحمن يبتغي بذلك وجه الله فهي عبادة جليلة ، ولايمنعه ذلك من كثرة ذكر الله أثناء عمله .

واعلم أخي الحبيب رحني الله وإياك أن مما استحب لك في نهاية هذه العشر هو الأضحية وهي خير من أن تتصدق بثمنها لقوله صلى الله عليه وسلم : ((مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا )) أخرجه ابن ماجة ، كما يسحب لمن نوى الأضحية أن لايأخذ من شعره أو ظفره لما أخرج الإمام مسلم عن أمنا أم المؤمنين أم سلمة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ)) ولعله في خطبة قادمة يكون الحديث عن تفصيل الأضحية وأحكامها .
ألا وصلوا على الهادي البشير والسراج المنير فقد أمركم ربكم بذلك إذ يقول : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءآمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية