اطبع هذه الصفحة


مفهوم شعار الحرية
(joma529)26/4/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله تفرد إلهاً وتفرد رباً وتفرد مشرعاً،أحمده جل شأنه وأشكره وعد الموحدين السائرين على شريعته الجنة موعداً وموئلاً،وجعل النار للمعرضين والمشككين في دين الله مورداً،وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لاشريك له و لاند ولا مساعدا ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج محباً وثابتاً. أمابعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعدكم ذلكم ربكم بقوله:{ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا()لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا()تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا }(مريم61-63). أمة الأمن والإيمان ما الذي يثير المشكلات؟.ما الذي يأجج نار الشغب؟.إن العامل الأساس في ذلك هو اختلاط المفاهيم،ويزداد الأمر تعقيداً وخطورة إذا كان الأمر يتعلق بحياة العامة؛تعالوا معي أحبتي لنقترب من الصورة لنلمسها عن قرب؛لو همس شخص في أذنك وقال لك:أنت تعيش في قيود وكبت وسجن كبير،وأنا أدعوك للنضال السلمي لكسر تلك القيود والتمتع بعبير الحرية،هذه الهمسة الخبيثة تجد صداها في حياة الشباب بصفة خاصة لأنها منطقية، فالإنسان الذي يعيش بلا قيود أقدر على الحركة والإنتاج والتمتع بالحياة من شخص مقيد بقيود،ولو كانت خفيفة، هذا هو المبدأ أو الأساس الذي يُطلب وفقه من الشباب رفع شعار المطالبة بالحرية والخروج للشوارع لنصرته،فنقول أحبتي إن شعار الحرية شعار جميل وبراق ولا يختلف عليه اثنان من حيث المبدأ،إلا أننا كما قلنا سابقاً في شعار الإصلاح وأنه فضفاض مالم يوزن بميزان الشرع وأن أول فتنة دخلت على أمة الإسلام كان أهلها يرفعون شعار الإصلاح واستحلوا دم الخليفة الراشد عثمان بن عفانباسمه،أحبتي دعونا نتعرف على شعار الحرية عن كثب؛إنه يعني الحرية المطلقة في كل شيء؛التحرر من كافة القيود الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية،إنها تعني أن يرى الرجل ابنه المدخن أو المتعاطي للمخدرات فينهاه فيرد عليه الابن بكل برود أنا حر!.أن يرى الأب ابنته في أحضان الشباب ولا يحق له التدخل لإنقاذها باسم الحرية الفردية،وإن نصحها ردت عليه بكل برود أنا حره!.ترى شباب لا يصلون بجوار المسجد فتنكر عليه فيقولون لك نحن أحرار!.أن ترى الفتاة المتبرجة المتعطرة المتسكعة في الشوارع والأسواق في دعاية فاضحة لانتهاك عرضها وشرفها فتنكر عليها فتقول أنا حره!.وقد وصل الحال في بعض الدول التي ترفع شعار الحرية أنك ترى الزنا بأم عينيك والرجال تنزو على النساء في الشوارع ولو تكلمت أو نصحت كان مصيرك السجن لأنك تدخلت في حرية غيرك،الحرية المطلقة تعني أن يخرج علينا رجال ونساء من خلال الكتب والمؤلفات أو من خلال أي وسيلة إعلامية يستهزؤون بالدين وبالقرآن وبالنبي صلى الله عليه وسلم باسم الحرية؛وقد رأينا كم من الدول قامت مدافعة عن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم تحت شعار الحرية.تحت شعار الحرية يكون من حق أي شخص أن يقوم ويسفه النظام السياسي في البلاد ويدعوا ويحرض للخروج عليه ويجمع الجموع لذلك!.وما تلك إلا أمثلة لسلسلة يطول عرضها؛فهل هذه هي الحرية التي تبني وتؤدي لتقدم الشعوب ورفاهيتها؟.ولو بحث عاقل منصف في أمراض المجتمعات والدول الاجتماعية والاقتصادية بل وحتى السياسية يجد أن أُسَّها هو شعار الحرية المطلقة؛فهل هذه هي الحرية التي يريدها الإسلام لأتباعه الله جل في علاه خلق الإنسان حراً في اختياره فقال:{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }(الإنسان:3).ثم بيَّن له ما يترتب على اختيار طريق الضلالة وما يترتب على اختيار طريق الهدى،حريتنا في الإسلام مقيده بقيود فرضها علينا من خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا،فهل تلك القيود تعيق تقدمنا وسعادتنا ورفاهيتنا،نقول:لا والله بل تلك القيود هي التي تحقق لنا السعادة والرفاهية؛ولتقريب الأمر للأذهان تعالوا نستعرض بعض الأمثلة:أنت يوم أن تضع سوراً حول سطح منزلك وضعت قيداً على حرية حركة أبنائك فوق السطح،فهل يقول عاقل أن هذا القيد هو ضد مصلحة الأبناء؟أم أنه لحمايتهم وحفظهم،مريض السكر يوم أن يذهب للطبيب يمنعه الطبيب من أكل الحلويات والسكريات فهو في الواقع قيد حريته في الطعام،فهل يقول عاقل بأن هذه القيود هي ضد مصلحته؟.أم أن الهدف منها هو الإبقاء على حياته وأن يستمتع بها،مريض الضغط يذهب للطبيب فيمنعه من تناول الملح والمخللات ونحوها فهو في الواقع قيد حريته في الطعام،فهل يقول عاقل بأن هذه القيود تعيق رفاهيته واستمتاعه بالحياة؟.وإني من هذا المكان أتحدى أي فرد على وجه الأرض وفي كل مكان أو زمان أن يثبت في أي قيد فرضته الشريعة على الحريات الفردية أو الجماعية أنه ضد مصلحة الفرد أو المجتمع أو أنه لا يحقق مصالحهم ورفاهيتهم وتقدمهم،حكمنا العالم بالإسلام سنين طويلة ولم يُثْبِتِ التاريخ أنه قد مر على العالم رفاهية وسعادة واطمئنان مثل التي كان فيها محكوماً بشرع الله القويم،فقد وعد الله العظيم الحليم العليم الكريم من اتبع شرعه وتمسك بدينه فرداً كان أو دولة أو مجتمعاً بالسعادة والهناء والرخاء ودلائل ذلك في القرآن كثيرة اخترت لكم منها قوله جلت عظمته مخاطبكم أنتم ومخاطباً كافة بني آدم:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى()وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }(طه:123-124).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،واعلموا رحمني الله وإياكم أن معظم البلاء والشر في أمور ديننا ودنيانا يأتي من خلال التباس المفاهيم وعدم وضوحها؛عن مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يشرب ناس من أمتي الخمر،يسمونها بغير اسمها،يُضْرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات،يخسف الله بهم الأرض"(صحيح ابن حبان،ج15،ص160،ح(6758)).فكم أكل أناس الربا بمسمى الفائدة،وكم شربوا الخمر باسم المشروبات الروحية،وكم سمعوا الغناء وخنا المسلسلات باسم الفن وهكذا،فإذا أردنا عباد الله لأنفسنا ولأهلينا ولمجتمعنا السلامة فعلينا أن نسعى لتمحيص المصطلحات الشائعة والشعارات المرفوعة حتى لا يغتر بها شبابنا ومجتمعاتنا وليكن ذلك في مساجدنا وفي مدارسنا وفي كافة وسائل إعلامنا،والميزان في ذلك الرجوع لمعانيها الحقيقة في ديننا في كتاب ربنا في سنة نبينا،لا في ما تبثه القنوات الفضائية أو ما تقرره المنظمات الدولية ومستند ذلك قول الله جل في علاه:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }(النساء:83).



 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية